في عالم السياسة لامكان للمستحيل.. فلكل أزمة حل

في عالم السياسة لامكان للمستحيل.. فلكل أزمة حل

نتناول اليوم في هذا المقال مشكلة فرعية نأخذها
كنموذج لأزمة سياسية قانونية عويصة ، سببتها الحرب
العالمية الثانية ، قلنا فرعية لأن الحرب كانت حرباً كونية
لم تؤدِ الى خلق أزمة واحدة في كل دولة فحسب ، بل
خلقت أزمات فرعية ، فكل دولة في العالم أصابتها أزمة
إن لم نقل حزمة أزمات فرعيةخاصة بها.
لا مكان للمستحيل في عالم السياسة فلكل أزمة حل،
طال الزمن أم قصر ، سواء كان الحل مقروناً بسابقة
قانونية precedent أو حاً جديداً مبتكرا
تتخذه ماكنة صنع القرار السياسي في
بلد معين.
تعرضت مملكة يوغسافيا، خال الحرب
العالمية الثانية، الى سلسلة من
الهجمات الصاعقة للجيش الألماني ،
بدءاً من تاريخ 6 أبريل 1941 ، وقُسمت
أراضيها بين ألمانيا و إيطاليا و المجر
و بلغاريا ، ودولة كرواتيا الأوستاشية
، وهي دولة عميلة للاحتال ، أسسها
الجيش النازي تحت مسمى )دولة
كرواتيا المستقلة(.
أدى الهجوم الى خروج الملك بيتر
الثاني من مملكته ، عن طريق اليونان
، الى القدس إذ كانت تحت الانتداب
البريطاني، ومن القدس الى القاهرة
وأخيراً الى لندن.
كان شاغل القصر الملكي أن عرش المملكة بدون ولي
عهد ، وهذا يعني على الملك أن يتزوج رغم ظروف
الحرب والاحتال النازي لباده.
تم في 20 / 3/ 1944 بمقر السفارة اليوغسافية في لندن،
عقد قران الملك بيتر الثاني على الأميرة اليونانية
الكسندرا ، وكان ملك بريطانيا جورج الخامس شاهداً
في عقد الزواج. الحفل كان مختصراً وبسيطاً حضره ملك
النرويج هاكون ، وملكة هولندا ويلهلمينا وملك اليونان
جورج ووزير خارجية بريطنيا أنتوني آيدن.
في 17 / 7/ 1945 ولدت الملكة الكسندرا مولودها البكر
ولي العهد الكسندر، فكان مسقط رأس ولي العهد هو
فندق كلارجيس ) Claridges (. ولكن الفرحة لم تكتمل
ووضعت الجميع أمام حالة من اليأس بسبب مكان ولادة
ولي العهد.
وهذه الجزئية البسيطة قد خلقت إعاقة كبيرة تحول
دون إمكانية جعل المولود الجديد ولياً للعهد ، ذلك
أن دستور مملكة يوغسافيا يشترط أن يكون الملك
يوغسافياً في الأصل والولادة.
أيقن الجميع بأنهم أمام مشكلة
مستحيلة الحل ، فمن المستحيل أن يتم
عقد جلسة للجمعية الوطنية للمملكة
)البرلمان( التي مزقت الحرب إقليمها
إرباً إربا. والبرلمان هو الجهة الوحيدة
المخولة لتعديل الدستور.
بادر رئيس الوزراء البريطاني ونستون
تشرتشل الى حل هذه المعضلة بذكاء
خارق عندما أصدر بياناً رسمياً ينص
على أن جناح رقم 212 من فندق
كلارجس في لندن إقليماً يوغسافياً.
فانتهت الأزمة وتم تعميد ولي العهد
على يد بطريك الأرثدوكس وكان شاهد
التعميد ملك بريطانيا جورج السادس
وإبنته الأميرة اليزابيث )في حينها(
والتي أصبحت فيما بعد الملكة اليزابيث
الثانية.
ولنأخذ عبرة من دروس التاريخ ، فعراقنا اليوم يشهد
تفاقم مشكلاته السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية،
إذ تعرضت منظومة الاخاق الى هزات تشويه بائنة.
نعم نحن أمام أزمة جدية شاملة تضع مستقبل العراق
على كف عفريت ، لكن في عالم السياسة لا مكان
للمستحيل – فلكل أزمة حل، وأول مفاتيح الحل توفر
الإرادة الوطنية التي تضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار
آخر.
أما متى؟ وكيف؟ فذا يتوقف على همة النخب العراقية
في عبور الوطن الى بر الأمان.

(Visited 2 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *