تعتبر واحدة من مهام المثقف المعتدل هو الانحياز
للحقيقة.
ثمة اسباب كثيرة ومعقدة في الواقع العراقي
الراهن لا تسمح بالانحياز الايجابي فهناك تحشيد
وتعبئة اعلامية غاضبة لصالح الغاء الاخر وتهميشه.
وخلف هذه الدوافع تجلس حسابات متراكمة
بين جميع الفرقاء من مختلف التوجهات الفكرية
والعقائدية والثقافية والاجتماعية والقومية.
في الحالة العراقية لا يختصر الامر على تجاربنا
الحديثة والمعاصرة بل ان لها عمق سياسي
وتاريخي متجذر في سلوك الشخصية العراقية.
نجد مثا ان مفهوم السيطرة والعزل والالغاء كانت
منهجاً قديماً ومتواتراً في كل السالات والحضارات
العراقية المتعاقبة بدءاً من العهود السومرية الاولى
حتى الان )الالف الثاني والالف الثالث قبل المياد(
مروراً بالحضارة البابلية وحكم حمورابي حينما
قضى على ممالك لارسا ومالجو وشنونا.
حيث يؤرخ حمورابي في مذكراته الشخصية كيف
قام بالغاء واستباحة تلك الممالك بعد ان حصل
على مباركة الالهة ) مردوخ (.
والالهة هنا غطاء يتمترس خلفه بعض الحكام من
اجل تحقيق مطامحهم وغاياتهم الشخصية في
بسط السيطرة والنفوذ والقوة.
واستمر هذا الحال بين دول فجر السالات حيث
يحكى ان الاسكندر المقدوني حينما سيطر على
العراق بدء يعاني من مشاكل مع اهل العراق
فحاول ان يستشير الفيلسوف المعروف سقراط فطلب
مشورته في قرار يتخذه مع العراقيين حيث لا يعرف
كيف يتصرف معهم بعد ان اتعبوه كان يفكر بنفيهم
من الباد ويستبدلهم بشعب اخر لكن سقراط لم
ينصحه بذلك لان هذا الاجراء لا ينفع معهم قال له
الذين ستأتي بهم سيشربون من ذات الماء ويأكلون
من ذات الثمار وسيتطبعون من جديد على ذات
الاخاق والسلوكيات. استمر مشروع الالغاء والقتل
والابادة والنفي والتهجير لعصور لاحقة.
يذكر لنا التاريخ كيف قام مصعب ابن الزبير بقتل
المختار بن يوسف الثقفي ثم حاصر جيش المختار
وعددهم 6 الآف عراقي وقام بذبحهم جميعاً.
ولا ننسى تجارب الحجاج وما قام به من مذابح
ونفي وبطش بأعداد كبيرة من سكان اهل العراق.
استمرت دوامة العنف والالغاء والسجن والابادة في
المشهد العراقي وقد لا يدرك البعض خطورة هذه
النظرية. حيث تدل على تراجع مستوى فهم التاريخ
وعدم قرائته من قبل الساسة والحكام الجدد.
وعرفنا ماذا حصل في العهد الملكي من اعدامات
ثم مذابح العائلة المالكة. بعد ذلك ما حصل من
مجزرة بحق عبد الكريم قاسم ورفاقه. وجاء حزب
البعث وبداية سلسلة جديدة من العنف والالغاء
والذبح والتنكيل والتهجير والتضييق السياسي.
ورغم مرور هذا الزمن الطويل بكل ما رافقه من
حكام وحروب وعقائد واساطير وخراب ومحطات.
لم يتغير اي شي في جوهر هذا الصراع القائم على
نفي الاخر والغاءه والتنكيل فيه وشيطنته بمختلف
الوسائل. حتى دخلنا في مجاز حصرية تتمثل بمجزرة
حلبجة والانفال ومجاز الجنوب والمقابر الجماعية.
لحين مجيء داعش ممثلة ) بفكر البغدادي ( ومجزرة
سبايكر كجزء من استراتيجية التطهير الطائفي.
في حقيقة الامر ان الحياة تغيرت، صناعات وابتكارات
ومدن وشوارع لكن عقلية الالغاء والابادة والفكر
المتطرف لم يتغير في جذور وعمق شخصية
الانسان المعاصر.
نظرية الغاء الاخر وعمقها النفسي في الشخصية العراقية
(Visited 7 times, 1 visits today)