الجيش بين العقيدة العسكرية والنظم السلطوية

الجيش بين العقيدة العسكرية والنظم السلطوية

تمر علينا هذه الأيام الذكرى المئوية لتأسيس الجيش العراقي،
والإحتفاء بهذه الذكرى لم يكن بمستوى المناسبة وهي 100 عام
على التأسيس ، سواء على الصعيد الرسمي الذي يُفترض أن يحتفل
بها إستثنائياً لما تعنيه من رمزية تجاوزت القرن من الزمان ، أو
الشعبي الذي إقتصر على هواجس وتأمات الشباب والنخب الثقافية
وبعض التيارات الحزبية والتنظيمية، فلم يكن حجم الإهتمام يتناسب
فعلياً مع الأثر المترتب والدور الذي أبداه جيشٌ على مدى عشرة
عقود من الزمن، ترافق معها محطات مهمة وتحويلية ساهمت في
صناعة تأريخ الدولة العراقية ، وتغيير سماتها ووجهاتها عدة مرات
ولأكثر من إتجاه، بل إن الجيش كان أداة لغالبية تلك الأحداث ،
التي تتصف بالدموية الإنقلابات والثورات والحروب الداخلية التي
كانت تشنها الأنظمة على معارضيها تحت عناوين الوطنية لمواجهة
الخيانة والتمرد كما يتناقل كتابهم من مدوني تأريخ تلك الحركات
التي هزت أرض العراق لمرات عديدة، ولأهداف متشعبة لم تكن في
غالبيتها سوى تغيير لصالح شخصي أو تنظيمي.
أرتبطت هذه الصورة العقائدية المتناقضة مع وقفات مُشرفة للجيش
العراقي دافعاً عن العراق أو الباد العربية في أكثر من مناسبة،
وأكتسب بذلك سمعة ريادية في البسالة والتضحية ووحدة الصف،
ليحقق إنفراداً غير مسبوق في المنطقة العربية في التنظيم والإنضباط
والتسليح، وكان في مقدمة المبادرين لتحقيق أهداف الأمة ، تلك
الأهداف التي لم ترى النور الى الآن ، وفي قبالة ذلك فقد إستطاع
الجيش العراقي خلق سلسلة طويلة من الضباط الباحثين عن المجد
من خال السلطة، التي تصارعوا عليها مراراً، فكانت من نتائج ذلك
أن إرتبطت تلك العقيدة مع فلسفة النظام الحاكم ومفهومه للدولة،
والسلطة كلٍ على حدة، في مراحل معينة وحقب زمنية مرت بالعراق
كانت عصيبة على الشعب ، ومحرجة لكيان وقدرة الجيش الإعتبارية،
وإلتزامه الأخلاقي تجاه عموم الشعب ، وهذه الإلتزامات تختلف كثيراً
فيما تكون للدولة وما ينسحب على ذلك من حماية للشعب والنظم
القانونية والعمليات السياسية المسندة بدستور ونظام وما يترتب
على ذلك من علاقة إحترام وثقة مبنية الى نظم وسياقات معرفية
ومفهومة للحقوق والواجبات.
أما الإلتزام الآخر فهو إرتهان سلطوي يقوده الحكم الفردي أو
الجماعي أو فئوي) كما حدث في سبعينيات القرن الماضي وإستمر
عدة عقود(ويكون فيه الجيش وسيلة للقمع وتصفية الخصوم، وغالباً
ما تكون العلاقة مع المواطنين ومؤسسات الدولة المدنية غير
متكافئة ولا تخضع لمعايير سلطة القانون والأعراف المتفق عليها،
بل تصل الى مرحلة التقاطع الإنساني، وهو ما يعمل عليه جاهداً
الحاكم المستبد ، أو الحاكم الذي يتوجه لتحقيق أهداف يعتقد إنها
تخدم الأمة العراقية بشكل أو بآخر وتكون بعض أو كل تشكيلات
الجيش مرتكزاً رئيسياً لحكمه.
هذا التجاذب والتنافر في مفاهيم الأنظمة الحاكمة التي مرت بسلطة
العراق على مدى قرن من الزمن، إنعكس سلباً في تكون عقيدة
عسكرية واحدة ، ذات ملامح واضحة تتبلور أدواراً في الممارسات
المعتادة لأي جيش محترف في العالم كنموذج ، وظلت تلك الأدوار
تتراكم في صورة بعضها الأبرز كان قاتماً لا يبعث للتفاؤل ولا يعزز
ثوابت الوحدة الوطنية في ضمائر ووجدان شعب يتطلع أن يكون
جيشه مرآة لأحلامه ، في البناء تارة ، وفي همم الذود عن حدود
الوطن.
ومع تلك الإشكاليات التي كانت بدفع سياسي غير مدروس ، ولا
متفهم لمستقبل الأمة وسورها العسكري ، لكنه بقي يحظى بإعتزاز
عالٍ ، وإجماع وطني لا يتكرر مع مؤسسة أو مناسبة أخرى ، بأنه أمل
ذلك الشعب الذي يتحدث بفخر ومرارة عن يوميات وحداته وكل
فعالياته ، ويأمل مرة أخرى أن يكون إطاراً شاملاً يُثبت دعائم دولة
المؤسسات، وحماية الشعب من الطغاة والغزاة على حدٍ سواء.

(Visited 3 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *