-1-
التاريخ – للاسف – كُتب لِصالحِ الحكّام ولم تُتوخَ فيه الحقائق .
-2-
والفرق بَيْنَ الموت والقتل كبيرٌ للغاية، ذلك أنَّ الموت هو النهاية الطبيعية لكل انسان حيث قال تعالى :
( كلُّ مَنْ عليها فان )
الرحمن / 26
ولكنَّ القتل هو إزهاق الروح، وأين هذا من ذاك ؟
-3 –
ومَنْ قُتل بسيف الطغيان والاستبداد لا يصح أبدا أنْ نقول في ترجمته انّه مات سنة كذا
ولابُدَّ مِنْ تثبيت مصرعه على يَد الطاغيةِ الذي أمر بقتله .
وهذا مالم يَصْنَعْه الزمخشري حين ذكر سعيد بن جبير (رض)
قال :
كان سعيد بن جبير يسمى جهبذ العلماء ، مات وما على الارض أحدٌ الاّ وهو محتاجٌ الى عِلمِه ”
ربيع الأبرار / ج1 /468
وسعيد بن جبير لم يمت حتف أنفه وانما قتله الحجاج بن يوسف وانتهك في قتله الحُرمات .
-4-
قال ابن خلكان :
” قُتل في شعبان سنة 95 أو 94 بواسط وله 49 سنة ”
وبهذا يتجلى الفرق بَيْنَهُ وبَيْن الزمخشري .
-5-
سعيد بن جبير هو أحد أعلام التابعين، وهو من أصحاب الامام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) .
-6-
وحفظ لنا التاريخ ما دار بَيْنَهُ وبَيْنَ الحجّاج بن يوسف الثقفي حيث أَمَرَ بالقاء القبض عليه واقتيد اليه فقال له :
ما أسمُكَ ؟
قال :
انا سعيد بن جُبير
قال :
بل أنتَ شقيّ بن كُسير .
قال :
بل كانت أمي أعلم باسمي منك .
قال :
شقيتْ امُّك وشَقيتَ أنت
قال :
الغيبُ يعلمُه غيرك .
قال :
لأُبدَلنّكَ بالدنيا ناراً تلظى
قال :
لو علمتُ أنَّ ذلك بيدك لا تخذتُكَ إلها
قال فما قولك في محمد ؟
قال :
نبيُّ الرحمة وإمامُ الهدى .
قال :
فما قولك في عليٍّ أهو في الجنة أو هو في النار ؟
قال :
لو دخلتها وعرفت من فيها عرفت أهلها
قال :
فما قولك في الخلفاء ؟
قال :
لستُ عليهم بوكيل .
قال :
فأيهم أعجب اليك ؟
قال :
أرضاهم لخالقي .
قال :
فيهم أرضى للخالق ؟
قال :
عِلْمُ ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهُم
قال :
أُحبُّ أنْ تُصدقني
قال :
إنْ لم أُجبْكَ لن أكذبكَ
قال :
فما بالُكَ لم تضحك ؟
قال :
وكيف يضحكُ مخلوق خُلِقَ من طين والطينُ تأكله النار ؟
قال :
فما بالنا نضحك ؟
قال :
لم تستو القلوب .
ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والزيرجد والياقوت فجمعه بين يديه
فقال سعيد :
إنْ كنت جمعت هذا لتتقي به فزع يوم القيامة فصالِحٌ، والاّ ففزعة واحدة تذهل كل مرضعه عما أرضعت ، ولا خير في شيء جمع للدنيا الاّ ما طاب وزكا .
ثم دعا الحجاج بالعُود والناي فلّما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى سعيد ، فقال :
ما يُبكيكَ هو اللعب ؟
قال سعيد :
هو الحزن
أما النفخ فذكرني يوما عظيماً يوم النفخ في الصُور
أما العود فشجرة قُطعتْ في غيرِ حَقٍّ
أما الأوتار فمن الشاة تبعثُ معها يوم القيامة .
قال الحجّاج :
ويلك يا سعيد
قال :
لا ويلَ لمن زُحزح عن النار وأدخل الجنة
قال الحجاج
اختر يا سعيد أيَّ قُتْلَةٍ نقتلك
قال :
اختر لنفسك يا حجّاج فو الله لا تقتلني قتلةً الاّ قتلك الله مثلها في الآخرة .
قال :
أفتريد أنْ اعفو عنك ؟
قال :
إنْ كان العفو من الله ،
وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر
قال الحجّاج :
اذهبوا به فاقتلوه ،
فلما خرج ضحك ، فَأُخبر الحجّاج بذلك فردّه وقال :
ما أَضْحَكَكَ ؟
قال :
عجبتُ مِنْ جرأتِكَ على الله وحلم الله عليك،
فأمر بالنطع فبسط وقال :
اقتلوه ، فقال سعيد :
وجهتُ وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفاً وما أنا من المشركين
قال :
وجهوا به لغير القبلة
قال سعيد :
فأينما تولوا فثم وجه الله
قال :
كبوه لوجهه
قال سعيد :
منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً اخرى
قال الحجاج :
اذبحوه
قال سعيد :
أما اني اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وأنَّ محمداً عبده ورسوله خذها مني حتى تلقاني يوم القيامة .
ثم قال :
اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي
ولم يطل عمر الحجاج بعد قتله الا 6 أشهر وحين حَضَرَتْهُ الوطأة كان يردد :
مالي ولسعيد بن جبير !
حسين الصدر
Husseinalsadr2011@yahoo.com