عن القطيعة الحضارية / محمد عبد الجبار الشبوط

عن القطيعة الحضارية / محمد عبد الجبار الشبوط

محمد عبد الجبار الشبوط

من الناحية الحضارية، لم يخطيء الدستور العراقي حين اقر بالجمع بين الإسلام والديمقراطية في سياقدستوري واحد حين قال في مادته الثانية: “لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلامولايجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية“. (مع انني لا اقبل عبارةاحكام الاسلامبالمطلقلتفصيل ليس محله هذا المقال).

قلت: منالناحية الحضاريةلأنني لا ابحث الموضوع من الناحية السياسية، وانما من الناحيةالحضارية. وعلى اساس هذا المنطلق اقبل القول بوجود سمات حضارية خاصة لبعض المجتمعات،وثمة ثلاثة امثلة صارخة في هذا المجال هي: المجتمع الصيني، والمجتمع الاميركي، وبالطبع المجتمعالعراقي. في مثل هذه المجتمعات لا يمكن فصل الهوية الحضارية للمجتمع عن الكيان الدستوري للدولةالمعاصرة. المفكرون الكبار في المجتمع الصيني والمجتمع الاميركي يدركون ذلك، ومن المؤمل ان يدركالمفكرون في المجتمع العراقي ذلك.

على المستوى الصيني كتب الباحث الصيني زهانك وي وي في كتابه The China Wave (٢٠١٢): “إنالصين، كدولة حضارية، قديمة وفتية في آن، تقليدية وحديثة، صينية ودولية. يمكن استخلاص ما لا يقلعن ثماني سمات من الدولة الحضارية للصين، وهذه السمات هي (1) عدد كبير جدًا من السكان، (2) منطقة شاسعة للغاية، (3) تقاليد طويلة جدًا، (4) دولة فائقة الاتساع. ثقافة غنية، (5) لغة فريدة، (6) سياسة فريدة، (7) مجتمع فريد، و(8) اقتصاد فريد، أو ببساطةالأربعة الفائقةوالأربعة الفريدة،وكل منها يجمع عناصر الحضارة الصينية القديمة والدولة الحديثة الجديدة.”

ومع ان مترجم الكتاب الى اللغة الانكليزية استخدم مصطلح civilizational state, الا ان بعض الكتابيستخدم مصطلح civilization-state الذي سيقابل مصلح nation-state او city-state. والنتيجةواحدة وهي، باللغة العربية، ان الصين دولة حضارة حضارية في هويتها التاريخية وفي تواصلها مععصرها الراهن.

وعلى المستوى الاميركي، كتب الباحث الاميركي صامويل هنتنغتون في مقاله الشهيرصدام الحضاراتفي العدد ٣ / ٧٣ من مجلة Foreign Affairs الذي ذكر فيه انالحضارات تتميز عن بعضها البعضبالتاريخ واللغات والثقافة والتقاليد والأهم بالدين، عددالأفكار الغربية وهي،:الليبرالية، الدستورية،حقوق الإنسان، المساواة، الحرية، سيادة القانون، الديمقراطية، السوق الحرة، الفصل بين الكنيسةوالدولةويمكن ان نضيف اليها:  المسيحيةاليهودية، استنادا الى مجمل كتاباته.

هنا لا تشتغلالقطيعةبمعناها المطلق، فقد يمكن الحديث عن القطيعة العلمية والمعرفية، كما فعلباشلار، لنحقق القطيعة العلمية مع القول بان الارض مسطحة، او ان الارض مركز الكون، لنأخذ بالكشفالعلمي الذي اطلقه كوبرنيكوس (١٤٧٣١٥٤٣)، او بوجود الهة للحرب وللحب وللمطر الخ كما تقولالاساطير السومرية والاغريقية،  مثلا.

لا تصح القطيعة الحضارية بالمعنى العام لانالحضارةكل متصل او “cultural entity” ينتقل من جيلالى جيل، ويتطور مع مرور الزمن، ولا ينقطع مع نفسه بالمطلق، ولا ينقطع مع عصره بالمطلق. ولا يفرضهذا المتصل الحضاري التواصل مع عصره، ولهذا تتطور الحضارات بمرور الزمن، تأثرا بالتطورات التييحملها الزمن المعاصر. ومع تقدم تكنولوجيا المعلومات اصبح التواصل الحضاري ظاهرة عالمية، وهوالامر الذي يسمح بالتنبوء بالمستقبل الحضاري للبشرية.

(Visited 24 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *