واقع افتراضي وتحدي المألوف لتعديل السلوك الفني قراءة تحليلية في العرض المسرحي ( The Home)

واقع افتراضي وتحدي المألوف لتعديل السلوك الفني قراءة تحليلية في العرض المسرحي ( The Home)

 

د. جمانة الحاتم – كاتبة عراقية

 

يعد عرض مسرحية ( The Home) من العروض المهمة في مهرجان العراق الوطني للمسرح . اذ اعتمد النص المسرحي على فكرة الارهاب التي تمحورت في العراق ، واشكالية النص التي اسقطها المخرج بإضافة عدد من المشاهد اي تصرف في النص ، وهذا ما يشير ويحسب لعبقرية المخرج في الرؤية الاخراجية ،على وفق المعطيات القصدية فهو يفسر ويحلل ويصقل الفكرة بحسب مفاهيمه الايدولوجية التي تم اسقاطها فنياً على خشبة المسرح ، والتضحية المجروحة المشروطة المغيبة في الازمة السايكولوجية ، والفكرة الفلسفية التي قيدتها الذات لتلك الحبكة التي كانت سجينة في الوطن بصورة عامة والبيت العراقي بصورة خاصة ، اذ بدء عرض المسرحية في اغنية المطربة فيروز (وطني) والتي تأكد على الروح الوطنية المضمدة للمخرج شاعراً بان هناك عناصر مشتركة بين ادواته التي اراد نقلها الى المتلقي من اجل معرفتها واستذكارها بطريقته الافتراضية المحوسبة فكرياً وفنياً مجسداً معاني التضحية المشروط المقيدة بفعل عدم التنازل وضديات واضحة للفكر من خلال الجدل المعرفي بقصدية التخطيط ، ومعنى هذا ان الحالة الشعورية في تسيير عملية الرؤية بطريقته الاخراجية تحسب وتحسم له ، يضم الحوار على الفصيح والعامية ومحور الشخصيات يرتكز على الجدل بين الثنائية والضد مما يحول الى اثار الاستفسار والحيرة في ايجاد المبرر من اجل الوصول الى الحقيقة المغيبة بطريقة مفتعلة من قبل المخرج الذي اراد من المتلقي ان يفسر ويحلل ويجاوب كملئ الفرغات التالية ، وكانت هناك اشارات وايماءات ترتكز على روح التفاعل الرمزي محولاً ذلك الى تناغم من الضحك والفكاهة وهي من الممارسات اليومية المعتادة من خلال الدراسات الانثربولوجية للمجتمعات التي تحددها البيئة الاجتماعية كدراسة لأنثروبولوجيا المسرح ، ولبناء جوانب الشخصيات التي كانت مختلفة في كل شخصية عن الاخرى الا انها متماسكة ومنسجمة من حيث البعد العقلي والمعرفي والبعد الجسمي وكذلك البعد الوجداني والانفعالي والبعد الاجتماعي الذي يشترك مع المتلقي ، على وفق قضية طرد الارهاب من البلد فالقضية قضية مشتركة من ناحية الحس الوطني والتوافق الاجتماعي الذي ينبذ الارهاب والعدو ، الذي يغيب الوعي و يهمش السلوك البشرية في اللحظة الآنية محولاً ذلك الى حالات متعدد من التراكمات النفسية نتيجة التعذيب والتخريب التي تدخل ضمن المعالجة السايكولوجية .
اما عن الممثل يعد من اهم عناصر العرض المسرحي العنصر المعبر للفكر والفكرة واللغة فقد شاهدت الممثل (محمد هاشم ) لاًعبا للدور محترفاً بإداوته ذكياً على خشبة المسرح يمتلك مهارات معرفية تم توظيفها بشكل متقن ومتمرس منتقلاً من دور الى آخر معتمد على لغة جسده التعبيرية التي تشير الى مستوى الحسي والحركي والاجتماعي متصل اتصال مباشراً داخلياً منسجماً فكرياً معرفياً حاذقاً بتغير الأداء من خلال الصوت والجسد وتنوع الرقص بين الهجع والهيوة ، الذي سحب المتلقي من خلال الايقاع والحركات الراقصة المنظمة على خشبة المسرح فكانت واضحة في مواقف العمل وتطبيقاته ، ناهيك عن المخزون المعرفي الذي يمتلكه الممثل انعكس ذلك على خشبة المسرح من خلال خبرته كممثل مستخدماً ادواته المعرفية الحركية مقترباً من الذات الشخصية وهي كانت مهيمنة عل الفنان (محمد هاشم ) التي انفصلت عن الشعور ، وذهب يعبر عنها بانفعالاته المترابطة المتماسكة حسياً و ذاتياً وهو تفاعل جاء نتيجة صور ورموز تراكمت على شكل صور ذهنية الممثل مع المتلقي متفق عليه اجتماعياً لكون الفرد جزء من المجتمع ، وللممثل (د. مظفر الطيب ) الذي لعب الدور منذ الوهلة الاولى ولقد اوصل فكرة دور (الشرطي) الذي ايقظهم من غفلة مستخدماً عصا الانضباط وكلمة ( انت ويانة ..علينة ) متنوعاً في القائها من خلال اداء الصوت مع الحركات .
نحن على دراية ومعرفة ان ( الطيب) اكاديمي الا انه تقرب من الشخصية ولعب دور الشرطي كنمذجة في طريقة التعلم عن طريق استراتيجية متقنة في ضبط وتعديل السلوك والتي تمحورت في ذلك البيت من خلال ايقاظهم من التابوت فهو تحريض ايجابي يوقظ البشر من مباغتة الارهاب ، هنا خروج الممثل من الحياة اليومية المعتادة الطبيعية الى الشخصية الدرامية متبنياً لروح الشخصية لا للولوج ، انما التقرب ولا التشبه لحد التطابق ، لذا كان مسترخياً هادئاً مستفزاً ايجابياً ، واللافت للنظر لعب ( الطيب) دور شاب كنمذجة للغرب والثقافة الاجنبية التي انعكست من خلال الرقص والغناء للسلوكيات المغربة باستخدام الهيد فون وارتدائه (للبرمودة)، فهو تشبه بالشاب الغربي ولا تطابق معه ، فهو عزز ذاته بسلوكيات اختارها لنفسه حتى يقترب ويتبنى الدور محولاً ذلك الى تحريض ايجابي لأثارة الاسئلة والاستفسار . فهو يرقص على جراح هذه الاسرة العراقية التي تكونت من الام والابن والزوجة واختصرها بكلمة (حيروا) ، خلق قناع متخفي يعيش بين (الحقيقة ) هم ثلاث اشخاص يعيشون في بيت واحد ، والوهم الذي يفتقر للتضحية من اجل (الطاقية ) ، وهذا ما يناقض العنوان ( The home) ومعناها في القاموس الانكليزي الاكسفورد ( البيت) ، واذ تم الاشارة الى الوطن فالوطن اعم واشمل من البيت كان (د. مظفر الطيب ) يمتلك ارادة للعب من اجل ايصال الرسالة التحريضية الايجابية والذي يبنى على تعزيز الذات فلسفياً ، نفسياً واجتماعياً حتى ختم المسرحية بقفلة ذكية في جملة (رصيدك على وشك النفاذ ) بمعناه ان الرسالة قد وصلت والامر يترك للمتلقي في كيفية شحن الذات من اجل الانتباه والتركيز ومعالجة نقاط الضعف في تصدي الارهاب اذ كانت طروحاته في للعب على الاستعداد والتهيؤ وينبع ذلك من الدافع الداخلي الانفعالي للفعل ، وبطريقة قصدية المخرج موجهة للمتلقي وبطريقة مباشرة حية عبر عنها بفعل الاختزال المقصود وذلك بكسر الايهام اثناء الحوار ما بين الزوج والزوجة اذ انه بان جلياً على خشبة المسرح بفعل تعزيز الضبط الذاتي ، وفي الوقت نفسه تغذية مرتدة التي يشترط فيها العمل الجماعي من اجل اتقان الاداء التمثيلي كما يستخدمها (بيتر بروك) فكان بين مشهد ومشهد يخرج بدور يختلف عن الثاني ساعة اراه شرطي وتارة اراه يرتدي الزي العربي وتارة اخرى شاب غربي والدور الاخر رجل الي ، اما عن الممثلة (بيداء رشيد) فكانت الزوجة المتمسكة بالتضحية المشروطة من اجل (الطاقية) ، وعدم رغبتها في ارتداء الملابس البيضاء شعوراً برياح الموت التي تلتهب اسوار البيت وهي تندب حظها العاثر باختيارها الفستان الاحمر للزوج الجبان او المرعوب من الذبح الارهابي الذي يعصف بالهوية العراقية التي مسخت كل القيم والعادات والتقاليد في مشهد طريقة الذبح بالسكين ، فقد عكست الممثلة صورة للمرأة العراقية التي لا تضحي بعفتها وشرفها بسهولة ، وكانت حركتها على خشبة المسرح متقنة مرتبطة بالحوار متصلة مع الحدث مترابطة مع الفعل المسرحي متفاعلة ذاتياً مع فعل الآخر المتغير وهو الزوج (محمد هاشم ) ، وكانت نبرة صوتها تضيف استفساراً لحالات اليأس المحتوم على هذا البيت وكانه بيت مشؤوم بغض النظر عن بعض الايماءات والاشارات والالفاظ التي كان من المفترض الابتعاد عنها مراعاة للمجتمع الشرقي الذي لا يحبذ ظهور المرأة بشكل وملابس شبه عارية .
و ظهرت شخصية الفنانة (هناء محمد) الأم العراقية التي تمحور ادائها بين الشعر والنياح (هب الهوى واندكت الباب ترى حسبالي دخلت احباب ثاري الهوى والباب جذاب يمه يا يمه ما يشيلون ريت النحبهم مايشيلون اجانه العيد واهل العيد غياب ) ونلاحظ صوت الجواب من قبل المتلقي ، فعلاً ومثالاً للأم العراقية والعربية الشريفة التي تندب حظها على الأبن العاق الذي يضحي بالأم من اجل الطاقية التي فككت الروابط الاسرية .
ولعنصر الديكور مكانة بارزة في العرض وهو بيت من حديد له باب واحد الا ان الباب يدور على وفق رغبات الاسرة والباب غير مستقر يدور ويتحرك بميول افراد البيت لكون دوافعهم النفسية في نزاع مستمر يسودها الخوف والقلق من المستقبل المجهول ، ولا يوجد اي قطعة اثاث داخل المنزل مما يشير الى عدم الاستقرار ، والبيت غير مرتكز على اعمدة او مشيد ثابت ، ومن ناحية الاضاءة المسرحية كانت بسيطة وذلك للضرورة الاخراجية هناك تسقيط للإضاءة لتفعيل دور فعل الحدث داخل اطار البيت متوافقة مع الحوار، ففي حالة القلق يتم تركيز الاضاءة العتمة والقلق اضاءة حمراء ، وللموسيقى محوراً اساسياً متناغماً مع فعل الحدث الدرامي مع استخدام بعض الأغاني الحماسية التي ركز عليها المخرج للتوافق والاستذكار من قبل المتلقي مما اعطى روح التفاعل عن طريق الاستجابة بفعل التعزيز والدافع المعنوي ، مع استخدام الايقاعات وصوت الأذان المتفق عليه الذي حول قاعة المسرح الى جامع من شدة الصوت المقدس ، ولا يوجد حضور لعنصر الماكياج (make up) ، يفتقر العرض للماكياج هذا ما يشير الى الخوف والقلق والحالة النفسية التي تعيشها تلك الاسرة من ضغوطات خارجية والخوف من حالات الاعتداء الارهابي فالزوجة حينما تتكلم وتشير على مفاتنها وشكلها الجميل تتكلم بصيغة الماضي ، مما يؤكد على ان الوقت الحالي لا يسمح لها بالعناية والاهتمام وهي تستعير الذاتية الداخلية بذكريات الماضي الذي كان اجمل من وضعها الحالي ، وكذلك الأم العراقية كانت تنوح وتبكي ولا يظهر عليها ملامح الماكياج .

(Visited 10 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *