إن عوامل النهضة التي تفرضها الظروف البيئية، والأخلاقية، والتربوية ضمن الإطار السياسي والاقتصادي لأي بلد، لابد أن تكون متكاملة مع رغبة واستعداد شعبي، للنهوض والتقدم في كافة المجالات، خاصة ما يتعلق منها بالجوانب
العلمية والتخطيط الذي يقود بالضرورة الى بناء منظومة عمل متكاملة، ومتينة، تعتمد الخبرة والكفاءة وتكافؤ الفرص، لقيام أجهزة مهنية معتبرة وناجحة تبني الإنسان، وتصقل قدراته وتنمّي مهاراته بما يصب في الصالح العام وبما تقتضيه ضروراته، وتكون النتائج والمخرجات بمستوى طموح القادة المُفكرين، فضلاً عن توحيد الجهود والأهداف للوصول الى مجتمع مبدع يبتغي وطناً كباقي البلدان وينمو بشكل مضطرد يوازي تطلعات شعبه، ويُبرز اقتدار شبابه على نحو متقدم وزاخر.
فيما يتعلق بالعراق فإن صفات الامكانية والاقتدار التي تملأ أرضه وسمائه وأنهاره وجباله وموارده البشرية المتطلعة لتشييد بنى تحتية تساهم بالتقدم الذي ينشده الجميع، إلا أن التخطيط في بلادنا يقوم على أسس البداوة والتصفير ولا يرتقي الى الحد الأدنى المعمول به في مختلف دول العالم المتمدن والمنتج حتى تلك الدول النامية.
إذ لا بُد من توفر أيادي وعقول تعمل بمهنية عالية وسلوك مدني علمي رصين لقيادة مؤسسات الدولة نحو البناء، وإيقاف عمليات التخريب وتجريف آثار التَمدن، وإطفاء نور التعليم وتحريف ما متوفر من عقول قد تنفع في حال استثمارها مُستقبلاً، ومنع الانحدار الكبير على الصعيد التربوي والأخلاقي، بسبب سلسلة سياسات عاطفية، مؤدلجة لصالح فئة أو مذهب أو طائفة أو منطقة.
وعند تشريح العملية السياسية، لمعرفة مواضع الخلل والانحراف الإداري والسياسي الذي نتج عنه أزمات اقتصادية وكوارث أمنية، فإننا ببساطة نكتشف إن السلوك الخاص النابع من الانتماء للفئات دون الوطن هو الذي أودى بمؤسسات الدولة، ذلك السلوك المنبثق من رغبة في فرض وجهة نظر وطريقة وفلسفة فهم واحدة تُقصي الآخر أو تتحالف بمقدار المصلحة الشخصية، وتتوافق بمبدأ لا يتلاءم ومنطق بناء الدولة، وهذا ما يعزز الفكرة الشمولية للحكم، ويقويّ الانفراد في اتخاذ القرارات المصيرية، التي أثبتت التجارب في محطات مهمة ومصيرية إنها أسست لفساد وسوء إدارة واضح أنهك الدولة ومؤسساتها.
المدنية في قبول الآخر والتوافق المبني على ثوابت المصالح الوطنية هو اللبنة الأساس لأي نظام يريد أن ينجح في العراق، في ظل تعدد قومي وإثني وديني ومذهبي.
هذا التلوين في صور المشهد السياسي بحاجة الى أفق حازم وعادل، يقدس فكرة المؤسسة، والدولة، ويقوي عضد القانون، ويحترم كل الاتجاهات، ويلتزم أخلاقياً برؤية وطنية جامعة تعبر عن وجهة كل العراقيين دون استثناء أو تمييز.
عوامل النهضة : مدنية الدولة إنموذحاً
(Visited 4 times, 1 visits today)