علاء الخطيب
في زيارة لمقبرة هايغيت الشهيرة في لندن وقفت أمام قبر كارل ماركس وتذكرت قوله :
ان الاخلاق صناعة ابتكرها الأغنياء و الاقوياء لكي يستعبدوا بها الفقراء والضعفاء ويضحكوا على ذقونهم ، فالأغنياء لا يعبأون بالفقراء بقدر استغلالهم لضمان مصالحهم.
الأخلاق برأي ماركس وسيلة إنتاجية تحمي الأغنياء من سطوة الفقراء، أي هي منتجرأسمالي بحت . هذا القول فيه الكثير من الصحة اذا ما نظرنا الى الاخلاق على انهاممارسات خالية من البعد الانساني وبعيدة عن المنظومة الاخلاقية الانسانية، وهي لاتختلف مع باقي المنظومات الاجتماعية والدينية اذا ما استخدمت كشعارات فارغة منالروح، أو ان تتحول الى سلعة لكسب المال والجاه الحرام ، فلا معنى ان ترفع شعارالصدق وانت كاذب ولا معنى ان تتحدث بالنزاهة وانت سارق أو تنادي بالوطنية وانتخائن ,حينها ستنقلب الموازين وتضيع القيم .
لذا جاء في الحديث عن النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم لا تنظروا الى كثرة صيامالرجل وقيامه بل انظروا الى صدق حديثه وأداء الامانه ، فالمعايير الاخلاقية ليست شكليةبل هي مصاديق عملية , وهذا يعني ان الدين اذا أفرغ من محتواه الاخلاقي فلا قيمة له.
ففي أوربا لا سطوة لحكم الدين أو المقدس في الحياة العامة ، لكن هناك اخلاقياتتحولت الى مقدسات اجتماعية وصارت بحكم الدين لا يمكن تجاوزها ، مثل الصدق فيالمعاملة واحترام الوقت والاتقان بالعمل والالتزام بالقانون وغيرها .
هذه المعايير هي سلوكيات عامة ربما يتجاوزها في اوربا أفراد عاديون عن قصد او غيرقصد ، وقد يُسامَحون في هذا التجاوز ، لكن من غير المسموح للسياسي أو المسؤولالذي يضع نفسه كقدوة ان يتجاوز القيم الاخلاقية بأي حال من الأحوال . فيعتبر ذلكخطيئة لا تغتفر وعليه ان يترك العمل السياسي والاجتماعي ويقرأ على مستقبله السلام. فلا يمكن للسياسي ان يستهزأ بالوقت أو يحنث باليمين أو ينكث العهود الانتخابيةفهو كاذب والكاذب لا مكان له في قيادة المجتمع ، فالنخبة هي المثال والقدوة ، لذايخاطب السيد المسيح عليه السلام الحواريين. ( انتم ملح الارض ماذا نفعل لو فسدالملح)
هذه السلوكيات الاخلاقية مفقودة تماماً في العمل السياسي في كثير من البلدان التيتتبجح بالديمقراطية وحقوق الإنسان . فقد عكست لنا التجارب السابقة مع كثير منالمسؤولين والسياسيين في منطقتنا العربية الكذب والخداع الذي مارسه هؤلاء ، وكموعد انتخابي وكم كلام اطلق في الحملات الانتخابية كان للاستهلاك فقط ، وكم منالاخلاق أبداها هؤلاء ثم تبخرت . ان استغلال أدوات الدين والقومية والطائفية فيالمعركة السياسية ، هو عمل غير اخلاقي ، كما هو حال استغلال الفقراء من قبل بعضالأحزاب قبل الوصو ل الى السلطة ، لكنه بعد ان يحصل عليها يردد مقولة عبد الملكبن مروان للقران حينما اصبح خليفة اذ قال له : هذا فراق بيني وبينك . عندها تصبحمقولة ماركس واقعية . وتتحول الاخلاق الى وسيلة خداع وإيهام
لكن يبقى السؤال متى تتحول الاخلاق الى مقدسات في مجتمعنا.
تتحول فقط عندما تتمَلَّك المجتمع رغبة بالفضيلة ، و يَسْتَهجِنُ الرذيلة ويعتبرها قرفاجتماعي .
عندما يُرفض الكاذب ويقف الناس بوجه المنافق ، فتتحول الاخلاق الى دين وتكونمفرداتها مقدسة .
البعض يقول ان الاخلاق. والسياسة خطان متوازيان لن يلتقيا مهما امتدا ونقيضان لايجتمعان ، لكن هذه المقولة لا اساسها لها من الصحة، اذا ماكانت السياسة هماً عاماًوليست مهنة او وسيلة كسب للأرباح والمتاجرة بالمعاناة.