بقلم نزهة عزيزي إعلامية من فرنسا.
أثبت علم النفس أن علاقة الام والاب بأولادهم علاقات بنيوية تكوينية .لا يختلف العقلاء في أن الاسرة هي الحاضنة الأولى لشخصية الطفل. إلا أن شخصيته تتاثر بشكل كبير بالأم بما انها هي من تحمله وهن على وهن وتغذيه من حبلها الصري. فلامومة غريزة فطرية والابوة مكتسبة. وبما أن الام هي الأساس وتقع على عاتقها مسؤولية التربية فهي تأثر على إبنها قبل وبعد بلوغه.
المشكلة في مجتمعاتنا الشرقية هو التربية الذكورية التي تكرس الام جل حياتها في تلقينها لطفلها سواء كان ذكرا أم أنثى. فتجد الولد يبحث عن أمرأة تشبه أمه في النساء لأنها هي مثاله الانثوي الأول والبنت تبحث عن رجل يشبه أباها لانه الصورة المثالية للذكر. هذا لا يعني أن الام بالغرب لا تفعل نفس الشيء لكن أثر المدرسة والمحيط وتكافىء الذكور بالاناث يخفف من حدة الذكورية عند الرجال. فيحترم الذكر الأنثى في البيت والمدرسة وفي الحياة اليومية بصفة عامة لأنها لا تقل عنه في الحقوق والواجبات.نأتي للمرأة العربية عندما تربي إبنها وتحشو رأسه بأنه أعلى شأن من أخته ، لأنها أنثى عليها خدمته وطاعته. لذلك يصعب على الرجل العربي لما يحب إمرأة غربية أن يستوعب أنها لم تخلق لخدمته بل هي شريكته في كل شيء وهو لم يتعود على الشراكة لانه لا يستوعبها، لأنها تقتصر على المفهوم الغلط للقوامة التي حشى رأسه بها الخطاب الديني والمجتمع. والتي مفادها أنه “سي السيد” الكلمة كلمته والقرار قراره هو من يقرر مايصلح للاسرة ولزوجته أو زوجاته اذا كان معدد.رغم أن القوامة في ديننا الحنيف مفهوم يضع أسس للاسرة وهي قدرة الرجل على تحمل أعباء الاسرة المادية من توفير المسكن والملبس فهو خادم هذا الصرح المقدس والقيم عليه. إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي عاشها و يعيشها العالم والتي أرغمت النساء على العمل خلطت الأدوار فأصبحت بعض النساء يغالون في إستقلالهم المادي لدرجة التفكك الاسري. هذا لا يعني أن المرأة التي تعمل إمرأة متعجرفة بل بالعكس فهي منهكة لأنها تعمل داخل وخارج البيت فهي مستنزفة الطاقة وأحيانا تضحي بأنوثتها. خصوصا اذا كان عملها مرهق ولا يشبع إحتياجاتها النفسية وتطلعاتها المستقبلية.
لكننا كثيرا مانكتشف اذا إقتربنا من صورة الذكورة التي يشهرها الرجل أنها مجرد واجهة تختفي خلفها أزرار تحكم إمرأة لا يستطيع الافلات من سيطرتها هي أمه وأن كل سلوكاته مقترنة بما لقنته هذه الأم. وبما أن الكثير من الأمهات العربيات يعشن بقناعة راسخة أن أبنائهن ملك لهن فإنهن يساهمن في كل القرارات الغير مستقلة التي يتخدها ابنائهن وخصوصا الذكور. ومازال المجتمع الذكوري يعزز في المرأة أن ولادتها لذكر هي مكانة إجتماعية وإمتياز و سلطة او بالاحرى السلطة التى حرمت منها كإمراة تمتد عبر ذكرها الذي يمجده المحيط “إبنها”. فهي تتحكم فيه لا شعوريا حتى لو أوهمته بإستقلاليته. فكل أنثى تحاول أن تدخل حياته وهذا شيء طبيعي، ستعلمها الام حدودها فهي في الاخير تنافسها في قلبه وعقله وحياته. فتبدأ بتشغيل أجهزة التحكم عن بعد التي أفنت عمرها في وضعها وترتيبها. منذ ولادته فكيف تأتي هذه الغريبة لتسرقه منها بإسم الحب.
ومن هنا تبدأ معاناة النساء مع الحموات ولما نبحث في لاشعور الام سنجد إمرأة لم تشبع عاطفيا من خلال شريك حياتها فتملأه بإفراط في حب الاولاد إلى درجة الامتلاك وهي لا تعي بأنها تخل بشخصيتهم وتتحكم في حياتهم وتنتظر دائما منهم رد الجميل بالتذكير المستمر بتضحياتها وحرمانها لإعطائهم حياة أفضل.وتتحول في بعض الأحيان إلى أم سامة نرجسية علاقتها بأبنائها علاقة غير سوية. فيعيش الرجل في صراع مقيت كيف يرضي زوجته او حبيبته دون أن يغضب أمه ؟ كما أنه يمكن أن يصبح خاضعا كليا لزوجته لانه اصلا لم يستقل أبدا بقراراته ،كانت أمه تقرر في الماضي وأصبحت زوجته تقرر الحاضر وتختفي عباءة “سي السيد” بين مد الام وجزر الزوجة. لكن لا أريد أن أعمم هذه الحالة لان هناك رجال أسوياء أسياد قراراتهم يعرفون كيف يحتفظون بتلك الحدود الشفافة لعلاقاتهم بأمهاتهم وزوجاتهم ويظبطون ميزان الحب بين الكفتين. والمسألة لا تنتهي عنذ تربية الرجل بل حتى في التناقض الذي تربى عليه الاناث فتجد الام تبحث عن إستقلالية زوج إبنها عن أهله وأمه بالذات ضرورة، لكي تبارك إرتباط إبنتها به. يعني “إبني لي وإبن الناس لإبنتي” كل هذه المفاهيم الخاطئة ينتج عنها أشخاص غير أسوياء، فالحياة ليست كيف أسيطر على الآخر حتى بالابتزاز العاطفي وعلى حساب سعادته. بل هي قدرة الام على تعزيز شخصية الطفل في قدرته على إتخاد قراراته بنفسه وأن يتعلم من أخطائه فينضج عاطفيا وفكريا. وتتحرر الام من عقدة اوديب في الاسطورة الاغريقية الذي تزوج من أمه وانجب منها. وتحرر إبنها من النرجسية التي تحرمه من أن يكون إنسانا طبيعيا لا رجلا تخنقه المثالية وادوار البطولة ، والبحث عن الثناء والشكر في كل سلوكاته الاجتماعية التي يثقل كاهله إتقانها على مسرح الحياة.
ماهي إذن النرجسية ؟ أو إضطرابات الشخصية النرجسية (بالإنجليزية: Narcissistic Personality Disorder)، اضطراب يُصيب شريحة واسعة من الناس؛ بحيث يمتلك المصابين بهذه الحالة شعور مبالَغ فيه بأهميتهم يرافقه حاجة ملحة لإبداء الآخرين إعجابهم واهتمامهم بهم، الذين يعانون من هذا الاضطراب يمكن أن يشعروا بسهولة بخيبة الأمل والإحباط عندما لا يحصلون على الثناء والاهتمام الذي يشعرون أنهم يستحقونه. ومن المهم الإشارة إلى أن معظم الناس لا يحبون التعامل مع النرجسيين بسبب شعورهم بأنّهم متعجرفون، مما قد يُسبّب لهم العديد من المشاكل في العمل، والبيت، والعلاقات.
وأعراض العقدة النرجسية تختلف من شخص لآخر حسب مستوى الاضطراب الذي يعاني منه، أما عن الأعراض العامة للأشخاص المصابين بهذه العقدة فهي كالآتي، شعور مبالغ فيه بأهمية الذات. الشعور بالأحقية والحاجة الملحة ليكونوا محط إعجاب واهتمام من قبل الآخرين. صعوبة السيطرة على المشاعر والتصرفات. الشعور بالتفوق، بالرغم من عدم وجود أي إنجازات تستدعي ذلك. توهم القوة والنجاح، والجمال. احتكار الأحاديث، والتقليل من شأن المحيطين واحتقارهم. توقع امتثال الجميع لرغباتهم وطلباتهم. المزاجية والاكتئاب عند البعض بسبب عدم الوصول للكمال. استغلال الآخرين للوصول إلى أهدافهم. التصرف بغطرسة وعجرفة مع الآخرين. امتلاك مشاعر خفية بالضعف، والإهانة، وانعدام الأمان. نفاذ الصبر بسرعة، والإصابة بنوبات الغضب. مشاكل في التكيّف مع التغيرات والتعامل مع الضغوطات. الإصرار على الحصول على أفضل الأشياء في شتى نواحي الحياة. رفض محاولة فهم احتياجات الآخرين ومشاعرهم.
تُعد الاستشارة النفسية طويلة الأمد هي العلاج الأساسي للعقدة النرجسية، إذ يساعد الطبيب النفسي المصابين بهذه العقدة على اكتساب رؤية أعمق للمشكلة وتشخيصها بطريقة صحيحة، والعمل على إجراء بعض التغييرات المتعلقة بما يأتي، تحسين طُرق التواصل مع الآخرين بطريقة إيجابية ومجزية. تنمية الثقة بالنفس بطريقة صحيحة وإيجابية. جعل توقعات المُصاب أكثر واقعية. ومن المهم معرفة أنه في بعض الحالات قد يصف الطبيب للمريض بعض الأدوية.
ومن خلال هذا العرض نرى مدى أهمية تأثير التربية على الشخصية النرجسية التي هي في الاخير شخصية تعاني تحتاج إلى مساعدة ذوي الاختصاص والمرض النفسي ليس عار وعيب بل هو كأي وعكة صحية ممكن أن يتعرض إليها أي شخص المهم ان نكون واعيين بمعايدة الدكتور النفسي وليس دجال يخرج جن عقدنا النفسية بالبخور والتعاويذ.
نزهة عزيزي
17/11/2022