د.عبدالخالق حسين
حقاً نحن نعيش في عالم اللامعقول، ففي كل يوم نسمع العجائب والغرائب عما يفعله البعض من العراقيين بأنفسهم وبشعبهم كما يفعل العدو بعدوه. فآخر الأنباء في هذا الصدد تفيد أن “توافد جموع من المحتجين حول مرقد ابو حنيفة النعمان بمنطقة الأعظمية، بعد دعوات للتظاهر امام المرقد لغرض تهديمه، وسط انتشار أمني كثيف… وقد رفعوا شعار “لا مكان لأعداء أهل البيت”.(1)
وقبل ذلك بأيام قرأنا في الإعلام عن “تهديدات في بغداد بإزالة تمثال أبي جعفر المنصور [الخليفة العباسي الثاني، وهُو المؤسس الحقيقي للدولة العباسيةِ، وباني بغداد،].. وسبق أن قامت جماعة مسلحة بنسف نصب أبي جعفر المنصور بعبوة ناسفة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2005، لكن الحكومة العراقية أعادت تشييده.”(2). كذلك نسمع بين حين آخر عن نشر صور للقيادات الإيرانية : الخميني وخامنئي وقاسم سليماني في الأعظمية وغيرها من المناطق ذات الغالبية السنية، في عملية واضحة الغرض منها استفزاز أهل السنة وبالتالي إشعال الفتنة الطائفية البغيضة التي مازال العراق يئِّن من شرورها، مما اضطر رئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي بتوجيه أوامر تقضي بإزالة هذه الصور.
والسؤال هنا، من وراء هذه الأعمال الإجرامية التخريبية، وما هي أغراضها؟
غني عن القول أن العراق يمر في أخطر مرحلة تاريخية بسبب الصراعات الدموية بين مكوناته بعد خلاصه من أعتى نظام دكتاتوري عرفه التاريخ، وبسبب التدخلات الخارجية في شأنه. فقد أعتاد العراقيون خاصة، والعرب عامة بإلقاء اللوم في جميع ما يصيبهم من كوارث على أمريكا والصهيونية، ويبرؤون أنفسهم من أي خطأ، و دورهم في تدمير بلادهم. ولا شك إن قولنا هذا سيضعنا في خانة المدافعين عن أمريكا والصهيونية، النغمة النشاز التي يكررها هؤلاء ليل نهار.
لا شك عندي إطلاقاً أن وراء هذه التحركات المشبوهة هم ألد أعداء الشعب العراقي. لماذا؟
لأن منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 على أسس طائفية، وعزل الشيعة عن المشاركة في حكم بلادهم، حيث انطلقت دعوات من بعض الجهات بوصف الشيعة بـ(الشعوبية)، أي العداء للعروبة.. وبأنهم من بقايا الساسانيين، أو جلَبهم القائد العربي محمد القاسم الثقفي من الهند مع الجواميس… إلى آخر الأسطوانة المشروخة، والفرية التي الغرض منها الإمعان في تفتيت الشعب العراقي إلى فئات متصارعة. لذلك فالغرض من المطالبة بتدمير تمثال أبي جعفر المنصور على أيدي شيعة جهلة مغرر بهم، هو إثبات التهمة بأن الشيعة شعوبيون.
فلو أردنا محاسبة وإزالة الشخصيات التاريخية من أمثال أبي جعفر المنصور، لما بقيت رموز تاريخية إلا القليل. فهذه الشخصيات تبقى رموزاً تاريخية تشهد على عظمة تاريخ الأمة، وليس هناك إنسان كامل خال من أية شائبة… فتدمير النصب التاريخية، هو عملية تدمير التاريخ، وبالتالي تدمير الهوية الوطنية العراقية، وجعل المواطن العراقي بلا تاريخ وبلا هوية… وهذه جريمة لا تُغتفر، تقدم خدمة لا تقدر لأعداء العراق.
أما المطالبة بتدمير مرقد الإمام الأعظم أبو حنيفىة، فلا تصدر إلا من أناس من ألد أعداء الشعب العراقي، و أشدهم حقارة وخسة ودناءة وجهلاً وغباءً، بل لا توجد كلمة في اللغة لوصف انحطاطهم وجهلهم وغبائهم. لأنهم أثبتوا بأنهم لا يعرفون أي شيء عن هذا الإمام الثائر ضد الظلم، والذي ضحى بالكثير في سبيل أهل البيت الذين يدعي هؤلاء الجهلة أنهم من شيعتهم.
فمن هو أبو حنيفة الذي يراد هدم ضريحه، وهل حقاً هو من أعداء أهل البيت؟
هو (النعمان بن ثابت بن مرزُبان الكوفيّ (80-150 هـ/ 699-767م) فقيه وعالم مسلم، وأول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي. اشتهر بعلمه الغزير وأخلاقه الحسنة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: «من أراد أن يتبحَّر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة»)(موسوعة ويكيبيديا).
تؤكد كتب التاريخ أن معظم أهل العراق، سنة وشيعة (عدا الخوارج)، كانوا من أنصار الإمام علي وأهل بيته، إذ يقول الدكتور علي الوردي في هذا الخصوص: “قد يستغرب القارئ إذا علم بأن كلتا الطائفتين كانتا في أول الأمر من حزب واحد، وإن الذين فرَّقوا بينهما هم السلاطين ووعاظ السلاطين. ففي عهد الدولة الأموية كان الشيعة وأهل السنة يؤلفون حزب الثورة. إذ كان الشيعة يثورون على الدولة بسيوفهم، بينما كان أهل السنة يثورون عليهم بأحاديثهم النبوية – هؤلاء كانوا ينهون عن المنكر بألسنتهم، وأولئك ينهون عنه بأيديهم.”(3)
ويضيف الوردي: فأبو حنيفة النعمان الذي يُلقّب بـ “الإمام الأعظم” كان علوي الهوى ثورياً من طراز فذ. وينقل عن الزمخشري قوله: “وكان أبو حنيفة يفتي سراً بوجوب نصرة زيد بن علي، وحمل الأموال إليه، والخروج معه على اللص المتغلب المتسمى بالإمام والخليفة- ويقصد الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك ” وقال عنه أي زيد (ضاهى خروجه خروج رسول الله يوم بدرٍ.) (أنظر: الزمخشري، الكشاف، ج1 ص64).
ولما ثار محمد بن عبد الله الحسني في المدينة، ضد المنصور بايعه أبو حنيفة. وظل على تلك البيعة بعد مقتله إذ كان يعتقد بموالاة أهل البيت. (الشهرستاني الملل والنحل ج1 ص79). وكتب أبو حنيفة إلى إبراهيم، أخي محمد، يشير إليه بقصد الكوفة سراً ويعلمه بأن في الكوفة من الشيعة من يستطيع دعمه. كما ونعرف من التاريخ أن الإمام الأعظم أبو حنيفة (رضي الله عنه) قد درس الفقه فترة على الإمام جعفر الصادق في الكوفة، وكان من أقرب الناس إلى الإمام موسى الكاظم (ع)، فكلاهما عانى السجن والاضطهاد معاً وبواسطة الحاكم نفسه، ومن أجل القضية ذاتها. ويقول الوردي: لو أدرك الشيعة حقيقة الأمر لعرفوا أن أبا حنيفة هو أحد أئمتهم، كما هو أحد أئمة أهل السنة، لأنه وجد قبل انقسام المسلمين إلى سنة وشيعة، وكان من أنصار أهل البيت.(نفس المصدر)
نعم إنها لمؤامرة قذرة، القصد منها إشغال الشعب العراقي بالمزيد من الحروب الطائفية، لتدمير طاقاته، وتفتيت نسيجه الاجتماعي بإشعال الفتن الطائفية، وإضفاء القداسة الدينية عليها. ولكن من المستفيد منها؟
لا شك إن إيران هي المستفيدة من هذا الدمار، فتاريخ إيران في عهد الحكم الصفوي معروف في هدم ضريح أبي حنيفة، وقتل أهل السنة وحرق مكتباتهم، ليأتي بعده السلطان العثماني فيقتل الشيعة ويحرق مكتباتهم أيضاً، والخاسر في جميع الأحوال هو الشعب العراقي. ولذلك ردد العراقيون: (بين العجم والروم بلوة ابتلينا). وإلا لماذا لا يدين قادة إيران وأنصارها من العراقيين هذه الأعمال الإجرامية؟ فكل ما يحاولونه هو تبريرها وتعليقها على شماعة أمريكا وإسرائيل… نعم إسرائيل مستفيدة من هذه الأعمال التخريبية، ولكنها بريئة منها براءة الذئب من دم يوسف.
حقاً ما قاله ابن رشد: ” التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المُجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، فإن أردتَ التحكم في جاهل، عليك أن تُغلّف كلّ باطل بغلافٍ ديني
وثائقية التثاقف السياسي.
د. حسنين جابر الحلو.
في اي فلم وثائقي تجد شخوص وألوان، معادل صوري يروي فكرة المعد ، ولعلها الفكرة السائدة لحدث ما ، في الجو الديكتاتوري يضع لمسات لا محل لها من الواقع ، ولكن يوهم الجمهور حتى يصدق ، وقطعاً سيصدقها، لأنها مقولات مستمرة في الظهور ولا أحد يوازيها، مما يجعل الوضع أكثر توظيفاً لالية التمظهر الاخضاغي أكثر مما هو سياسي ، فتوصف الحالة على أنها وقع شديد اللهجة عندما يتطلب من واضعي الفلم السيطرة المؤكدة، وتُطعم بين الشدة والرخاء او ضمن سياسة الترغيب والترهيب عندما تكون السيطرة مركبة ، ولا اعتقد انها تكون لاسيطرة في يوم من الأيام لأنها تفقد الجمهور حتى في الحكومات الديمقراطية ، و بحسب ما قرأت لاوجود لديمقراطية فعلية ، بل أكثرها او كلها حبر على ورق ، والدليل على ذلك عندما تشاهد الواقع تصطدم ، حيث المصلحة الخاصة قد لعبت لعبتها، وأدت مؤداها في ظل تجارب عديدة تغير من نمط حياة الجمهور، فكل ديكومنتري يعبر عن حالة في كل صورة او لقطة لعلها تؤسس لقيمة شخص وهو لايستحق وستجد الأمور تجري في ممر حتى يتسع ، لان لغة المديح ستكبر معه ، وصناع الشخص لا يستطيعون بعد التغول الحاصل ان يوقفوا امتداده، لاسيما في عهد هتلر وصدام كذلك ، توسع على حساب الشعوب ، وأنهار من الدم ، بسبب عنجهية وقتية ، نعم أنها تأخرت حتى زالت ، ولكنها بالنتيجة زالت ، واي زوال أكثر من هذا ، فهل من معتبر ، قطعاً لا ، لا وجود لمعتبر في سياسة الكرسي الدوار ، والعمل المدار ، والاستئزار، والاستزئار، وكل شيء في دوار ، حالات غريبة يصنعها الفلم الديكومنتري السياسي ، يجعلنا نصدق مالايصدق ، وهنا تبقى قيمة ووعي الجماهير بالرسالة ، هل يستطيع أن يفهم ؟ هل يقاوم ؟ نقطة رأس سطر ، نعم يستطيع ، اولاً : بتفكيك الشفرة ، ثانياً : بالسيطرة على عواطفه ، ثالثا : بالقدرة على الاستنتاج، وهذا بدوره يغير حالات الحس التوظيفي والتوليدي، ويجعل الجماهير قادرة على صنع رأي عام مضاد، يخلق الشعور بالانتماء للوطن لا للسياسي ، فعندها سيتحقق جزء من الانتصار ، والكل عند اكتمال رؤية الجماهير في كل التفاصيل …..