الروائي حمودي عبد محسن : “أكتب لأنني لا أستطيع أن لا أكتب، فالكتابة شغف وحب، ولأننا أحياء نواصل الكتابة كي لا نموت”

الروائي حمودي عبد محسن : “أكتب لأنني لا أستطيع أن لا أكتب، فالكتابة شغف وحب، ولأننا أحياء نواصل الكتابة كي لا نموت”

 

الروائي حمودي عبد محسن للمستقل:

اجرى الحوار : أمير الخطيب

.

 

حمودي عبد محسن روائي عراقي درس الفقه في النجف والجيولوجيا في كييف( اوكرانيا)، ، كتب الشعر وقاله و هو صغير ، نشر عشرات القصص ، ومواضيع في النقد الأدبي ، ومقالات فلسفية ، وقصائد في عدد من المجلات والصحف ، له العديد من الروايات، منها ” الدفان والغجرية ، المزمار ، ملحمة شعرية – الإله تموز
مجموعة قصصية – حورية إكشو
5- مجموعة قصصية – تنبؤات كاسندرا، رواية حكاية من النجف، مذكرات عن كردستان – عند قمم الجبال وغيرها الكثير .
عضو اتحاد الكتاب السويديين واتحاد الأدباء في العراق ، يعيش الآن في السويد ولد عام 1953 في النجف وترعرع في مدينة تعبق بالشعر واللغة والفن .
الحديث عن الروائي حمودي عبد محسن
يستدعي أن نتوقف بلمحة مكثفة عند محطته الاولى وعن تاريخها ، في البداية في بلورة الفكر الفكر الانساني لدي المبدع في مختلف أجناس الإبداع.
نشأ ضيفنا في بيئة أزدهر فيها الشعر وكان للشاعر مكانة خاصة في المجتمع النجفي، وكانت الحوارات المعرفية الهادئة تعم وتتوسع في أجواء المدينة الغافية على حافة الصحراء ، في السراديب( القبو ) أم في المجالس، ولا أبالغ إن قلت: كان في كل بيت نجفي مكتبة ،تتلقف ما يصدر من كتب ودواوين وصحف ومجلات ، فما من كتاب فاسفي يصدر في اوربا ، إلا ويبدأ الحديث عنه في النجف، ولذلك كانت النجف الحاضرة العلمية والثقافية والتجدد في رؤية العالم في مجال الأدب والمنطق واللغة ومراجعة التاريخ برؤية نقدية متسامحة هادفة، وما يؤكد حديثي هذا هو الكم الهائل من فطاحلة الشعر العربي الذين برزوا من النجف، والقائمة معروفة لك، أما النثر فقد برز في وقت متأخر خاصة القصة القصيرة التي يعتبر مؤسسها الصحفي والقاص جعفر الخليلي، ولعل كتابه الشهير (هكذا عرفتهم يدلنا هلى ذلك.
نشأ الروائي حمودي عبد محسن، في حاضرةٍ ، تخلو من وسائل لهوٍ للصبيان ، عدا الكتاب والحوار، فكان الصبية يتبارون في إبراز مقدرتهم في تناول مواضيع الأدب سواء كان ذلك شعرا أم نثرا أم في النحو بإعراب الجمل.

كان للمستقل وقفات في محطات مسيرة حياة الروائي العراقي حمودي عبد محسن .
حَدَثنا عن خطواته الاولى وعن تكوينه الشخصي في عالم الادب فقال :
كان الشبان في النجف ينشأون على بديع وفصاحة الكلام والبلاغة والبيان بحلاوة لغتنا العربية، وهي لغة القرآن الكريم التي وحدت العرب، وأنشأت حضارة إسلامية تتوشح بنغمة الحكمة.
فهذه الأصالة العربية ترسخت في شخصيتي وتكويني، وقد حملت تراثها الغني الصادق الذي تبلور في مدينتي النجف حيث الصدق في التآلف مع الوجود الإنساني من منبع روافده أن تكافح الظلم، وأن تعيش حرا، وقد انعكس هذا في مجمل النصوص الأدبية التي كتبتها سواء في المضمون أو اللغة لأن جوهر تكوين شخصيتي نجفية، ولا يسعني هنا إلا أن أتغنى مثلما تغنى حنين:
أنا حنينٌ ومنزِّلي النجفُ……
وما نديميَّ إلا الفتى القصف

كيف تجد العيش في هذا المنفى السويدي القسري

انا أقيم في السويد العادل المتضامن مع الشعوب الفقيرة، المتسامح، والعاشق للسلام الذي أعطاني الحرية في التعبير، وحيث وجدت فيه طمأنينة الذات خاصة في مدينة جميلة اسمها بحيرة البلوط Eksjö، الصغيرة الهادئة، حين وصلتها لم يكن يتجاوز عدد سكانها عشرة ألاف نسمة أما اليوم فوصل عدد سكانها ستة عشرة ألف نسمة، أجل أعادت لي هذه المدينة تلك السمة في التأمل التي تميزت بها في مدينتي النجف حين كنت أغرق في تأمل القمر، ونجمة الصباح وأنا أنتشي من أنسام الصحراء، هذه المدينة السويدية عودت حمودي أن يغوص في التأمل الواقعي وليس الوهمي.

كتبت الشعر و انشدته وانت صغير احببته وحفظت منه الكثير. كيف تُعرِّفه ؟
الشعر هو لغة القلب سواء إن كان كلامه بليغا ومقفى يراد منه الدلالة القصدية في المعنى أو الرمز أو الصورة الشعرية، وكذلك هو دلالة النظم من بيت إلى آخر في وحدة اكتمال القصيدة الفصيحة البليغة كما قال عنها اللغويون العرب القدامى، وكما قالوا عن الشاعر فصيحا بليغا. هذا، وإن الشعر سواء أن كان موزونا مقفى أم حرا أم نثريا هو معرفة فن اللغة في فصاحة الكلام وبلاغة المعنى وجمال الشكل لأن الشعر فردي كصرخة في أعماق الذات تغلي وتتبلور وتنضج  لتخرج هادرة كوثبة وجدانية ـ حسية ذات مذاق حلو.
تمثل الكتابة متنفساً للكاتب يستنشق من خلالها النقاء والصفاء والاندكاك في الروح، والولوج الى روح الاخر ، ماذا تعني الكتابة لحمودي عبد محسن ؟

الكتابة هي لغة التخاطب مع القارئ، ولغة التخاطب هذه خالدة لأنها مدونة بالكلمات الحرة سواء كانت في مخطوطة أو كتاب، ولا يمكن إزالتها لأنها تحكي شيئا مهماَ بمعان مختلفة، ثم هي رسالة تتحدث بطريقة غير مباشرة للمتلقي عن هدف لتغير الأفكار نحو عالم جميل، وقد يكون هذا الهدف جوهر وجود الكاتب، لذلك تتحول الكتابة إلى غاية عند الكاتب.
وهناك شيء أخر مهم هو أن أكثر الأشياء التي يكتبها الكاتب هي ليست بعيدة عن ذاته، “فكافكا ” كتب المسخ، فكان يتحدث عن معاناته، وفي نفس الوقت يتحدث عن عالم الاغتراب في مجتمعه، وكما “دوستوفيسكي ” الذي لم يلتف حبل المشنقة حول عنقه في لحظة مصيرية، فهو قد غاص في عمق النفس البشرية الذي يعتبره العلماء النفسانيين أنه أول من أرسى علم سيكولوجية المجتمع، وهذا أيضا بشهادة فرويد. إذن، الكتابة لغز روحي يكرس الكاتب حياته لها بصبر وعمل دؤوب كي ينتج أثرا لا يزول، وقد يكتفي الكاتب.

يتابع حمودي : ” أنا أكتب لأنها رغبتي، وكي أعطي رأي بالوجود الذي نعيشه نحن البشر” أجل، أكتب لأنني لا أستطيع أن لا أكتب، فالكتابة شغف وحب، ولأننا أحياء نواصل الكتابة كي لا نموت، ولأن الموت هو ظلال الحياة منذ أن ولدنا، فأنا أكتب كي أخاطب الآخرين وأتكلم معهم دون صمت أو خوف لأنني حر، وأحيا بالتعبير والظهور أمامهم كوجه حي متحدث.

الزمان والمكان عنصران يشكلان ثنائية لدى الشاعر والكاتب ، اين هما في روحك؟

المكان سواء كان فردوسا مفقودا أم موجودا لدى الشاعر فهو جميل ساحر تكمن فيه السعادة.

أما بالنسبة للزمن، لقد كان الزمن محيرا لدى الأديان الأولى كالرعوية التي عبد فيها الانسان القمر، والزراعية التي عبد فيها الانسان الشمس، وأيضا كان محيرا لدى الأخلاقيين من البوذيين والكونفوشيين، ثم فيما بعد تم تناوله بنظرة أخرى في الديانات الابراهيمية الثلاثة الذي تعلق ذلك ببدء الخلق وما بعد الموت.

هذا، وكان الزمن محور أساسي في الحضارة المصرية حيث ربطته بالخلود فيما بعد الموت، فشيدوا الاهرامات كمدافن للفراعنة مع احتياجاتهم أما في الحضارة العراقية القديمة فقد ارتبط الزمن بالحياة الدنيوية، لذل بحث جلجامش عن الخلود بعد موت صديقه انكيدو.
ومن هذا المقدمة البسيطة التي وردت لنا من خلال نصوص أدبية ـ دينية سواء كان ذلك شعرا أم نثرا أم تراتيل أم تعاويذ نستطيع أن نجوز الزمن بجانبين كما تم تداوله سابقا:
الأول: دنيوي ـ ارضي ـ حياتي.
الثاني: آخروي ـ سماوي.

تبدلت كثير من المفاهيم وادخلت مفاهيم اخرى في حياتنا ، ومنها مفهوم الهوية، ماذا تشكل الهوية كمفهوم لديك ؟

نحن نعيش في عالم متوتر متغير لذلك لم يعد مفهوم الهوية فقط كانتماء لشعب أو مجتمع أو تجمع بشري تربطهم ثقافة وتاريخ بل أصبح سلوك وممارسة لفرد في مجتمعه أو خارجه، وهذا يدعونا إلى أخذ المسألة من أمرين:
الأول: اجتماعي.
الثاني: فردي.

الهوية تتغير وتتجدد كانعكاس تأملي لذات الانسان في ايقاع الوعي سواء كان ذلك نقطة بداية نحو هوية جديدة أم  لأن الانسان موجود بشري في عالم مشترك يبغي أن يرتبط به بشعور متآلف حميميا وجماليا وحسيا.

عام 1997 أصدرت رواية قصيرة موسومة بعنوان (الدفان والغجرية)
وهي تتحدث عن بيئتك الاولى ، حبذا لو تحدثنا عنها ؟
رواية الدفان والغجرية تدور أحداثها في مدينة النجف المحافظة، والشخصية الرئيسية في الرواية هو دفان متمسك بعادات وتقاليد المدينة لكنه وقع في حب الغجرية، فكان شرط الغجرية أن يرتبط بها هو الالتحاق بركبهم، ويترك المدينة، وهذا ما حدث. في هذه الرواية يجد القاريء هذا التمايز المتضاد بين الدفان المحافظ والغجرية التي تملك حريتها، فهنا نلاحط التضاد بين هويتين لكن النهاية كانت أن الدفان قد تخلى عن هويته وإلتحق بهوية الغجر الجديدة.

كان للحرب اثر بالغ في روحك، وكأي كاتب انساني. يمقت القتل والحروب ، وقد كتبت عنها رواية عام 2008 بعنوان (حكاية من النجف) انتزعت احداثها وشخصيتها من النجف كذلك ، ماذا تحدثت فيها .
حكاية من النجف رواية تتحدث عن عودة الجندي سلام من جبهة الحرب، فيرمي بندقيته في البئر بعد أن بخس الحرب واستهجنها ثم وإذا يجد نفسه غريبا في وطنه، فكان لا يستطيع التوافق والتلائم مع مجتمع يمجد الحرب، فهنا كان الاغتراب في وطنه، فالاغتراب يمكن ان يكون مع الذات، ومع المجتمع حين يشعر الفرد أن لا وجود له بين الآخرين، فلا نتفاجيء عندما نرى العبثية ـ العدمية أو القلق والتوتر في ظل توحش الرأسمالية التي تحول الانسان إلى سلعة استهلاكية وحتى لا نفاجيء حين نرى فقدان الأمل واللامبالاة، فهنا يحدث الانفصام عن الذات والدولة والمجتمع لأن شعور الفرد بالتهميش والقهر اللذين يؤديان به للتسليم يفقداه حتى معاني الهوية والانتماء  لوطنه الموجود فيه، وكذلك يؤدي به ذلك إلى التأزم والضياع.
في الختام دعني اعبر لك عن امتناني ومتعتي الروحية في هذه الرحلة الجميلة عبر الامكنة، المليئة بالجمال والذكريات والغربة .

(Visited 40 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *