البصائر العميّة في دعوات المراقبة الأمميّة

البصائر العميّة في دعوات المراقبة الأمميّة

في الجلسة التأسيسية التي عقدها مجلس الأمن
الدولي في 17 كانون الثاني من العام 1946
في Church House, Westminster في العاصمة
البريطانية لندن، خرج المجتمعون بتوصيات أطلق
عليها )ميثاق( المجلس، والتي انحصرت في نقاط
أربع فقط، نراها من خال النص والفحوى أنها
جميعاً ذات مفهوم أممي، ذي ارتدادات عالمية
وليست محلية لأية دولة.

  1. حفظ السلم والأمن الدوليين. )ارتدادات عالمية(
    صريحة.
    2.إنماء العلاقات الودية بين الأمم. )ارتدادات
    عالمية( صريحة.
    3.التعاون على حل المشاكل الدولية وعلى تعزيز
    احترام حقوق الإنسان. )ارتدادات عالمية(صريحة.
    4.والعمل كجهة مرجعية لتنسيق أعمال الأمم .)
    ارتدادات عالمية(.
    من هذه المقدمة البسيطة ،ندرك أن مجلس الأمن
    الدولي كيان أممي ذو واجبات موضحة في الميثاق
    تتعلق بتنسيق العلاقات بين الأمم والدول، وليس
    من واجباته التدخل في الشؤون الداخلية للأمم
    والدول.
    إذن ما الذي دعا الحكومة العراقية أن تطلب من
    مجلس الأمن الدولي التدخل، مرة بإشراف، وأخرى
    بمراقبة، وثالثة بمسمّيات مبتكرة ،وفق تبريرات
    للبدعة الجديدة، في الانتخابات النيابية في العراق..
    أنا لم أعرف لحد الآن، هل ان السيد فؤاد حسين،
    حين تقدم بطلب رسمي الى مجلس الأمن الدولي
    بشأن )الرقابة الانتخابية( في السابع والعشرين
    من كانون ثانٍ هذا العام 2021 ،قد فعلها بوصفه
    وزير خارجية دولة ذات سيادة على أراضيها وحقوق
    شعبها في الديموقراطية ،التي تشكل قوام نظامها
    السياسي الحالي رغم ملاحظاتنا الكثيرة على شكل
    وتطبيق الديموقراطية في بلدنا أم أنه انطلق من
    كونه قيادياً في حزب عائلي قومي متمرد على
    الدولة الاتحادية، ويتمتع حزبه بعلاقات وثيقة مع
    الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فيستعين
    بهما)بتورية في الألفاظ والأوصاف الأممية( على
    شركائه السياسيين في الوطن بحجة المخالفات
    المحتملة في الانتخابات.
    لقد وقعت الحكومة في تناقض صارخ يكشف مدى
    تخبطها في إدارة أكثر الشؤون الداخلية أهمية في
    المشهد السياسي والقانوني للعراق، الا وهو شأن
    الانتخابات النيابية. ففي الوقت الذي اشرنا إليه آنفاً
    من موقف وزير الخارجية، نرى أن مستشار رئيس
    مجلس الوزراء لشؤون الانتخابات، يصرح لوكالة
    الانباء العراقية)واع(: » أن المراقبة الدولية موجودة
    في كل العالم ،والعراق يطالب بالمراقبة من الأمم
    المتحدة »، أتساءل هنا، هل تغيير عبارة )مجلس
    الأمن( الى )الأمم المتحدة( هو تلميع لصورة
    الموقف الحكومي المتخبط، أم أنه تسويق للفكرة
    الغريبة الى ذهن المواطن العراقي البسيط، مع
    اليقين المطلق من أن الأول ليس هو الثانية.
    إن الانتخابات النيابية في أي بلد من بلدان العالم
    تُعَدُّ شأناً سيادياً خالصاً لا يمكن أن تتدخل فيه
    أية جهة خارجية، وإذا طلبت أية دولة في العالم
    مساعدة خارجية ،من حيث المراقبة والدعم
    اللوجيستي والاليكتروني والتمويل المالي لإجراء
    انتخاباتها الوطنية، فهذا يتحدد بمحددات وطنية
    وبقرار برلماني، بغية أن تكون النتائج نزيهة وخالية
    من التزوير والمخالفات والتبعيّات الاجنبية. وبوجود
    مفوضية مستقلة تقوم بمهام التخطيط والتنفيذ
    وتسهيل المراقبة الداخلية، فإن ذلك نابع من كون
    الانتخابات قضية وطنية صرفة من شأن العراقيين
    أنفسهم ،وليس من شأن جهات أجنبية، مهما كانت
    صفتها القانونية، بحجة المراقبة وليس الإشراف،
    وبذلك نتساءل مع هذا الافتراض المشبوه، ما
    هو عمل شبكات المراقبة العراقية الوطنية التي
    اندرجت تحت عناوين مسجلة رسمياً، مثل )شبكة
    حمورابي، شبكة عين، شبكة شمس ،شبكة تموز(
    لمراقبة الانتخابات ، وما هو واجب الجهات القانونية
    والقضائية في هذا الصدد، وعلى راسها المحكمة
    الاتحادية العليا في العراق ،ومن قبل ذلك، ما
    هو عمل مراقبي الكيانات والأحزاب )الوكلاء(
    المزروعين في كل محطة انتخابية ،الموزعة على
    المراكز الانتخابية في عموم الباد؟. لقد كانت
    تجربتي الشخصية في إدارة محطة انتخابية، وإلقاء
    محاضرات في دورة تدريبية لإعداد مدراء المحطات،
    في انتخابات الخارج، وإدارة حملة انتخابية لجهة
    سياسية حديثة، ليست من الأحزاب الكلاسيكية في
    العراق في انتخابات الداخل، كانت كافية لتقويم
    عمل وكلاء الكيانات السياسية وتأثيرهم الرقابي في
    كل محطة.
    ان الدعوة الى تدخل مجلس الأمن الدولي)على
    رواية وزير الخارجية(،أو الى تدخل هيئة الأمم
    المتحدة )على رواية مستشار الحكومة( في
    انتخابات العراق القادمة، إنما هي دعوة خطيرة
    ،ولن يتمخض عنها سوى فتح أبواب جديدة لرهن
    السيادة العراقية بأيدٍ خارجية، وهذا يتقاطع تماماً
    مع سيادة البلد وكرامة شعبه. ولا يمكن وضع
    الثقة بأية جهة خارجية دون النظر الى الأهداف
    المرسومة أصاً لهذه الدعوات الغريبة والمفخخة
    والمشبوهة.
    ورُبَّ قَوْل ..أنْفَذُ مِنْ صَوْل !
    ناصرية دورتموند/ألمانيا
(Visited 5 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *