العراق : انتخابات مبكرة ام حكومة طوارئ ؟

العراق : انتخابات مبكرة ام حكومة طوارئ ؟

You need to add a widget, row, or prebuilt layout before you’ll see anything here. 🙂

 

د. احمد الميالي / استاذ العلوم السياسية جامعة بغداد
‎ بعد ان تم تحديد موعد الانتخابات المبكرة من الحكومة برئاسة مصطفى الكاظمي ، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في تشرين القادم، وبعد تهيئة مستلزمات اجراء الانتخابات المبكرة من قبل مجلس النواب العراقي، من قانون انتخابي واستكمال هيكلية مفوضية الانتخابات وتعديل قانون المحكمة الاتحادية واختيار اعضاءها بما ينسجم والمطالب الشعبية والاستجابة لها، برزت مواقف معلنة غير رسمية من بعض اطراف القوى السياسية والحكومية لتأجيل الانتخابات المبكرة تزامنا مع اغتيال ناشطي الحراك الاحتجاجي، وعدم اصطفاف مواقف القوى السياسية الممثلة للحراك وتشتتها والتي تحاول بعض الاطراف استغلاله ” الحراك” ، وتراجع شعبيتها وعدم تسجيل معظمها في المفوضية ضمن التحالفات المعلنة مما يعني عدم مشاركتها في الانتخابات المبكرة،
‎وبرزت دعوات موازية لقيام حكومة طوارئ او حكومة انقاذ وطني ، ورغم ان هذه الدعوات قد تبدو لاول وهلة
‎بانها سياسية ودعائية اكثر منها واقعية او معبرة عن مواقف سياسية موحدة ورسمية للداعين لها، لكنها في الواقع تكرس التجاذبات السياسية بين الفرقاء حول القضايا الجوهرية وخاصة مسألة الانتخابات ومخرجاتها.

‎في الاونة الاخيرة طرح خيار حكومة الطوارئ وليس فقط تأجيل الانتخابات المبكرة وبشكل مغاير للمواقف السابقة بحيث ان اطراف رافضة لها قبل مدة تتمسك بها الان والعكس صحيح، والسبب وجود مؤشرات لمقاطعة الانتخابات شعبيا بما يخدم بعض القوى التقليدية التي ستنجح بالعودة الى الواجهة السياسية باصوات انصارها فكلما اتسع تيار المقاطعة اتسعت حظوظ هذه القوى بالفوز والبقاء، اما القوى الجديدة او الداعية لتبكير الانتخابات فانها اعادت حساباتها لتراجع شعبيتها ولانها تراهن على استنهاض تيار المقاطعة ولم تفلح بذلك كما ان فرص المنافسة على الفوز بما يمكنها سياسيا غير مؤكدة، هذه التعقيدات والتناقضات والدعوات المتضاربة قد تدخل البلد ازمة حكم حقيقية تتيح للاطراف الدولية والاقليمية انخراطا اكثر في الساحة العراقية وتعطي لبعض القوى السياسية وخاصة من راهنت على الشارع دون جدوى فرصة لتعويض تراجع الرصيد الانتخابي والشعبي عبر طرح بدائل لاختلال الحكم والمتمثلة بحكومة طوارئ او انقاذ وطني، لان التعطيل الدستوري للاستحقاق الانتخابي وغياب استراتيجيات ادارة الاوضاع مابعد الاحتجاجات، من خلال التخطيط لمرحلة سياسية جديدة تبدا من خلال التمديد او تصريف الاعمال للحكومة الحالية.

‎المهم ان نوضح ماذا تعني حكومة الطؤارئ والانقاذ، اذ هنالك التباس سياسي في تفسير هذين النوعين من الحكومات فحكومة الطؤارئ لاتعني ازاحة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة اخرى بديلة تدير البلاد بشكل انتقالي او مؤقت انما تعني ان تقوم الحكومة الحالية باعلان حالة الطؤارى لمدة زمنية معينه في حالات معينه واهمها الحرب والتدهور الامني والكوارث الطبيعية او انتشار الاوبئة ،بما يهدد سيادة الدولة واراضيها وامنها الداخلي، ويتيح للحكومة ان تسير اعمالها وفقا لتحديات المرحلة الحالية ، وليس وفقا لمعايير الدستور والقانون وحقوق الانسان ، وفي الانظمة الديمقراطية تحتاج الحكومات اجازة السلطة التشريعية للمصادقة على قرارها ، وفي الحالة العراقية نصت المادة ٦١ تاسعا من الدستور النافذ، على صلاحيات السلطة التشريعية ومن ضمنها اعلان حالة الطوارئ والتي تكون وفق الشروط الاربعة الاتية :-
‎أ ـ الموافقة على اعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية الثلثين، بناء على طلبٍ مشترك من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء.
‎ب ـ تُعلن حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً قابلة للتمديد، بالموافقةٍ عليها في كل مرة باغلبية بسيطة.
‎ج ـ يخول رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من ادارة شؤون البلاد اثناء مدة اعلان الحرب وحالة الطوارئ، وتنظم هذه الصلاحيات بقانونٍ، بما لا يتعارض مع الدستور.
‎د ـ يعرض رئيس مجلس الوزراء على مجلس النواب، الاجراءات المتخذة والنتائج، اثناء مدة اعلان الحرب وحالة الطوارئ، خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتهائها.
‎العراق بحاجة الى تشريع قانون وفق المادة ٦١ تاسعا (ج) ، لتحديد ملامح واجراءات وسياقات حالة الطوارى لان قانون السلامة الوطنية الصادر عام ٢٠٠٤ ابان حكومة اياد علاوي لم يعد نافذا بعد نفاذ الدستور لعام ٢٠٠٥ ، فالعراق قد يحتاج اعلان حالة طوارى تقوم بها الحكومة الحالية تحقيقيا لمقتضيات المصلحة العليا للدولة وفق الاشتراطات الدستورية اعلاه، اذا ما كانت هنالك ضرورات امنية جزئيا في بعض المناطق لاتشمل المحافظات الامنة او اقليم كردستان وهذا جائزا دستوريا وقانونيا لحين تحقيق الغرض المطلوب، لكن مايفهم من بعض التصريحات والدعوات ان المقصود ليس حالة طوارئ بل حكومة طوارئ جديدة يكون الكاظمي رئيسها مما يستدعي تعطيل البرلمان والانتخابات، وهذا مستعبد لعدم وجود الية دستورية لتنفيذ مثل هكذا حكومة ولعدم وجود اصطفافات سياسية ترجح هذا الخيار . اما
‎ اذا كان الخيار بمعنى سحب الثقة من الحكومة الحالية وتكليف حكومة مؤقته او مصغرة لادارة وتصريف شؤون الدولة فهذا لايتطابق مع حيثيات مفهوم حكومة الطوارئ، بل يعني استبدال حكومة باخرى رغم استبعاد امكانية اللجوء الى هذا الخيار سياسيا.
‎اما الطرح الاخر المتمثل بحكومة الانقاذ الوطني فهي ايضا معرض التباس عند النخب السياسية والقوى والاطراف الداعية لها فمثل هكذا حكومة يتم اللجوء اليها في حالات الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار العام لكل مفاصل الدولة السياسية والاجتماعية والامنية، او حينما يحصل هنالك انقلاب سياسي او عسكري ، اذ تقوم هذه الحكومة بعملية منع انهيار كيان الدولة او ايقاف اسباب الانحدار نحو الحرب الاهلية ،فحكومة الانقاذ هي احد اليات منع الحروب الاهلية تشكل من شخصيات مقبولة او مستولية، في ظل صراعات سياسية لايمكن ادارتها وتنعكس سلبا على الدولة..
‎وقد عالج ميثاق الامم المتحدة في الفصل السابع ظروف اعلان حكومة الانقاذ الوطني لكن لاننسى انها ستبقي الدولة فيما بعد ، تحت طائلة هذا البند وهذه دوامة جديدة لتقييد سيادة الدولة واستقرارها الخارجي وجعلها تحت الوصاية فضلا عن مشاهد التعقيد الداخلي.
‎اذن حكومة الانقاذ الوطني اوحكومة الطوارئ تاتي وفق ظروف تعني وضع الدستور على الرف وادارة الشان العام لتاسس وضع سياسي جديد وقد يكون ايضا هنالك دستور جديد او احكام عرفية، وهذا ماتصبو اليه بعض القوى السياسية والتنفيذية واطراف خارجية اخرى، لتكون بديلا عن مشاهد التوجه صوب الاستحقاق الانتخابي القادم الذي قد تخسره هذه الاطراف.
‎وهذه الاطراف ترغب بخيار حكومة تقلص حجم الخلافات السياسية وتؤسس واحدية للسلطة التنفيذية لممارسة اعمالها عبر ايقاف مبدا الفصل بين السلطات نتيجة الظروف التي يمر بها البلد التي تتطلب تقوية السلطة التنفيذية بمنحها سلطات خاصة بعضها من إختصاص السلطة التشريعية وبعضها من إختصاص السلطة القضائية وتحريرها من بعض القيود السياسية والنقد والطعن الموجه اليها، للحد اللازم لمجابهة تلك الاوضاع من جهة والتخلص من مخرجات وحيثيات الانتخابات المبكرة من جهة اخرى التي لن تكون لصالحها. لكن
‎حكومة الطوارئ او الانقاذ اذا ما ذهبت هذ الاطراف السياسية الى احد هذين الخيارين ، فيجب أن تُخضع ممارستها للرقابة الدولية في الامم المتحدة من خلال لجنة حقوق الانسان فيه وهذا يعيد عملية الوصايا الدولية التي مر بها العراق منذ عام ٢٠٠٣ ولغاية ٢٠١١.حينما كانت الولايات المتحدة الامريكية تحتل العراق، ونموذج حكومة طوارئ في العراق سيأكد الوجود والنفوذ الفاعل والمهم لواشنطن فيه ويعيد مشهد رسم مسار الأحداث في المنطقة، بعد ان خسرت هذه الفرصة منذ خروجها من العراق، ويجعل دورها اساسي في صياغة احداث وسياسيات وتموضعات، بما يخدم ضرورات المصالح الخارجية ويفتح ابواب تحقيق مقتضيات التدخل في الشأن العراقي بشكل اوسع، اضافة الى ارتباك مؤكد للمشهد الداخلي الذي سيفرز حالة سياسية مغايرة لايمكن تخمين محاسنها وايجابياتها على العراق اطلاقا .

(Visited 12 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *