بقلم ماريان روثمان
ناشطة أمريكية سويدية في مجال
التواصل الثقافي
في تاريخ البشرية، كانت هناك مواضيع قليلة مثيرة للجدلوالانقسام مثل الدين. كثيراً ما يُستشهد بالدين باعتباره السببالجذري للصراعات والحروب، وقد تم استخدامه بشكل غيرعادلككبش فداء لأحلك لحظات الإنسانية. ومع ذلك، عند الفحصالدقيق، يصبح من الواضح أن الدين نفسه ليس هو مرتكبالعنف؛ بل إن سوء استخدام المعتقدات الدينية والتلاعب بها منقبل الأفراد والجماعات هو الذي يؤدي إلى مثل هذه الفظائع.
أولاً وقبل كل شيء، من الأهمية بمكان أن نعترف بأن الدين، فيجوهره، هو مسألة شخصية وروحية عميقة بالنسبة لملياراتالأشخاص في جميع أنحاء العالم. فهو يوفر العزاء والتوجيهوالشعور بالانتماء لعدد لا يحصى من الأفراد، وتشكيل رؤيتهمللعالم وبوصلتهم الأخلاقية. إن إسناد تصرفات عدد قليل منالفصائل المتطرفة إلى عقيدة بأكملها ليس أمرا غير عادل فحسب،بل يبالغ أيضا في تبسيط الديناميكيات الجيوسياسيةوالاجتماعية والاقتصادية المعقدة.
على مر التاريخ، تسببت مختلف الأيديولوجيات والحركاتالسياسية في معاناة هائلة وسفك الدماء، وغالبًا ما تجاوزتالخسائر التي تعزى إلى الصراعات الدينية. فقد أدت الستالينيةوالنازية والرأسمالية والماوية وغيرها من الأيديولوجيات العلمانيةإلى وفاة الملايين، مما يسلط الضوء على حقيقة أن العنف لايقتصر على السياقات الدينية. ولم تكن الفظائع المرتكبة في ظلهذه الأنظمة مدفوعة بالالتزام الديني، بل بالحماسة الأيديولوجية،والصراع على السلطة، والتعطش للهيمنة.
علاوة على ذلك، من الضروري أن ندرك أن الدين، مثل أي نظامعقائدي، يمكن تفسيره والتلاعب به بطرق لا حصر لها لتبريرالعنف. لقد استغلت الجماعات المتطرفة والأنظمة الاستبداديةالمذاهب الدينية لإضفاء الشرعية على أجنداتها القمعيةوالتحريض على الكراهية ضد الأعداء المتصورين. إلا أن هذاالتحريف للتعاليم الدينية لا يمثل الجوهر الحقيقي للإيمان، بل هوانحراف عنه.
علاوة على ذلك، فإن العديد من الصراعات التي توصف بأنهادينية بطبيعتها غالباً ما تكون لها عوامل سياسية واقتصاديةواجتماعية أساسية. وكثيراً ما تتغذى هذه الصراعات علىالتنافس على الموارد، والنزاعات الإقليمية، والتوترات العرقية،والصراع على السلطة، حيث يعمل الدين كأداة مناسبة لحشدالدعم وحشد أتباع قضية ما.
وبالنظر إلى هذه الحقائق، فمن الضروري أن نتجاوز الرواياتالتبسيطية التي تلقي باللوم على الدين باعتباره السبب الرئيسيللصراع والحرب. وبدلاً من ذلك، يتعين علينا أن نسعى جاهدينلفهم التفاعل المعقد بين العوامل التي تساهم في العنف ومعالجةالأسباب الجذرية للصراع، سواء كانت نابعة من مصادر دينية، أوسياسية، أو اجتماعية اقتصادية.
علاوة على ذلك، فإن تعزيز الحوار والتفاهم والاحترام المتبادل بينالمجتمعات الدينية والثقافية المتنوعة أمر بالغ الأهمية لتعزيزالسلام والمصالحة. وبدلا من شيطنة التقاليد الدينية بأكملها،ينبغي لنا أن نعمل على بناء جسور التفاهم والتعاون، والاعترافبالإنسانية المشتركة التي توحدنا جميعاً.
في الختام، في حين تم التذرع بالدين بلا شك لتبرير العنف عبرالتاريخ، فإنه ليس بطبيعته سبب الصراع والحرب. إن إلقاء اللومعلى الدين وحده في أحلك لحظات الإنسانية يبالغ في تبسيطالقضايا المعقدة ويتجاهل العديد من العوامل الأخرى المؤثرة. ومنخلال الاعتراف بالطبيعة الدقيقة للصراعات ومعالجة أسبابهاالجذرية، يمكننا أن نسعى جاهدين نحو عالم أكثر سلاماًوتناغماً.