مواويل جنوبية / (( غرقى .. ويقتلنا الظمأ ! ))

مواويل جنوبية / (( غرقى .. ويقتلنا الظمأ ! ))

مواويل جنوبية

عبدالسادة البصري

 

ارتأيت أن أضع عنوان مجموعتي الشعرية السابعة الصادرة قبل ثلاثة اعوام ضمن إصدارات الاتحاد العام للأدباء والكتاب ، لأنه يعبّر تعبيراً دقيقاً وحقيقياً عن كل ما مرّ ويمرّ به الوطن منذ أكثر من أربعة عقود ، حيث الدم المسفوك منذ الهجمة الفاشية التي شنّتها حكومة البعث على الوطنيين أواخر السبعينات ، ثم الحرب التي لا معنى لها ، مرورا بغزو الكويت والويلات التي جرّها علينا ، والحصار وكيف أكلنا لحم أجسادنا ، وصولا إلى عام 2003 وما جاء بعده من محاصصة وطائفية وفساد وإرهاب وخراب للوطن وأزمة للأخلاق التي بتنا نعاني منها في كل مكان ، من البيت إلى الشارع والسوق والعمل!
لنترك سنوات الجمر والخوف والجوع والاعتقالات ، ونتحدث عن سنوات استبشرنا خيراً لحظة شروق شمسها ، لكنّ ما حدث جرّ الويلات وهي متواصلة يوما بعد آخر ، فالطائفية التي لم نكن نعرفها ولا نشعر بها بدأت سوستها تنخر في الجسد العراقي ، حيث ظهرت العناوين الفرعية وتغلغل الحقد شيئا فشيئا في نفوس البعض لتُسْفَكَ الدماء البريئة التي كان من الممكن أن يستفيد منها الوطن ومستقبله ، والفساد الذي صار سمةً لكلّ عمل ومشروع وحكاية وعلاقة وتعامل بيننا والآخرين ، في البيت ، الدائرة ، السوق، في سيارات الأجرة ، كذلك في الأخلاقيات المنهارة جدا ، حيث جلب الفساد لنا الخراب من أوسع أبوابه ، فساءت الخدمات وانعدمت ، وكَثُرَ العاطلون وازدادت البطالة كماً ونوعاً ، وتردّى التعليم وصار مؤشر التربية في انخفاض مستمر ، كما كثر المتسولون ومقتعدو الأرصفة وتقاطعات الطرق ، وظهرت الجريمة إلى العيان ، والطامة الكبرى تفشّي المخدّرات ، هذه الآفة التي أخذت تفتك بالشباب وتهدم مستقبل البلاد والعباد ، إضافة إلى أزمة السكن وكثرة مشاكل الإيجارات والعشوائيات القسريّة التي لم يكلّف نفسه أي مسؤول بحلّها وايجاد سكن لائق للناس الفقراء !!
كلّ هذا الخراب والظمأ الذي نعيشه ، نحن أبناء أغنى بلد من حيث الثروة النفطية والزراعية والصناعية والحيوانية، وفيه نهران عظيمان وأهوار وروافد وبحيرات ومبدعون في شتى مجالات الإبداع ــ الأدبي والفني والعلمي والرياضي ــ والكلّ يحسب لنا ألف حساب ، لكننا نعاني شظف العيش وتفشّي الأمراض والمخدّرات بسب الفساد وكل ما يؤدي إلى الخراب والضياع !
البلاد التي تفيض نفطاً وماءً وثروات أخرى وتملك إرثاً من التاريخ والحضارة والغارقة في كل هذه الثروات ، تعاني الظمأ!
ظمأ للعيش الرغيد ، ظمأ للوطن الحر ، ظمأ للسعادة ، ظمأ للفرح ، ظمأ للعمران والبناء ، ظمأ وللصدق والإخلاص والنزاهة ، وللمنتوجات الصناعية والزراعيةالوطنية ، للفوز في سباقات كرة القدم ، وللموسيقى، وللأخلاق التي صرنا نبحث عنها في النفوس ، ظمأ لكل ما يبني هذا البلد الغارق في بحر الدم والفقر والمرض منذ أكثر من أربعة عقود، ظمأ للماء العذب، ظمأ للكهرباء، ظمأ للأمان والراحة، ظمأ للسكن اللائق بنا، ظمأ للوجود وجمالياته بكل معنى الكلمة !

(Visited 27 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *