د.طورهان المفتي
قد يتراود للوهلة الاولى للقارىء الكريم بان الكوبرا لا نعني به هنا الثعبان وانما مصطلحاخر، لكن في الحقيقة فإن (اثر الكوبرا) كمصطلح يعني الثعبان، فماهي هذه الظاهرة وماهي علاقتها بالعراق؟
يرجع اطلاق مصطلح اثر الكوبرا (Cobra Effect) الى سنوات كثيرة مضت حين كان التاجالبريطاني يحكم شبه القارة الهندية، فقد عانت الحكومة هناك من انتشار كبير لثعابينالكوبرا السامة في ارجاء المدن والقصبات والتي خلقت نوعاً من الهلع لدى الجاليةالبريطانية وعلى هذا الاساس وضعت الحكومة مكافئة مالية لكل من يقتل ثعباناً ويسلمهللحكومة هناك، بعد مرور فترة من الوقت تحول هذا الموضوع الى تجارة مربحة لدىالهنود فقام الهنود بتربية الثعابين في البيوت لغرض تسليمها للحكومة لاخذ المكافئةالمالية، مما انهكت الخزينة الحكومية للزيادة اليومية بعدد الثعابين التي تجري تسليمهاالى الحكومة، وحين تم اكتشاف هذه الخدعة التجارية توقفت الحكومة عن دفع المكافئاتواستلام الثعابين فما كان من مربي ثعابين الكوبرا إلا ان يطلقوا هذه الثعابين في المدنوالمناطق السكنية، فتحولت المشكلة الطبيعية لتواجد الكوبرا هناك الى معضلة كبرىبسبب الاعداد الكبيرة من الثعابين التي تم اطلاقها هناك لعدم وجود مكافئة في تسليمهمالى الحكومة فاصبحت الحكومة امام مشاكل اقتصادية مالية من جهة، ومن جهة اخرىامام مشاكل الحفاظ على حياة المواطنين من هذه الثعابين السامة .
وعلى ما ذكر اعلاه يمكن تعريف ظاهرة اثر الكوبرا بانها الاتيان بحلول غير صحيحةوغير مكتملة النضوج لمشاكل آنية لتكون النتيجة الفشل في حل المشكلة الآنية وخلقمشاكل اخرى كثيرة وكبيرة لايمكن حلها سريعاً وخلق فوضى قد تستمر لسنوات فيالمرافق المختلفة للحياة، وممكن ان نقول بان هذا المصطلح يشبه المثل الشعبي الدارج (جايكحلها عماها) .
هل هناك ظاهرة اثر الكوبرا في العراق ؟
بكل تاكيد فالعراق ومنذ تشكيله كدولة فيه هذه الاعراض والامراض، فالحكومات العراقيةعلى طول خط الدولة كانت تبحث عن حلول سريعة لمشاكلها من دون دراسة فعلية لابعادتلك المشكلة او مسببات المشكلة، وعلى هذا الاساس تكون النتيجة معاقة و تعاني مناخلالات كبيرة اكثر من المشكلة نفسها ،فقد يكون افضل مثال على ظاهرة اثر الكوبرا فيالعراق هو احداث دخول العراق للكويت فبسبب عدم الاتفاق على اسعار النفط وحيثياتالانتاج وتفاصيل جانبية دخل العراق الى الكويت ليخرج منها دولة مهدمة الاركان والبنىالتحتية وليدخل العراق في حصار اقتصادي لاكثر من عقد من السنوات وليأتي هذاالحصار على الاخضر واليابس في هذه البلاد ولتنتج عاهات وامراض ويقضي علىمئات الالف من العراقيين نتيجة قلة الدواء والغذاء الناتج من الحصار الاقتصادي فكاناثر الكوبرا كبيرة جدا وواضحة في هذه السياسة، علما ان الحكومة العراقية انذاكلوكانت مستندة الى خبراء في التعامل الدولي وخبراء النفط والاقتصاد لكان من السهلجدا ايجاد حل في هذه المعضلة من دون الحاجة الى استخدام السلاح ومبدأ القوة وعليهتم فرض الحصار الاقتصادي على البلاد كنتيجة لهكذا تهور .
ماذا الان؟
بعد اسقاط النظام السابق في ٢٠٠٣ كانت البلاد شبه خربة، فالبنى التحتية مدمرة و انبقيت صالحة فهي قليلة وغير كافية لسد النقص، الموازنة الحكومية فارغة و البنك المركزييحوي على بقايا العملة الصعبة، الفوضى في كل مكان، حل وتفكيك الكثير من اجهزةالدولة ،وجود حالة عدم القناعة بالتغيير، انتشار الفقر، نقص في الطاقة الكهربائية،مجتمع خارج خط التطور ومواكبة العالم بسبب الحصار الاقتصادي و و و و الخ .
قامت الحكومات المتتالية في السلطة بعد ٢٠٠٣ في محاولات ايجاد حل للمشاكل اعلاهولكن دون جدوى، بل واضيفت الى هذه المشاكل مشكلة الارهاب والاختناق الطائفيونظام المحاصصة في تشكيلة الدولة وظهور الفعاليات الديموقراطية المتمثلةبالانتخابات بصورة اساسية لتكون الديموقراطية جزء مساهم في تعميق اثر الكوبرا فيالبلاد على غير ما كانت مؤملة عليها .
امام هذه التحديات الكبرى واحتمالية تغير الحكومات كل اربع سنوات ظهرت لديناسياسية الترقيع في حل المشاكل (تجزئة الحلول بديلاً عن تجزئة المشاكل) والتي لم تكنهي من بنات افكار الحكومات ولكن تعقيدات التحديات الكبرى ومرة اخرى الديموقراطيةالناشئة في تغير الحكومات جعلت سياسة الترقيع هي الحل الامثل على امل تكملة حلالمشكلة في اربع سنوات اخرى من عمر اي حكومة فظهرت لدينا اثر الكوبرا في كل مرفقمن مرافق الدولة العراقية فمثلا تم فتح باب التعيين الحكومي بدون معرفة فعلية للحاجةالوظيفية فخلق لدينا ترهل عملاق وتعطش كحاجة كبرى للتعيينات الجديدة وقضى علىاي فرصة لنمو المشاريع الصغيرة. اعطاء قروض مالية كبرى للمستثمرين واصحابالمشاريع بدون تمحيص فعلي عن جدية هذه المشاريع ام القائمين عليها جعل جيوبالدولة خاوية في مقابل ظهور امبراطوريات عائلية وشخصية، الانتشار الافقي فيالمشاريع الحكومية بحاجة وبغير حاجة، جعلت غالبية هذه المشاريع متلكئة وغيرمكتملة، تقديم الحكومات لعشرات الوعود امام التظاهرات المطلبية جعلت الحكومة تفقدالكثير من مصداقيتها امام المواطنين فاصبحت الحكومات محل اتهام وتهكم ولا نبالغ اذاقلنا ان هذا التاثير وصل الى الانتخابات المبكرة وتغيير مواعيدها وعدم وجود رؤية فعليةفي التوجه في كيفية ادارة الدولة وانتقال السلطة فأثر الكوبرا عكست ضياع البوصلةفيما يخص العراق ومستقبله القريب .
فهل كانت الحكومات المتعاقبة تتقصد هذا الشيء، الجواب بكل تأكيد لم تكن تتقصدوانما كانت تريد تقديم منجزات وانجازات وتظهر نفسها بحال حكومة رشيدة، الا انالاعتماد على ادوات غير ملمة بما جرى و يجري في البلاد و اخرون لم يكونوا بمستوىالمسؤولية وعدم وجود دراسات فعلية لكل مشكلة على حدى مع عدم امكانية الربط الموازيللمشاكل للوصول الى تكامل الرؤية للدولة، فكل هذا و امور اخرى ادت بجميع الحكوماتالمتعاقبة بعد ٢٠٠٣ الى ان تكون عاجزة امام حل المشاكل الفعلية للدولة العراقية بصورةجذرية و انتجت بدلًا عن ذلك تأثيرات الكوبرا في كل جزء من جزئيات الدولة العراقية .
ما هو الحل الان ؟
الحل هو بايجاد اشخاص وافراد يوعون كل مشكلة على حدى ويضعون خط بياني لحلالمشاكل وان طالت اوانها وان لا يكون من اهتمام هولاء الاشخاص الانتخابات ليعملوا فيصمت وبعيد عن الاجواء المشحونة لوضع رؤى فعلية لكل ملف ومشكلة ولتبدأ الحكوماتالقادمة بتطبيق الحلول وايجاد مخرج لارض الرافدين والانتقال بالدولة العراقية الى ماتستحقها من مكانة دولية، وبكل تأكيد فإن هكذا اجراء وحلول قد يأخذ من عمر الدولة مالا يقل عن عشر سنوات والذي قد نراها مدة زمنية طويلة ولكنها لا تعني شيء في عمرالشعوب .بتعبير ادق فالدولة العراقية بحاجة الان الى خط شروع جديد في الاختياروالعمل وتقديم الخدمات وبناء البنى التحتية .