عبدالسادة البصري – كاتب عراقي
(( التسامح من سمات النبلاء !!))
ذات ليلة اختلفتُ في وجهات النظر مع أحدهم لا لشيء سوى انتصار لعاملٍ فقير ، وصل نقاشنا إلى أعلى حدّته ، ما دعانا إلى التنابز ببعض الكلمات المغضبة لكلينا بعد أن تجاوز بكلامه عليَّ، لكنني عند تباشير الصباح أرسلت له رسالة اعتذار عن سوء الفهم الذي حصل بيننا ، ودعوته إلى نسيان كل شيء ولنسامح بعضنا ، قابلني بجفاء شديد وحذف صداقتي ورقم هاتفي وظلّ يحاربني بالتقوّلات والاراجيف ، وكأننا لم نكن صديقين ذات يوم ، اخذ يتحدّث هنا وهناك عن هذه الحادثة العابرة ، معرباً عن غيضه ومجاهراً بعدم مسامحته لي ، رغم مسامحتي له في تلك الرسالة ، تركته وقلت في نفسي سيُدرك ذات يوم أننا لم نختلف أبداً ــ لم أقل أنا عاقلاً ، بل مسامحاً لأنني أريد للتسامح أن يسمو بيننا دائماً ـــ !!
سقتُ هذه الحكاية وأنا أشاهد بأمِّ عيني ما آل إليه وضعنا ، حيث لم نجعل للتسامح مكاناً في قانون حياتنا ، بل أخذتنا العزّة بالإثم ، ورحنا ننبش ثأراً هنا وحكاية هناك ، ما أنزل بنا إلى حضيض الجحيم الاجتماعي ، وأشاع الخراب والموت في بلدنا!!
كلّنا نعرف نيلسون مانديلا ، الرجل الذي ذاق مرارة السجن والتعذيب طويلاً على أيدي المتسلّطين على بلاده والجاثمين على صدرها من البِيض ، لكنّه ما أن تنسّم هواء الحرية وجلس على كرسي الحكم ، حتى أشاع لغة التسامح والمحبة بين الجميع ، وتحديداً مع مَنْ ظلمه وعذّبه وسجنه ، ما حدا بالآخرين إلى إعلان الولاء والمحبة له كلياً ، حيث انفتحت مصاريع البلاد على الخير والبناء ، فاستطاع أن يبني دولة متقدّمة يسودها الوئام !!
الكراهية والغلّ لن يبنيا مجتمعا سعيداً يسمو بالخير أبداً ، سيظل الكلّ يرزح تحت نير الصراعات غير المنتهية !!
هناك مَنْ يريدنا أن نفترق ونتحارب بشتى الوسائل ليظلّ مسيطراً علينا وينهب خيراتنا ، لا تلتفتوا إليه ولا تصغوا لكلامه !!
وهناك مَنْ لا يريد لبلدنا التقدّم والبناء ، لا تستمعوا إليه ، بل استمعوا إلى صوت الحق ، والمحبة ، والوئام ، ونبذ التخاصم ، ولنكون إنسانيين في كل شيء ، لأن الإنسانية مصدر سعادة البشر وراحة بالهم ، ولنجعل من قلوبنا وضمائرنا ونفوسنا بساتين تسامح ونكران ذات ، ونرفع شعار التسامح كونه سمة عظمى ومن أنبل سمات البناء والعمران والسعادة بين الشعوب !!
لن تُبنى الأوطان بالحقد والتفرقة أبدا !! ولن تُبنى بتأجيج الثارات والتقاتل بيننا ، لأن الجرم يولّد جرماً ، ولا يعالج الخطأ بالخطأ ، عندها ستكثر الأخطاء ويكون التصحيح صعباً فيحترق الأخضر واليابس معاً ، وقديما قالوا :ــ العقل زينة ، وزينة العقل التسامح !!!