كتب : علاء الخطيب
“الثروة لا تصنع الحضارة ، وإنما تدعمها، فثراء الامم بعقول ابنائها”.
وقد تمايز الامم بثرواتها ، لكنها تتكامل لتشكل مشهداً انسانياً واحداً ، وهذا سر من اسرار الطبيعة ، فكل شعوب العالم تسعى لاستغلال ما لديها من ثروات من اجل التعليم والبناء و الرقي المعرفي .
لكن ما الفرق بين ثروة الامم ، وأمم الثروة؟
سؤال مهم للتميز بين الامم الخلاقة المبدعة وبين الامم الاتكالية المخدرة بالثروة.
فهناك امّم تمتلك الثروة وأخرى تمتلكها الثروة فما الفرق بين الاثنين
كل الشعوب تسعى لاستغلال ما لديها من إمكانات و ثروات من اجل ان تسجل حضوراً انسانيا ً وترتقي الى مرتبة مرموقة بين الامم ، وكلما زاد الوعي باستغلال الثروة وتسخيرها لصالح الناس زادت معه طرق الافادة منها ، وعدالة توزيعها والعكس صحيح .
حضارة أي شعب تُقاس بماضيه وتراثه وأعلامه، من علماء وأدباء وشعراء ورجال فكر وثقافة وفن، وممن ضحوا بأرواحهم ودمائهم في سبيل حرية الأوطان، وليس بما يملك من ثروات باطنية وذهب ومال، ٍفثراء الأمم كما يقول ريتشارد هوفي “ليس في قطنها أو حريرها أو ذهبها، إنما هو في رجالها” لذا لا غرابة في أن يسارع الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية لترحيل علمائه وأدبائه وشعرائه إلى منطقة سيبيريا النائية شرقاً خوفاً من إلحاق الأذى بهم أو وقوعهم في أيدي الأعداء.
وواقع الحال فإن الدول العظيمة تُقدِّس عظماءها على الدوام كي يبقوا أحياءً في ذاكرة الشعب ووجدانه ، لذلك نقرأ على واجهة البرلمان الفرنسي في باريس كلمات نُقشت منذ عام ١٧٩١ “الوطن مديناً بالعرفان للرجال العظماء” تروي زوجة الفقيه القانوني الفرنسي “مونتسكيو” بأنها حضرت يوماً لمكتب ” نابليون” ، وعندما قالت عن زوجها: لقد كان مواطناً صالحاً، هزّ نابليون كتفيه وأجابها “لا يا سيدتي لا، إنما كان رجلاً عظيماً”.
هذا في الدول العظيمة، أما في بلدنا فان الحال مختلف بعد أن بُذلت وتُبذل محاولات كبيرة لاقتلاع جذور هذه الشعوب، عبر محاولات التلاعب بحروف تاريخها الذهبي الذي كتب بدماء أبنائها، وذلك بهدف السطو على أمجاد هذه الأمة وبطولات رجالاتها العظام، ممن حفل بهم تاريخنا الماضي والحاضر، من خلال خطط مبرمجة وممنهجة بحيث تصبح معها هذه الأوطان وتاريخها صنيعة السلطات القائمة.
ولتحقيق ذلك كان لا بد من رفع شأن بعض وضيعي النفوس من طلاّب الجاه وعديمي المواهب، ممن لهثوا وراء السلطة والمال، والذين أُغدقت عليهم شتى أنواع الأوسمة والنياشين، فكانت البعثات التعليمية المستندة إلى الطائفية والحزبية والواسطة والمحسوبية، وكانت الشهادات العالية المشوّهة التي حلّت بأعلى مناصب الدولة، فكانت الحلقة الضيقة التي تراكمت لديها السلطة والثروة والمال، كل ذلك كان على حساب شرفاء الوطن وعظمائه وقاماته الذين لم يسلموا من شتى أنواع الملاحقات وحملات الاضطهاد والاغتيال والتهميش.
فالمجتمعات المتحضرة تعتبر البشر ثروتها الحقيقية، لذا تسخر كل الامكانات لهم ، فثروة الامم لا يمكن ان تدار الا عبر العقول النيرة التي تستثمر الثروة في خدمة المجتمع .
وما من امة متحضرة إلا وكان الانسان لديها هو الغاية ، فكل الثروات تزول عدا ثروة العقول ، لكن بالمقابل هناك أمم تمتلك من الثروات العظيمة فتسخرها للقتل والاضطهاد والظلم ، هذه أمم الثروة التي لا تعرف قيمة الثروة الحقيقية ، فجل اهتمامها ينصب على الملذات وبناء المجد الشخصي للحكام . فالعراق على سبيل المثال قد حباه الله بثروات عظيمة لكنه ابتلي في الوقت ذاته بعقول متخلفة ادخرت كل هذه الثروة للحروب والتناحر والنزاعات .
فقد أنفق العراق في الحرب العراقية الايرانية ومشروع المفاعل النووي ما يقارب الـ 600 مليار دولار أي يعادل 6 تريليون دولار في هذه الايام ، وبعد ذلك بددت ثرواتها في الطائفية وعداوة الجيران والحروب العبثية ، ماذا حصل العراق من كل هذه العبثية ، لا شيء سوى تمجيد البطولة الفارغة واستساغة لون الدم ورائحة العداوة. .
لم نلتفت الى التنمية البشرية ولم نهتم بالطفولة ولم نستطع بناء وإعمار حياتنا . بل ساهمت ثروتنا بالدمار والتخلف
اننا حقاً أمم الثروة المهدورة ، أمم الثروة التي نسمع عنها ولا نراها ، الثروة التي أصبحت نقمة علينا ، أمم الثروة التي سخرناها للحروب والنزاعات واهدرناها في تفاهات النزعات المريضة ، ومازلنا نكابر ولا نريد ان نتعلم او نعترف بـ فشلنا ، نقدس الاشخاص ونعبد المال كما نعبد الآلهة .
فـ ثروتنا تكمن في الفراغ وثروات الامم تكمن بالإنسان وتعليمه وأمنه واستقراره ورفاهيته ثروتنا لأشخاص وثروة الامم للشعوب ، ثروتنا للعبودية وثروة الامم للحرية ، ثروتنا للجهل وثروة الامم للعلم، ثروة الامم للمنافسة وثروتنا للتغالب . ثروة الامم للأخلاق وثروتنا لعدمها لذا يقول سمث لا إقتصاد دون منافسة ، ولا منافسة حقيقية دون أخلاق وبالتالي لا يوجد اقتصاد حقيقي دون أخلاق ،
لكننا للاسف رفعنا شعار لا تدعه يعمل ولا تدعه يمر .