حراك تشرين: الحق الدستوري وفرص النجاح

حراك تشرين: الحق الدستوري وفرص النجاح

نراقب كل الكيانات التي أُعلنت، وستُعلَن، من رحم
تظاهرات تشرين، أو تلك التي تتناغم مع تطلعات الشباب
في ساحات الاحتجاج، او تلك التي تحاول جذب الجمهور
الصامت نحو شعارات اطلقها شباب تشرين من تغيير
الانماط المستهلكة لأساليب الاصاح والفهم المشترك
لواقع العملية السياسية العقيم، كالتجمعات المستجدة
والمشتقة من الاحزاب الحالية، على الرغم من توفر
إرادة إصاح شعبية متناغمة مع توجهات وحسابات أخرى
بعضها دولية.
العملية السياسية في العراق بنيت على أسِس انتخابية،
وتمحورت حول كيانات قومية ومذهبية،
تلونت في الآونة الاخيرة، وبذكاء، مع
رغبات وتطلعات وطنية، لكنها بقيت
ضمن دائرة التيارات المكوناتية،
وأن أي سلوك جديد في إدارة ملف
كيان انتخابي لابُدَّ من أن يستوعب
اللعبة السياسية للنظام القائم ومقدار
تقبلها وتفاعلها مع اي مشروع للتغيير،
مع قياس دقيق لحجم هذا التغيير
ومساحته والامكانات التطبيقية لتنفيذ
برامجه.
إنَّ إعان كيانات تحمل عناوين تشرين
يعني شيئين اساسيّين؛ الاول: تحول
الثورة او الانتفاضة الى احتجاج سياسي
منظم يُشارك في العملية السياسية
كجبهة معارضة. والثاني: قبول واعتراف
بالنظام السياسي، ومن ثم التعامل
مع مفرداته السياسية والتعاطي مع
سلوكياته الصحيحة والخاطئة حتى لو
بالحد الادنى، مما يشكل حرجاً كبيراً
أمام بعض تلك التكوينات السياسية في قادم الايام.
ليس لأحد أن يصادر حق المحتجين والمتظاهرين في
خوض الانتخابات ومحاولة التغيير من داخل العملية
السياسية، إذ لا يمكن باي حال من الأحوال، في الوقت
الراهن على الاقل، اجراء اي تغيير يصب في صالح
الجماهير إلا من خال النظام نفسه، وإن عملية إيصال
صوت الرفض الجماعي في ساحات الاعتصام سيكون
مسؤولية وطنية كبيرة يتحملها من يأخذ على عاتقه
التصدي لأعمدة الفساد وعناوينهم وجيوشهم، فضاً
عن بعض الخصومة من شركاء الساحات ذاتها، حيث
رومانسية الثورة التي تفرض نمطاً متشدداً من التفكير
المتشدد تجاه المنظومات الحاكمة، فضاً عن أن هناك
حقيقة ثابتة ينبغي عدم اغفالها وهي أن مسألة التغيير
الجذري بحاجة الى توافق دولي، وامريكي بالتحديد، مع
القوى الاقليمية المحيطة بالعراق، وهذا أمر مستبعد
الآن، ولا احد يتحدث عن توجه معين بهذا الشأن، بل
على عكس من ذلك هناك اسناد للدولة والحكومة
القائمة من الدول ذات التماس والتأثير المباشر مع
العراق.
ولكن وفي الوقت ذاته يحاول البعض من ثوار تشرين
ان ينأى بنفسه بعيداً عن الدخول بدائرة الكتل والاحزاب،
معلاً ذلك بان فرصة النجاح في تغيير واقع المواطنين
ضئيلة جداً، لذلك لن يكون الشباب الثائرين قادرين
على تحشيد المجتمع للخروج ومحاسبة الفاسدين كما
في السابق، لان ذلك سيفسر بمحاولة
جديدة للوصول الى السلطة، وعلى
الرغم من أن هذا الرأي لا يكاد يظهر
بشكل واسع على مواقع التواصل
الاجتماعي، إلا أنه يعبر عن مخاوف
حقيقية في عدم القدرة على مجابهة
انظمة الفساد في المستقبل، إلا أن
ذلك ليس سبباً في عدم التفاؤل،
فربما ستوفر الاقدار فرصة للنجاح
بالمستقبل القريب، وربما ايضا قوضت
هذه الحركة من آمال العراقيين بتمثيل
احتجاجي يقوم على مبداء الايثار،
ويكون مصدراً الهام وتحفيز كبيرين
لشباب الوطن، يعبد لهم الطريق
مستقبلاً في بناء وطن ودولة على
أسس سليمة وغير مرحلية.
وبعد قرار تأجيل الانتخابات المبكرة
الى العاشر من تشرين الاول القادم،
لم تكن هناك ردة فعل رافضة
بمستوى الفعل، على الرغم من اني
توقعت انعدامها في وقت سابق من بداية الاسبوع،
عندما شاع في الاوساط السياسية نية التأجيل، وهذا
يفسر ان الشباب في الكيانات الجديدة بحاجة الى وقت
ومساحة أكبر من الماضي لتثبيت بعض مبادىء الدخول
للعملية السياسية، ووضع الترتيبات على جادة النجاح
كما يصرح الكثير منهم على شاشات التلفاز، ولاجل
المضي في محاولة الاصاح من الداخل – وهي الفرصة
الوحيدة المتاحة – بحسب قناعتي، فإن عملية استغلالها
اصبحاً فرضاً في كثير من الاروقة النقاشية وعلى
مواقع التواصل ايضاً، وهذا منطلق واسع وشرعي في
تحديث الأساليب الاحتجاجية، وضبطها مع مالات التجربة
الديمقراطية المزعومة، وهذا يتطلب مزيداً من الوقت
والتضحيات، وهو ما يراهن عليه طرفي النزاع الحقيقي،
شباب تشرين، وحرس العملية السياسية القديم.

(Visited 5 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *