د.عادل جعفر / استشاري طب نفسي
المدينة الأولى
في بهو فندق باريسي أنيق، حيث السقف مزخرف بالذهب والستائر تنساب مثل حلم على نافذة مطر،جلس خمسة رجال على كراسي موزّعة حول طاولة زجاجية. لم يكن بينهم موعد، لكن الصدفة جمعتهمفي هذا المكان.
الخامس كان يضحك بصوت هادئ، يرتدي بذلة رمادية بعطر شرقي واضح، وقبل أن يتكلم أحد، قالبابتسامة:
“السلام عليكم، أنا محمد من الإمارات.
الجميع بصوت واحد: ” وعليكم السلام.”
كان محمد رجل خمسيني، هادئ، واثق من نفسه ، يعمل في مجال الطاقة المتجددة. جاء ليحضر مؤتمرًاعن الاستدامة.
قال محمد مستفسراً: ” أول مرة في باريس؟“
أنطلقت منهم اجابة موحدة عدا هاشم : ” بالطبع لا.”… في الوقت نفسه اهتزت أوراق الأشجار خارجالنافذة كأنها تردد صداهم.
بينما جاءت أجابة هاشم متأخرة و بكلمات متقطعة ( بدا كانه يعتذر عن اجابته :” بالحقيقة هذه اولزيارة لي لباريس…. اتمنى إلا تكون آخر مرة“”
قاطعه محمد : “هل تعلمون انه لدينا في الامارات استثمار في كل شيء… في الإنسان، في التعليم، فيالفضاء حتى. المواطن الإماراتي اليوم يلقى الدعم لو أراد يفتح شركة، يدرس، أو حتى يطلع للقمر.”
سعود( شاب ثلاثيني، يضع نظارات فاخرة، جاء لحضور معرض فني. يعمل مستشارًا ثقافيًا) …. قال وهويرفع فنجان القهوة: “احنا صاير عندنا نقلة في السعودية… مشاريع كبرى تم إنشاؤها و هناك مشاريع فيالانتظار ، لدينا رؤية واضحة، ابتعاث، ودعم ريادة أعمال. بس التغيير الحقيقي؟ في نظرة الناسلأنفسهم. نعيد تعريف ‘السعودي’ بكل المجالات.”
بدر (رجل أربعيني من الكويت ، يقرأ صحيفة ورقية، جاء للعلاج والاستجمام. يعمل محاميًا)…… ضحكوقال: “الكويتي عندنا مرتاح من زمان، لكن أحس الجيل الجديد يبغى أكثر من راتب وديوان. نطمحلإصلاح سياسي حقيقي، مش بس رفاه اقتصادي. الدولة ما تقصر، بس المواطن صار يطلب معنى، موبس معونة.”
خالد ( شاب أنيق من قطر، مهندس معماري، جاء في رحلة عمل ومتابعة مشروع) .
قال: “إحنا بلد صغير، بس طموحنا كبير. دعم الشباب، التعليم، السفر، التطور المهني… كل شيء متاح. عندنا حرية حركة وفرص تعليم عالي، وتوجه عالمي في كل خطوة.”
هاشم ( أكبرهم سنًا ، من العراق ، يحمل ملامح تعب غطّتها نبرة حكمة. يعمل أستاذًا جامعيًا، جاءلحضور ندوة أكاديمية).
قال: “العراق؟ بلد الإمكانيات اللي ما تحققت. المواطن الذكي يهاجر، والمثقف يُتّهم، والصابر ينتظر. التعليم كان زمان في القمة، اليوم صار صراع مع المناهج والسياسة. راتب الأستاذ الجامعي ما يكفيأسبوع برا العراق… ومع ذلك، نحبها، لأنها أمنا، حتى لو كانت مريضة.”
ضحكوا جميعًا، ضحكة دافئة بين غرباء صاروا أصدقاء بسرعة البرق. ربما الصداقة الحقيقية لا تحتاجإلى وقت، بل إلى قلوبٍ مفتوحة وجرأةٍ كافية لقول :مرحبًا، أنا هنا، هل نكون أصدقاء؟.
سأل محمد بنبرة محايدة:
“طيب، لو انولدتوا من جديد… وتختارون دولة من دولنا، وين تختارون؟”
سكتوا قليلاً. بدر قال مازحًا:
“يعتمد… قبل النفط أو بعد النفط؟”
سعود ضحك وقال:
“أنا أختار السعودية، لأنّي شايف التغيير جاي، ومبسوط إني أكون جزء منه.”
خالد قال بثقة:
“قطر… لأن الفرصة موجودة، والباب مفتوح، بس عليك تثبت نفسك.”
محمد قال بابتسامة متواضعة:
“الإمارات… بلد يشبه الطيارة، كل يوم تطير أبعد، والمواطن على مقعد رجال الأعمال.”
بدر قال:
“الكويت فيها روح ديمقراطية، نادرة في منطقتنا. أتمنى بس نحميها.”
هاشم ظل صامتًا، ثم قال:
“أنا؟ ما أغير. لأن حتى وإن خذلتك بلدك، تظل أنت ابنها… بس لو ولدت في بلد ثاني، كنت أتمنى يكونفيه كرامة المواطن ما تكون ملف تفاوض.”
سكتوا لحظة. وفي النهاية يبقى السؤال !!….. من هو الأكثر حظًا منهم؟
ربما لا أحد قالها بصوتٍ عالٍ، لكن العيون التقت بنظرة اعتراف صامتة…
المحظوظ؟ هو من وُلد في بلد تحترم فيه الدولة عقل مواطنها، وتصغي لحلمه، قبل أن تسأله عن ولائه.
وهذا البلد… قد لا يكون مكان الولادة، بل المكان الذي يصبح فيه الإنسان، إنسانًا كامل الحقوق.
المدينة الثانية
مرّت سنة كاملة على اللقاء الأول في بهو الفندق الباريسي، لكنها سنة لم تمرّ مرور الغريب. من أولأسبوع بعد ذلك اللقاء، بدأت المحادثات تشتعل على مجموعة “الواتساب” التي أنشأها سعود وسماهاعلى سبيل المزاح:
“النزلاء الخمسة”
والتي تحوّلت مع الوقت إلى مجلسٍ مصغّر، يناقش السياسة، الاقتصاد، الأفلام، ويشارك النكات الخفيفةوالثقيلة، والصور من المطار قبل الإقلاع، وبعد الهبوط.
بدر الكويتي كان دوماً يكتب لهم:
“ترى أنا جاهز… متى نسوي الجولة الثانية؟”
خالد القطري اقترح:
“أقول خلوها في دبي، نص الطريق، وفندق فيه قعدة وسعة صدر.”
محمد الإماراتي أمّن الترتيبات، وأرسل لهم دعوات بالحجز، مرفقة بابتسامة رقمية:
“بس تعالوا… الكرم عليّ، وباقي التفاصيل نرتبها على القعدة.”
هاشم العراقي، كتب ممازحًا:
“بس اتفقوا على عملة… ترى أنا بعدني أحسب بالدينار.”
وفي يوم اللقاء المحدد…
اجتمع الخمسة في فندق جميرا بيتش. العناق أطول، والضحك أعمق، والعيون تحمل شيئًا من الصدقالنادر في لقاءات الرجال:
الحنين إلى صحبة يفهمها القلب، قبل العقل.
الطاولة هذه المرة كانت في تراس يُطلّ على برج العرب، والحديث بدأ بأناقة السفر، ثم تسلل كعادته إلىالسياسة.
محمد، وهو يسكب الشاي:
“سنة طويلة… بس الإمارات تتغير بسرعة. التعليم صار أكثر تطورًا، التكنولوجيا بكل مكان، حتى الأطفاليتعلمون بالذكاء الاصطناعي.”
سعود علّق:
“وإحنا في السعودية صاير تغيير جذري… هيئة الترفيه، المواسم، المشاريع، بس بعدنا نحاول نحل أزمةالسكن… تدري، الشقة تحوّلت إلى حلم فخم!”
خالد قال وهو يقلب هاتفه:
“قطر بعد كأس العالم؟ صارت أشبه بمدينة عالمية… بس المشكلة في المجتمع، مو الحكومة. في ناسبعدهم مو جاهزين للعالمية.”
بدر تنهد وهو يرفع حاجبه:
“الكويت؟ نعيش بديمقراطية فيها حرية، لكن الحرية لما ما يقابلها إنجاز، تصير ثرثرة. نفس الملفات منسنين ما تغيرت، بس الصوت عالٍ.”
هاشم ابتسم:
“أما العراق… فإحنا بدينا نحسّ إنو نحلم أكثر مما نعيش. الحكومة تحاول، والشعب يتألم. التعليمتعبان، الصحة تعبانة، بس الناس بعدها تحب وطنها وكأنه أمهم الوحيدة.”
سعود سأله:
“طيب والمواطن العراقي؟ شقد يصرف باليوم؟”
هاشم ضحك بمرارة خفيفة:
“يعتمد، إذا كان مواطن بسيط، يمكن دولارين… وإذا كان حرامي؟ ماكو حد أعلى.”
الجميع ضحك، لكن الضحكة هذه المرة كانت بطعم الملح.
محمد قال بفضول:
“كل واحد منكم، لو قرر يتزوج، شنو تقدم له الدولة؟”
خالد قال:
“في قطر، الدولة تدعم، تعطي أرض وقرض، وأحيانا بيت جاهز… بس الزواج نفسه صاير مشروع خاسرعند البعض!”
بدر:
“في الكويت نعتمد على الحكومة في كل شي، حتى الزواج… بس الواقع؟ الواسطات تلعب دور.”
سعود:
“إحنا عندنا برامج دعم، بس غلاء المعيشة صار وحش، والراتب ما يلحق.”
محمد قال بثقة:
“في الإمارات، الدعم موجود، السكن، القروض، لكن إذا الشخص نايم… ما تنفعه كل القوانين.”
هاشم هزّ رأسه:
“في العراق… الزواج مثل افتتاح شركة. تخطيط، مخاطرة، وممكن إفلاس مبكر.”
ضحكوا مرة أخرى.
وفي لحظة صمتٍ، قال بدر:
“السؤال اللي طرحناه أول مرة… يتكرر: لو كنتَ تختار تُولد من جديد، وين تختار؟”
خالد:
“أنا أختار قطر… بس أتمنى نربي أجيال تعرف ليش قطر متميزة، مش بس تعيش فيها.”
سعود:
“أختار السعودية… وأتمنى نصل لمرحلة المواطن ما يحتاج يشرح مشاكله، لأن الدولة تعرفها وتشتغلعليها مسبقًا.”
محمد:
“أنا أختار الإمارات… بس أطمح نشوف مواطن الإماراتي يصنع فكر، مش بس يتلقى خدمات.”
بدر:
“أختار الكويت… مع أنها مزاجية، بس أعيش فيها وأنا حرّ.”
هاشم قال، وهو يضع يده على قلبه:
“أما أنا، فأبقى أختار العراق… رغم الألم، بس ماكو بلد يُعلّمك تصير شاعر بالحياة مثل العراق.”
ساد صمتٌ… صادق.
وفي النهاية، قال خالد:
“المحظوظ؟ هو اللي يعيش في دولة تعامله كمواطن، مو كرقم… وتخليه يشعر إنه مهم، حتى لو ما كانغني.”
محمد أضاف:
“والأكثر حظًا؟ هو اللي تقدر دولته تحميه… حتى من نفسه.”
بدر ختم:
“يعني باختصار؟ الحظ مو بس في الجنسية… الحظ في وجود نظام يحترم الإنسان.”
المدينة الثالثة
اللقاء الثالث هذه المرة كان في عمّان، قلب الشام الهادئ… والمخضرم.
عمّان… تلك المدينة التي لا تملك الغاز ولا النفط… لكنها تملك شيئًا يشبه الحكمة القديمة. بلد فقيربالموارد، غنيّ بالذكاء السياسي. كلما اشتعل الشرق، تراجعت عمّان خطوة… ثم فتحت النافذة فقطلتشتمّ اتجاه الريح.
في مقهى فوق جبل اللويبدة في عمّان اجتمع الخمسة بعد عام من اللقاء الثاني
والسبب دعوة من بدر الذي كان يحضر ندوة سياسية، واقترح لقاء الأصدقاء مجددًا …. كان صوت الآذانيعلو من بعيد، يمتزج مع أغنية فيروز في المقهى، وكأن المكان يتقن المزج بين الدعاء والحنين.)
بدر (يتنفس بعمق): “تعرفون شنو سر الأردن؟ دايمًا يوقف على الحافة… بس ما يقع. مثل لاعب سيركمخضرم، ما عنده حبل أمان، بس خطواته ثابتة.”
سعود (ينظر للسماء): “بالعقل… الأردن دولة كان ممكن تنهار عشر مرات، بس دايمًا ترجع توقف. لاعندهم طمع، ولا اندفاع… عندهم فن البقاء.”
محمد: “يمكن لأنهم ما يدخلون بأي ملف إلا بحساب. لا يلعبون دور أكبر من وزنهم، بس دايمًاحضورهم يحترم.”
خالد:
“أنا أشوف إنهم اخترعوا فن اسمه ’الدبلوماسية بالصبر‘. يخلّون الكل يتكلم، وهم يسجلون النقاط.”
هاشم (ينظر للمدينة):
“الأردن مثل الرجل الكبير اللي فقد أشياء كثيرة، بس حافظ على كرامته. ما صار غني، بس ظل محترم.”
بدر (بابتسامة خفيفة):
“والدليل؟ انظروا إلينا… خمسة من خمس دول جايين لهنا، لأن المكان يعطيك إحساس إنك مش لازمتصرخ حتى يسمعونك.”
سعود:
“والصمت هنا مش علامة استسلام، بل علامة تأمل.”
خالد:
“أكثر شي أحترمه… إنهم يعرفون يقولون ’لا‘ حتى لو تحت الضغط. بدون ما يصيروا أعداء لأحد.”
محمد:
“وهذا درس لكلنا… كيف تكون مؤثر بدون ما تكون متصدر. كيف تنجو بدون ما تخون مبادئك.”
هاشم (بهدوء):
“بس السؤال… هل هذا النموذج ينجح فقط لما تكون صغير؟ هل ممكن بلد أكبر يتعلم نفس الفن؟”
بدر:
“يمكن مش عن الحجم. يمكن عن النية. لما تبني سياسة مثل ما تبني بيتك… مش مثل ما تراهن علىبورصة.”
(تمر لحظة صمت. تأتي النادلة بالقهوة. تضع الفناجين بخفة، وتختفي.)
محمد : “اللقاء الجاي؟”
خالد: “بيروت؟”
هاشم (يبتسم أخيرًا): “آه… بيروت. المدينة اللي علمتنا إن الجمال ما يعني الأمان… لكن يستحقالمحاولة.”
المدينة الرابعة
اللقاء الرابع في بيروت في فندق “فينيسيا.
تزامن هذا اللقاء مع ذروة التوتر الأميركي الإيراني، بعد إرسال ترامب لحاملات الطائرات وقصفه مواقع فياليمن.
(تُفتح الجلسة على صوت ماجدة الرومي من الراديو، والبحر يهدر من بعيد، بينما جلس الأصدقاء في ركنخاص مطل على البحر)
بدر (يرفع كوب العصير):
“ترامب ما جاب البوارج حتى يلعب شطرنج… الريّال ناوي يضرب.”
محمد (بهدوء يضبط عقاله): “هو ما يضرب عشوائي. يرفع الضغط للنهاية، ثم يفتح باب الصفقة. هذاهو فن الابتزاز الأميركي.”
هاشم (يبتسم وهو يقلب جريدة لبنانية):
“أنا أقول مستحيل تصير حرب. إيران تعرف متى ترجع للوراء، وترامب يعرف متى يتظاهر بالهجوم.”
خالد: “الضربة جاية، بس مو شاملة. ضربة تكتيكية تستهدف منشآت دقيقة. عشان يوريهم إن ما في شيخارج الحسابات الأميركية.”
سعود (يميل للأمام): “يا جماعة، إيران تعرف إن الحرب خاسرة، وترامب ما يحتاج يدخل مستنقع جديدقبل انتخابات. اللعبة ضغط اقتصادي، مش غزو بري.”
بدر (ضاحكًا): “بس تدري، اللي يخوفني مو الحرب… بل إن ما يصير شي! الضغط بلا تفجير ممكن يخليإيران تعمل شي متهور، وساعتها كلنا نغرق.”
محمد: “منظور استراتيجي، إذا أميركا ضربت، فمعناها توصل رسالة للصين وروسيا… مش لإيران بس.”
هاشم: “بس إيران مش العراق… وإذا صار هجوم، فالحرس الثوري ما راح يتفرج. الخليج أولالمتضررين، والعراق أول ساحات الرد.”
خالد (وهو يعدّل نظارته): “صدقوني، الضربة محسوبة. مو لحرب، بل لتعديل السلوك. مثل ما يقولخبراء وادي السيليكون: reset، مو delete.”
سعود: “وإذا ما صارت الحرب؟ شنو رأيكم نراهن؟”
بدر (يمد يده): “أنا ويا محمد وخالد… نقول الضربة قادمة.”
هاشم (يرد بابتسامة عراقية خبيثة):
“وأنا ويا سعود… نقول لا حرب. بس إذا خسرنا؟ نشتريلكم عشاء بحري في الروشة.”
محمد (ساخرًا):
“وإذا إحنا خسرنا؟ نودّيكم على حسابنا في جولة سياسية في طهران… إذا بقت طهران!”
(يضحكون جميعًا. النادل يمرّ مبتسمًا وهو يسمع الكلمات الكبيرة التي تطلق بهدوء وأناقة من هذهالطاولة العربية المصغّرة.)
هاشم (يهمس وهو ينظر للبحر):
“بيروت تعرف الحرب… لكننا، نحن العرب، ما زلنا نتعلم كيف نتكلم عن الحرب… قبل أن تندلع.”
المدينة الخامسة
اللقاء الخامس للأصدقاء الخمسة كان
لقاء بنكهة “الرهان المسدّد”… لكن بطعم مفاجآت السياسة.
المكان في طهران … خريف هادئ بشكل مريب …. بعد شهور من ذروة التهديد العسكري الأميركي – الإيراني
وسبب اللقاء هو الاحتفال بربح الرهان من قبل هاشم و سعود … وزيارة طهران “الجديدة”
اجتمع النزلاء الخمسة في صالة استقبال فندق إسپيناس بالاس في طهران …. المدينة تبدو نظيفة،مرتبة، لكن وجوه الناس فيها كأنها تتجنب النظر في العيون!!.
سعود (مبتسمًا وهو يتأمل المدينة من النافذة):
“قلتلكم… إيران تعرف كيف ترفع السقف، ثم تنزل منه بدون ما تطيح.”
هاشم (يرتشف الشاي الإيراني):
“اللي شاف المنطقة من الداخل، يعرف إن الحرب ما تصير بسهولة. ترامب أراد إذلال، لا تفجير.”
بدر (يضحك وهو ينظر للقائمة):
“بس مش كل إذلال بدون قصف. شوفوا المفاعلات، توقّفت. الاتفاقيات أُعيدت، والتفتيش مفتوح لحدما يدخلون غرف النوم!”
محمد (بهدوء):
“لكن شوفوا كيف إيران لبّست الخضوع بعباءة ’الصمود التكتيكي‘. قدّمت تنازلات… لكنها سمّتها ’مرونةبطولية‘.”
خالد (يفتح جهازه اللوحي):
“حتى الإنترنت هنا… رجع محدود. خوف، مراقبة، وكأن النظام رجع خطوة للوراء. لكن في شيء ثاني…”
هاشم: “وشو؟”
خالد (يرفع حاجبه): “المخابرات الأميركية ما ضغطت لإسقاط النظام… ليش؟ لأنهم ما يبغون بديل! يبغون إيران مرهقة، مو منهارة.”
بدر: “إيران اليوم مثل لاعب شطرنج خسر الملك… بس يحاول يكمل بالوزراء والحصان. خضعت، بس ماانكسرت علنًا.”
سعود (ينظر للشباب في المقهى):
“شوفوا العيون… فيها وجع، بس ما فيها استسلام. الشعب هو الخاسر الأكبر، مش النظام.”
محمد: “أنا ما زلت أقول، لو كان الضغط أكثر، لكان الرد أعنف. لكن حتى ترامب… عرف متى يتوقف، وأخذما يريد على الطاولة.”
هاشم (يبتسم بخبث):
“والرهان؟ منو ربح؟”
بدر (يضحك): “أنتم ربحتم يا سادة… بس سمّوا هاللي صار ’لا حرب‘؟ أنا أقول صارت حرب… بس مننوع ثاني.”
خالد (وهو يغلق الجهاز): “حرب بدون صواريخ… لكنها دمّرت الطموح النووي، وشلّت الاقتصاد، وخلّتإيران دولة مراقَبة أكثر من أي وقت.”
محمد: “الحيلة؟ أن أميركا ما احتاجت تقصف… صنعت سيناريو جعل الإيراني هو من يفتح الباب.”
سعود: “وتعلمنا شيء مهم: اللي يصرخ أكثر… مو دايم هو الأقوى. أحيانًا الصمت هو اللي يربك الخصم.”
(يسود الصمت لحظة. النادل يقدم لهم طبقًا من “قرمه سبزي” و”زيرشك بولو”. الطعام لذيذ… لكنالطعم فيه مرارة غير مفهومة.)
هاشم (بصوت منخفض):
“زرت إيران قبل 10 سنين… كانت مختلفة. أكثر تحدّي، أكثر حياة. اليوم؟ أشوف دولة تعرف إنهاخضعت… لكنها ما تبغى تعترف.”
بدر (يهمس):
“والنظام؟ مثل لاعب بوكر خسر اللعبة… بس يحاول يضحك حتى ما ينفضح وجهه.”
خاتمة اللقاء الخامس:
طهران بدت هادئة، لكنها هدوء ما بعد الجراحة… الجرح لم ينزف، لكنه لم يُشفى.
الأصدقاء عادوا لبلدانهم، ومعهم قناعة أن الحرب ليست فقط في السماء… بل في اقتصاد الشعوب،وفي عقول الشباب، وفي مستقبل المنطقة.
لكن صوت خافت بقي يهمس في أذنهم: “الضربة التي لا تأتي… قد تكون أخطر من التي تأتي.”
يقوم خالد بالتقاط صورة للجميع وهو يقول: “هذه آخر ليلة لنا في طهران… من يدري متى نعود؟”
في هذه اللحظة فُتح باب الفندق الرئيسي ، ودخل رجل … ضخم الجثة، كث اللحية، يلبس الزي الأفغانيالتقليدي بلونه البني المترب، عمامته مائلة، ونظراته شاردة كأنه تائه… أو يتظاهر بذلك.
توقّف الجميع لثوانٍ. العيون انتبهت لا إراديًا… حركة غير مألوفة. خطوات غير متناسقة. عرق يتصببرغم برودة المكان.
صرخ فجأة بلغة غير مفهومة تمامًا… لكنها حملت ثلاث كلمات واضحة: “الله أكبر… الله أكبر… اللهأكبر…”
هاشم وقف أولًا.
بدر شهق.
خالد قال بخوف: “في شي غلط…”
سعود تحرك ببطء، يدفع محمد خلف العمود الرخامي.
محمد همس: “انبطحوا…”
حارس الأمن شَهَق من خلف المنصة، رفع مسدسه، وأطلق النار — رصاصة واحدة أصابت الكتف… لكناليد الأخرى للرجل كانت تضغط الزر.
لحظة مجمدة معلقة ، ثم — انفجار هائل.
كأن صاروخ توماهوك نزل من السماء، لا من الحزام الناسف.
الجدران تقشعت، الزجاج انصهر، النوافذ قُذفت إلى الخارج.
النار اندلعت بسرعة جنونية، تلتهم كل شيء ، صراخ، لهب، دخان، انهيار، وهروب.
الفندق تحوّل إلى هيكل مشتعل.
صورة المدينة الحديثة التي استقبلت السياسيين والمفاوضات، أصبحت فجأة شاهدة على الجنونالكامن في كل ركن من الشرق الأوسط.
وفي الخبر العاجل على الفضائيات: انفجار ضخم يهز فندقاً في شمال طهران. أنباء عن عشراتالضحايا… خمسة رجال عرب كانوا من بين القتلى. كانوا يجتمعون في صالة الفندق وقت الانفجار. لمتعلن أي جهة مسؤوليتها بعد.
هكذا انتهت حكاية الأصدقاء الخمسة.
لم يكتب أحد عنهم في الصحف. لم يذكرهم التاريخ… لكنهم، في لقاءاتهم، فهموا اللعبة… ناقشواالأسئلة الصعبة… ضحكوا، تشاجروا، راهنوا… وعاشوا كمواطنين يحاولون أن يفهموا شرقًا لا يفهم نفسه.
وها هو الشرق، كعادته، يبتلع أبناءه. حتى أذكى من فهموه.
اضع بعض القطرات لاكل القطرات يستحيل علينا في البداية نشكر المنبر الدي لايضع أيا كان على ظهره فهو يدخل حديقة الفن الكبرى أي الواسعة من الداخل فيختار المتميز عن جدارة سواء كان بلغة الشعر أو بلغة التشكيل او بلغة الرواية او بلغة القصة او بلغة المسرح او بلغة السينما او بلغة التاريخ او بلغة الرياضة فهي من الفن او بلغة الموسيقى نعم القصة تختلف أختلافا كبيرا عن بين قوسين الرواية فاكلاهما له أساليبه وكدالك قواعده وكلاهما يجر لعالمه وكلاهما يعمل من أجل شعبية واسعة وكلاهما كدالك عرف وجوها متميزة والجنس الثاني تفننوا في رسم الصور بلغتهما ان صح التعبير فنحن من ماء الضعف لانسلم من الخطأ ولانسلم من النسيان مهما حاولنا وكيف ماكان مستوانا العلمي والمعرفي وكما هو معروف عند الجميع ان المسرح كأب لكل الفنون أخد من القصة وكدالك الرواية الصور التي يرى أنها صالحة لأن تكون على ظهر خشبته وكدالك السينما الصالحة لأن تكون صالحة لشاشتها الكبرى والصغرى كدالك أي التلفزيون بين قوسين القصة التي لاتجرك الى عالمها ضعيفة وكدالك الرواية لازالت لنا بعض القطرات فنحن ولافخر نستخدم أسلوب بعيد عن لغة التعقيد لايجد القارئ المحترم حيت ما وجد صعوبة في قراءتها شكرا ثانية