لايستطيعُ رئيسُ الوزراء في العراق أنْ يتخذَ اجراءً يتعارضُ مع رؤيةِ
ورغبةِ السيد المالكي أو السيد الصدر أو السيد البرزاني أو السادة
جميعاً من أمراءِ العملية السياسية الجارية في العراق.
فهؤلاء هم الركائزُ الأساسية التي تتحكّم بمجرياتِ وشؤونِ الدولة
العراقية حتى اليوم مهما اختلفوا أو تعادَوا أو تحاربوا. بل إن دولَ
العالم والعربية والمجاورة منها لا تولي اهتماما كبيراً لما تعقِده من
معاهداتٍ أو تبحثُه مع رؤساء الحكومات العراقية، لكونِها تعي أنّ كلّ
ما تتفقُ عليه رسمياً لا تأثير له ولا أهمية و لن يُنفّذ دونَ موافقةِ
الركائزِ تلك . ولذلك نرى كيف يتوهّم رؤساء الوزراء الجدد فيتورطوا
باتخاذ اجراءاتٍ خالَ الشهر الأول من تسنّمهم المسؤولية.
كما حصلَ مع السيد العبادي الذي بدأ بقراراتٍ جريئة أولها الغاءُ
المكتب العسكري لرئيس الوزراء الذي أنشيء في زمن المالكي،
وأعلن عن وضع يده على خمسين الف فضائي كوجبة اولى لتطهير
الدولة من الموظفين الوهميين، مما أوحى للرأي العام بأنّه سيقلب
ظهرَ المِجَن على حيتان الفساد ويضربهم بيدٍ من حديد.
والحال بعده مع السيد عبد المهدي الذي بدأ شهرَه الأوّل بتأسيس
مجلسٍ أعلى لمكافحة الفساد مما أوحى بأنه سيطهّر الدولة وأن
مجلسَه سترتعِدُ له فرائصُ الفاسدين.
وأخيراً السيد الكاظمي الذي كانتْ بدايةُ حكومته حافلةً بالإعلانات
الحاسمة من تحذير أفراد عائلته من استغلال منصبه وإعادة
الفريق عبد الوهاب الساعدي الى اعلى من منصبه الذي همّشه
عبد المهدي في خطوة اثارت انفعال الشارع، الى فرض الإنتخابات
المبكرة وتحديد موعد لها، والتعهد بمحاكمة قتَلة المتظاهرين
والوصول الى قتلة الهاشمي وتحرير الصحفيين المخطوفين والغاء
رواتب محتجزي رفحاء ومزدوجي الرواتب وإعان السيطرة عسكرياً
على المنافذ الحدودية واستعادة عوائدها وتطهير العراق من الثعالب
والاشباح وكلّ من وصَفهم بدعاة اللادولة. مما أوحى للرأي العام
بأنّه يقود انقلابا على دولة فاسدة فاشلة باعتراف جميع العراقيين
حكّاماً ومحكومين.
لكنّ الحقيقة أن رؤساء الوزراء الثلاثة المندفعين بنوايا الانجاز
الوطني التاريخي وفقا لما يقرأونه في الدستور من صلاحيات شبه
مطلقة داخلياً وخارجياً وأمنياً، سرعانَ مايدركون بعد مضي شهر
العسل الرئاسي بأن الدولة التي يفترض أنّهم يحكمونها تعمل
بأسيِقة وآلياتٍ وجهاتِ تحكّمٍ لاسلطةَ لهم عليها.
وأنّ دور رئيس الوزراء فقط هو حراسة المنصب وليس ممارسة
صلاحياته المعلنة. وأن ألقاباً مثل القائد العام للقوات المسلحة
أو المسؤول التنفيذي الأول انما هي مجرد شهادات فخرية
تمنحُها الكتلُ المتآلفة للمرشح الذي يقضي الاسبوع الأخير قبل
التصويت على تسميته في مخاض أقسى من مخاض الولادة،
متطلعا الى رضى رؤساء الكتل علهم يأمرون نوابهم برفع
الأيدي لصالحه، كي يستقلّ هو ومن معه سيارات الرئاسة
الجديدة التي تنتظره عند باب مجلس النواب بعد انتهاء جلسة
التصويت على الحكومة.
ولذلك ايضاً فإنّ مفردة ) غلِّس( التي وردت في حديثٍ للشيخ
قيس الخزعلي موجهةً للسيد رئيس مجلس الوزراء مصطفى
الكاظمي لم تكن كلمةً عابرةً تستدعي التهكم، فقد رسَمَ الرجلُ
في كلمةٍ واحدة خارطة طريق لرئيس الوزراء بأن يتجاهل كلّ
مالم يعجبْه مما يرى ويسمع ويدور، هو ومن يأتي بعده نتيجة
المحاصصة الدائرة اليوم. ليكونَ أمامَ مراكز النفوذ التي تحكم
البلد فعليا أكثرَ واقعيّة تواضعاً ويُكمِلَ دورتَه بأمانٍ ورضى،
وقناعةٍ بأنّه ليس عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ، لكي لايأخذَه وَهمُ الصلاحيّات
الى مالايُحمَدُ عُقباه.
وَهْمُ الصلاحياتْ
(Visited 5 times, 1 visits today)