منقذ داغر
وردتني رسالة يوم أمس من المركز الذي أعمل به كباحث أقدم غير مقيم–مركز الدراساتالاستراتيجية والدولية بواشنطن– للاجابة على عدد من الاسئلة التي وجهتها مراسلةصحيفة إسرائيلية كبرى عن انتفاضة تشرين ومآلاتها،وكذلك عن اتجاهات الرأي العامالعراقي،وبالذات الشباب نحو التطبيع مع دولة(إسرائيل). ويبدو ان المراسلة لديها اعتقادان شباب العراق لديهم اتجاهات ايجابية من التطبيع بناءً على قراءة معينة للواقعالعراقي. هذا الانطباع على مايبدو تولد من قراءة خاطئة للرأي العام العراقي ناجمة عنثلاث ارقام رئيسة؛الاول هو مانشرتُهُ خلال السنوات القليلة الماضية من تزايد ملحوظ فينسبة المؤيدين لفصل الدين عن السياسة (حوالي ٨٠٪)؛والثاني هو التدني الملحوظ فياتجاهات العراقيين–بالذات الشباب منهم–في تأييد الاتجاهات الطائفية،اذ ان غالبيةالعراقيين–بحسب ارقام محرار الرأي العراقي الذي سأعلنه بعد ايام– لا يمانعون مثلاً منان يكون رئيس الوزراء من طائفة أخرى؛ اما الرقم الثالث فيتعلق بنزعة التسامح الدينيالتي زادت بين الشباب حتى ان ٨٥٪ من العراقيين ليس لديهم مشكلة في ان يكون جارهممن ديانة اخرى او ان يتزوج احد افراد اسرتهم من طائفة اخرى!
بناء على هذه القراءة سألتني المراسلة سؤالين:الاول يتعلق بنسبة العراقيين الذين لايعارضون عودة اليهود للعراق، والثاني عن نسبة العراقيين–والشباب منهم بخاصة–الذينيؤيدون التطبيع مع(إسرائيل)!
أجبت على السؤال الاول بالقول انه رغم اني لا امتلك ارقام بخصوص رأي العراقيينبعودة اليهود العراقيين الى العراق،الا اني اعرف (حدساً وليس رقماً علمياً )ان نسبةكبيرة من العراقيين ليست لديهم مشكلة مع اليهودية كديانة ولا مع اليهود كاتباع لتلكالديانة.
أما بخصوص السؤال الثاني فقلت،يجب عدم الخلط بين الاتجاهات الدينية للعراقيين،وبالذات الشباب منهم وبين اتجاهاتهم نحو التطبيع. فعلى الرغم من الاتجاه الواضحللعراقيين عموما والشباب خصوصاً نحو فصل الدين عن السياسة وبروز نزعة التسامحالديني لديهم ،الا ان اتجاهاتهم نحو التطبيع تبدو محسومة.وعلى الرغم من ظهور بعضالاصوات الشاذة التي لديها رأي آخر الا ان الاتجاه العام يبدو محسوماً.فحسب آخراستطلاعات الرأي العام التي أجراها فريقي البحثي(المستقلة للابحاث)،فان نسبةالعراقيين الذين يعارضون التطبيع قد قفزت بين عزمي ٢٠١٦ و ٢٠٢٠ من ٨٧٪ الى ٩١٪. أما بين الشباب فقد قفزت خلال نفس المدة من ٨٨٪ الى ٩٢٪ .
اكثر من ذلك فان الارقام التي اظهرها مؤشر البارومتر العربي عام ٢٠٢٠، وهو اكبراستطلاع للرأي
العام العربي، تُظهر ان العراقيين يقعون في قمة قائمة الدول العربية الرافضة للتطبيع.
ان الحراك الشعبي العراقي،والذي انتج انتفاضة تشرين، قد تكون لديه آراء متباينة نحوالعديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق.مع ذلك فيبدو جلياً انهناك اتفاق شبه كامل على مسألتين رئيستين هما رفض الطبقة السياسية العراقيةالحاكمة،ورفض التطبيع مع (إسرائيل).