الباحث  والخطيب الاسلامي مضر الحلو للمستقل  / الأحزاب الاسلامية لاتملك مشروعا ولارؤية لادارة الدولة

الباحث والخطيب الاسلامي مضر الحلو للمستقل / الأحزاب الاسلامية لاتملك مشروعا ولارؤية لادارة الدولة

الخطيب والباحث في الفكر الاسلامي السيد مضر الحلو في حديث خاص للمستقل:

السيد السيستاني منع رجال الدين من تقلد المواقع التنفيذية في الدولة

أدعو الى اصلاح المنبر الحسيني من الهزال والسطحية كي يساهم في بناء الانسان، وحتى لا يفقد الدين تأثيره

يواصل الخطيب والباحث الاسلامي السيد مضر الحلو عبر نشاط متنوع الوسائل من التثقيف باتجاه الاعتدال والتوازن وما يصفه بالقيم الانسانية الخالصة المشتركة للدين بعد ان شهدت تجارب الاسلام السياسي منعطفات وفشلا من خلال التصدي للسلطة بشكل مباشر، ووسط ما يشهده العالم بصورة عامة وعالمنا الاسلامي بصورة خاصة من موجات الكراهية والطائفية وما ينتج عنها من ارهاب واهدار للدماء وكرامة الانسان، وهو ماجعل من صوته التنويري طرفا مؤثرا في مواجهات وجدل على اكثر من صعيد . السيد مضر الحلو مواليد مدينة النجف الاشرف سنة 1963. حاصل على البكالوريوس في الفقه والعلوم الاسلامية سنة 1994 بدأ دراسته للعلوم الدينية في الحوزة العلمية في النجف الاشرف ومارس بعدها تدريس العلوم الشرعية في حوزة قم العلمية وفي حوزة الامام الحسين بلندن التي يقيم فيها من عام 1999 . أصدر عددا من الكتب منها معجم من تسعة اجزاء في تراجم اعلام الكوفة الى نهايات القرن الرابع الهجري .وكتاب البيان عما في لسان الميزان دراسة رجالية مقارنة. وكتاب المنبر الحسيني الواقع والطموح . واخيرا

كتاب الخطابة الحسينية تداعيات وافاق. يواصل نشر البحوث والمقالات في دوريات وصحف مختلفة فضلا عن اعتلائه المنبر الحسيني في دول عربية واوربية .. المستقل اجرت حوارا مطولا مع السيد الحلو حول شؤون الساعة بدا بالسؤال عن تجربة الاسلام السياسي في العراق وكيف يقيمها فقال.

دخلت الاحزاب الاسلامية في العملية السياسية وتصدت للحكم دون ان تكون لها رؤية واضحة لادارة الدولة أو مشروع لبنائها . ما انعكس سلبا على ادائها على مستوى الفرد او الحزب. لقد فوجئت هذه الاحزاب بلحظة سقوط النظام البائد ولم تكن قد حسبت لها حسابا، يدلعلى ذلك بقاء قوانينها الى وقت متاخر بعد سقوط نظام البعث قبل ان تبادر الى تغييرها وفق ما يتماشى مع الواقع الجديد حيث كانت تدعو فيها الى تحكيم الشريعة عبر اقامة نظام الحكم الديني..

رُبَّ من يدعي بأن تغيير هذه الاحزاب لمناهجها وقوانينها انما هو علامة صحة تدل على تطور وعيها للمرحلة؟ نقول: نعم هذا صحيح فيما لو كان التغيير منطلقا من وعي وإدراك اللحظة الراهنة ونتيجة دراسة وتداول، وبعد مخاضات وتجارب مرت بها هذه الجماعة او تلك آلت الى ان تغير برنامجها اما ان يتم ذلك بردة فعل ومحاولة انتهاز فرصة الوصول الى السلطة، هنا يكون الامر مختلفا. في تصوري كان بامكانهم ان لا يستعجلوا التصدي للحكم ليحافظوا على بريقهم الذي ذوى وصورتهم التي تصدعت كثيرا في نفوس اتباعهم والاخرين.لقد فشلت هذه الاحزاب والجماعات ان تقدم نماذج صالحة، يحتذى بها على صعيد النزاهة، وبناء الدولة بل ربما قضمت من الرصيد الاخلاقي والقيمي للمجتمع.

لماذا برأيكم فشلت الانتخابات في العراق في انتاج منظومة حكم ناجحة بديلة لبناء الدولة؟

هناك اسباب عديدة لهذا الفشل منها ما يرتبط بالناخبين واخرى بالمرشحين:

ما يرتبط بالناخبين: لم يكن المجتمع العراقي مهيئا لهذه الممارسة الديموقراطية التي تقتضي الحد الادنى على الاقل من ادراك ابعادها ومخرجاتها، والوقوف على معايير التفاضل بين المرشحين، أضف الى ارتفاع نسبة الأمية الثقافية نتيجة تدني مستوى التعليم في البلد فضلاً عن الأمية الأبجدية.

ثم ان القمع والاستبداد ومصادرة الحريات التي كانت تمثل السياسة العامة لادارة الدولة في النظام البائد، وكذا موقفه السلبي من الدين وعلاقة نظام صدام المتوترة مع رجال الدين كل ذلك جعل الشعار والرمز الديني يحتل مكانة متميزة في نفوس الناس ويهيمن على مشاعرهم مع صرف النظر عما يختبئ خلف هذا الشعار من مصالح شخصية، ولا يخفى سهولة خداع الناس بالشعار الدينياذ يكفي حتى يحصل شخص المرشح على كرسي في البرلمان ان يتظاهر بممارسة شعيرة دينية معينة او سلوك يلامس مشاعر الناس. وربما شكّل هؤلاء غالبية اعضاء مجلس البرلمان، لذا اصبح طبيعيا ان لا تنتج الانتخابات منظومة حكم صالحة لبناء الدولة.

اما مايرتبط بالمرشحين فيتمثل في مبدا المحاصة الحزبية ، وان كنت شخصيا لا ارى المشكلة في مبدأ المحاصصة ذاته بل في استغلالها السيء من قبل الاحزاب، والانقلاب عليها

وتحويلها من محاصصة مكوناتية الى محاصصة حزبية يتم على موجبها توزيع حصة المكون على افراد الحزب او الجماعة الممثلة لذلك المكون في العملية السياسية، وبدل ان يسعى الحزب لاختيار الاشخاص الكفوئين من داخل المكون احتكر الحصة لحزبه الذي يفتقر الى اشخاص يتصفون بالكفاءة فاضطر ان يقدم النموذج السيء، الفاشل، الفاسد، المتخلف. هنا تحديدا نكون على موعد مع انهيار البلد وتصدع الدولة.

ورد عن المرجعية الدينية دعمها للدولة المدنية كيف تقراون هذا الدعم والدعوة من وجهة نظر دينية ؟

 

يتضح من حزمة البيانات والمواقف الصادرة من المرجعية العليا في النجف الاشرف

بدأً من لحظة سقوط النظام البائد فما بعدها وبما لا يدع مجالا للشك انها مع فكرة الدولة المدنية في العراق (مع تحفظنا على مصطلح الدولة المدنية باعتبار انه لا وجود له في القاموس السياسي ولا في الواقع)، وهي الدولة التي تتعامل مع مواطنيها بمختلف انتماءاتهم وإثنياتهم على وفق قانون يسري على الجميع بدون استثناء، بعبارة ثانية دولة المواطنة التي يتساوى فيها جميع المواطنين في الحقوق والواجبات كما نصت على ذلك في خطبة صلاة الجمعة المقامة في مدينة كربلاء بتاريخ (١١ / ١ /٢٠١٣ ) بإمامة ممثل المرجعية الشيخ عبد المهدي الكربلائي، حيث تضمنت الخطبة حزمة من توصيات المرجعية العليا للسياسيين العراقيين، جاء في التوصية الثانية: (… وصولا الى إرساء دعائم الدولة المدنية القائمة على المؤسسات الدستورية التي تحترم فيها الحقوق والواجبات).

ما علاقة العلم والدين ولماذا يصطدمان ازاء قضايا عامة مثل الاوبئة واللقاحات ومواقف تحتاج حسما فيها؟

العلم والدين يسيران بخطين متوازيين. بينهما تصالح وتكامل لا صراع وتصادم. نعم قد يتدخل الدين حين يتجاوز العلم حدود القيم الاخلاقية، فحين يراد الكشف عن مدى فاعلية سلاح كيمياوي او بايولوجي معين على سبيل المثال يتم اختباره على المعتقلين او الاسرى، او حين يقوم عالم الكيمياء بدافع الحرص والطمع بتركيب مواد معينة ليخلص الى انتاج مادة مخدرة من شأنها ان تفتك بالشعوب هنا يتدخل الدين ليقول كلمته الحاسمة بتحريم ذلك اما في غير هذه الموارد ونظيرها، وحين يكون العلم في خدمة الانسان عندها يقف الدين مؤازرا ومؤيدا للعلم فيما يصل اليه من نتائج تصب في مصلحة الانسان والمجتمع، وعندها يسير العلم والدين في مسارين متصاحبين متصالحين. بذات السياق يأتي الكلام عن الاوبئة واللقاحات اخص منها الوباء (كوفد 19) الذي ابتليت به البشرية مؤخرا فقد كان الرأي الديني السائد فيما يخص الاحترازات من الوباء لمنع انتقاله للاخرين بالعدوى، واخذ التطعيم ضده احترامَرأي الخبراء المختصين في هذا المجال والافتاء على موجبه،

ولا يخفى تبجيل القرآن الكريم في ايات عديدة العلم والعلماء كقوله تعالى (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).

لقد شاع استخدام اللباس الديني لدى السياسيين والمسؤولين، ما هو حكم هذا وما هو تاثيره؟

ليس لأحد ان يجرد رجل الدين من حقه في ممارسة العمل السياسي حاله حال اي مواطن اخر ولكن ليس بعنوانه الديني بل بصفته المدنية منعا لاستغلال الصفة الدينية في الكسب السياسي من جهة وكي لا يختلط المقدس (الدين) بالمدنس (السياسة)، اما في المواقع التنفيذية فالامر يزداد تفاقما ما حدى بالمرجعية الدينية متمثلة بالمرجع الاعلى سماحة السيد السيستاني دام ظله اصدار بيان يمنع فيه رجال الدين من تقلد المواقع التنفيذية في الدولة ادراكا منه لخطورة ذلك على سمعة الدين ورمزيته لدى الانسان المسلم.

وظيفة رجل الدين الاساس الارشاد الديني وهداية الناس الى القيم واحيائها وتكريسها في النفوس. ممارسة العمل السياسي يؤدي به الى نقض الغرض غالبا، ففي احسن الاحوال من النزاهة وطهارة اليد وسلامة النية يبقى عاجزاً في العادة عن تلبية جميع احتياجات الناس وتنفيذ مطالبهم وايصال حقوقهم كاملة غير منقوصة ولا يخفى ما لذلك من اثر سلبي لا يقف عند حدود علاقة الناسبرجل الدين بل ينسحب على طبيعة علاقتهم بالدين ذاته لتصبح علاقة غير ودية يغلب عليها التوجس والريبة من كل ما هو ديني.

كتبت كثيرا حول اصلاح المنبر الحسيني، ما الذي تأخذه على المنبر اليوم؟

لا يخفى على المتابع ان الخطاب الديني عموما يمر بمأزق، ومرحلة من الهزال غير مسبوقة، والذي فاقم من حاله هذه سعة انتشاره خصوصا بعد ظهور الفضائيات وانتشار وسائل التواصل، الامر الذي حدى بالمرجعية الدينية في النجف الاشرف متمثلة بسماحة السيد السيستاني حفظه الله ان تبادر الى اصدار حزمة ارشادات وتعليمات للخطباء من اجل النهوض بادائهم، كما انعقد برعايتها مؤتمر دولي في النجف الاشرف وكربلاء (اذار عام ٢٠١٧) تحت عنوان (حول التجديد في المنبر الحسيني).

الفردانية وغياب الرقابة السائد في مؤسسة المنبر الحسيني جعلت عددا غير قليل من الخطباء لا يرى نفسه ملزما بتلك التعليمات وان تبنتها المرجعية العليا بحجة انه غير مقلد لها وهو مرتبط بمرجعية اخرى لا ترى بأسا في خطابه.

في تقديرنا اذا بقي الخطاب الحسيني على ما هو عليه من الضعف والسطحية سيفقد ألقه ويخسر جمهوره ويغيب تاثيره البنّاء ويتحول الى اداة هدم بدل ان يكون وسيلة لبناء

الانسان.. ذلك حين يصبح سببا لتغييب الوعي وتسطيح العقول، واشاعة الكراهية والتطرف وغير خافٍ ما لذلك من اثار مدمرة على المجتمع.

من خلال مرافقتكم لبابا الفاتيكان خلال زيارته العراق كيف تقيمون الزيارة هذه ؟

تعتبر زيارة قداسة بابا الفاتيكان فرنسيس الاول الى العراق ولقاؤه بالمرجعية الدينية العليا للمسلمين الشيعة في النجف الاشرف رغم ظروف تفشي وباء كورونا والحالة الامنية غير المستقرة في البلد، حدثا استثنائيا وفق كل المقاييس، وفرصة نادرة في انعكاساته المعنوية والمادية، فعلى الصعيد المعنوي ارسلت الزيارة واللقاء بسماحة السيد المرجع السيستاني رسائل ايجابية في اطار تمكين لغة السلام والمحبة واشاعة قيم التسامح والاحترام بين المختلفين. لم تكمن اهمية اللقاء في كونه اول قمة روحية بين شخصي المرجعيتين الروحيتين مرجع الكنيسة الكاثوليكية في العالم ومرجع المسلمين الشيعة في العالم فحسب، انما تظهر اهمية اللقاء في كونه بين مدرستين ورسالتين (وديانتين)، وان العلاقة بينهما محكومة بالالتقاء والمحبة لا التنافر والعداء. تأتي الزيارة لتوقد بصيص امل بعد موجات الكراهية والعداوات التي اجتاحت عالمنا الاسلامي بصورة خاصة.

وعلى الصعيد المادي كانت الزيارة فرصة نادرة للعراق بعد ان فتحت عيون العالم على ما يكتنزه هذا البلد من مواقع مورد احترام وتقديس اصحاب الديانات الاخرى وناهيك ما لذلك من موارد تساهم في تعاظم موارد البلداقتصاديا فيما لو اهتم ساسة البلد بانشاء البنى التحتية للسياحة ولكنها كغيرها من الفرص المهدورة في هذا البلد الذي تكالب عليه الفاسدون والفاشلون ليطفأوا كل شمعة امل توقد فيه

(Visited 515 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *