لم يكن يخطر في بال الإعلاميين أو الصحافيين الذين مرّوا بتاريخ العراق ومؤسساته، أن يتم حفظ وتوثيق صورهم ومقتنياتهم وما كتبوه، في متحف هو الأوّل من نوعه، ليس في العراق فحسب، وإنما في الوطن العربي.
إنه متحف الإعلام العراقي في بغداد، الذي يهتمّ بالصحافة والإذاعة والتلفزيون، منذ أن تأسست الإذاعة العراقية في عام 1936.
مع نهاية عام 2019، كان الموسيقار العراقي نصير شمّة، في زيارة إلى معهد التدريب الإذاعي، الذي تأسس عام 1972، وسط العاصمة، وكان عبارة عن مبنى “مهمل”، بعدما كان علامة بارزة تخرّج منه كبار الإذاعيين ومقدّمي البرامج في العراق.
من هناك تمّ اختيار المكان، ليكون بداية تجسيد فكرة “متحف الإعلام العراقي” على أرض الواقع، فأُدرج المبنى ضمن مبادرة “ألق بغداد”، وهي المبادرة الثقافية التي يُشرف عليها الفنان شمّة بنفسه، بهدف إعادة تأهيل أهم الساحات والأبنية التراثية والثقافية في بغداد.
بدأت الأعمال الفعلية من ترميم وتطوير المبنى في عام 2020، وبما يتناسب مع الفكرة، والبدء بمرحلة جمع ما يتوفر من نوادر، والبحث والتنقيب عمّا يحفظه الآخرون كمقتنيات شخصية، بغرض ضمّها إلى المتحف.
• مديرة المتحف مينا أمير: إن كل ما يوجد داخل المتحف، يمثّل قطعة نادرة ومهمة بالنسبة لنا، ولمن استخدم هذه القطعة، سواء كانت كاميرا أو مجلة أو أي تحفة أخرى، كذلك رحلة البحث وجمع هذه المقتنيات
انطلقت الخطوة الأولى من جمع مقتنيات المتحف، بالاعتماد على مخازن شبكة الإعلام العراقي، التي كانت تضمّ الكثير من الأجهزة والمعدّات القديمة، الخاصة بالإذاعة والتلفزيون، واستعان المتحف بمهندسين مختصّين لتسمية الأجهزة ومواصفتها، ومن ثمّ التحرك نحو دوائر حكومية أخرى، لجمع ما يوجد في مخازنها من آلات ومعدّات تصلح للعرض.
وكان الكثير من الفنانين والإذاعيين والصحافيين جزءاً من هذه المبادرة، وساهموا بتبرّاعهم ومقتنياتهم الشخصية من أجهزة وصور وصحف لتغذية ذاكرة المتحف، ما أضاف قيمة تاريخية وثقافية كبيرة للمكان، وتمّ افتتاحه رسمياً في 25 يناير 2022.
مديرة المتحف مينا أمير الحلو تحدثت للصحافة العربيةعن بدايات المشروع، قائلةً: “كانت المفاجأة في الجائحة التي قيّدت حركتنا خلال فترة التحضير، وجمع محتويات المتحف، وفرضت ظروفاً صعبة، من أجل التواصل مع العاملين في شبكة الإعلام والمؤسسات المعنية، لكننا وجدنا المساعدة من الجميع“.
عند دخول المتحف، يجد الزائر نفسه في عالم من الذكريات موزّعاً على طابقين من 6 قاعات، قاعة الصحافة التي تحوي أرشيف الصحف العراقية القديمة، وشاشة لعرض معلومات عن الصحف والمجلات، ومؤسسي الصحافة والنقابة، ووكالة الأنباء العراقية.
أما قاعة التلفزيون، فهي مليئة بالأجهزة القديمة، منها أجهزة مونتاج كاملة، وأوّل كاميرا تصوير استخدمت آنذاك، ثم قاعة الإذاعة التي تضم الأجهزة المستخدمة في بدايات تأسيس الإذاعة العراقية، ومنها “بلبل الإذاعة”، ونسخة المصحف الشريف.
بينما تضم قاعة “الراديو” أشرطة التسجيل الصوتي، وهي عادةً تكون مقتينات شخصية تستخدم لغرض الاستماع إلى ما تبثّه الإذاعات، أو ما يُحفظ في الأشرطة الصوتية من تسجيلات مختلفة.
إلى جانب ذلك، نشاهد في الطابق الثاني قاعة تم إعدادها، مثل استوديو مطابق تماماً للبرنامج الشهير “الرياضة في أسبوع”، الذي كان يقدّمه الصحفي الراحل مؤيد البدري، بديكور كامل، فضلاً عن الكاميرات و”ميكسر” الصوت المستخدم سنة 1963 عند عرض أولى حلقاته.
وتشير مينا الحلو إلى أن “سبب اختيار هذا البرنامج دون غيره، هو أن ديكوره ثابت ولم يتغيّر على مدار السنين“.
• كانت المفاجأة في الجائحة التي قيّدت حركتنا خلال فترة التحضير، وجمع محتويات المتحف
أما قاعة “الداتا شو”، هي لعرض مجموعة من الأفلام عن تأسيس الصحافة والإذاعة والتلفزيون، وقاعة أخرى مخصّصة لعرض نحو 1000 صورة للبرامج العراقية والفنانين، كما تضم استوديو كاملاً بكاميراته وأرشيفه، تبرّع به الأخوين عبد الله وحسين حسون، وهما من أهم مصوّري بغداد.من أقدم المقتنيات التي يجدها الزائر في المتحف، جهاز موسيقي منذ عام 1800، حيث كانت الموسيقى تُسجّل على سلك وليس عبر الشريط.
كما يُعرض “بلبل الإذاعة” الشهير، وهو عبارة عن بلبل ذهبي كان يغرّد فجر كل يوم مع افتتاح الإذاعة، وهي قطعة نادرة أهداها الزعيم الألماني هتلر إلى الملك غازي، بمناسبة افتتاح إذاعة “الزهور” عام 1936.
كما يجمع المتحف أجهزة كثيرة مستخدمة في أعوام الخمسينيات والستينيات والسبعينيات.
فيما يخص الصحافة العراقية، يحتوي المتحف على نسخ مطبوعة تعود للعام 1911، وصحف أخرى ومجلات قديمة تمّ جمعها من أرشيف الشبكة، وعليها إهداءات الصحفيين والمثقفين، مثل الصحف الثقافية ومجلات الأطفال ومجلة الإذاعة والتلفزيون.
أما مقتنيات الإذاعة، فهي معروضة في قاعة خاصة، وهي عبارة عن جهاز التسجيل البيتي والإذاعي، وأجهزة التسجيل بالأشرطة الصوتية والكرامافون.
وتختتم الحلو: “إن كل ما يوجد داخل المتحف، يمثّل قطعة نادرة ومهمة بالنسبة لنا، ولمن استخدم هذه القطعة، سواء كانت كاميرا أو مجلة أو أي تحفة أخرى، كذلك رحلة البحث وجمع هذه المقتنيات