وداعاً للأرض

وداعاً للأرض

فاجأني ابني ذو الأحد عشر عاماً بالقول : «بابا الناس المفروض تدرس لو تشتغل
وتسافرُ وتلعب، أشو هسه الواحد بس يريد يعيش!! » هذا من كثر ما أصبحتْ
أخبار العائلة والأصدقاء تدور بين الإصابة والشفاء واللقاح وتداول مشاعر الأسف
او الفرح او التهنئة في ضوء ذلك ..انشغال ومحددات تجعل من كوكب الأرض
وكأنّه لم يعدْ صالحاً للسكن خاصة بعد أن اكتشفناه مجردَ خرزة خضراء بين
ملايين القلائد المضيئة يحتاجُ الى صيانة كبرى بعدَ ماجرى عليه من كوارثَ
بيئية وحرائق وحروبٍ ومقابر منذ تشكّله حتى اليوم.
ولأن صيانة بهذا الحجم لايمكن أن تعتمد على نشطاء البيئة وحزب الخضر، تكفّلت
الطبيعة ذاتها بمداواة هذا الكوكب وعلاجِه وأخذِ الثأر له من جميع محطات البانزين
ومصانع الساح ومشعلي الحروب وسباق التسلح النووي ومختبرات التحوير الجيني في
العالم. فنَشرَ الفيروس الجديد قواته على مساحة الكوكب الأخضر ليفرض سيطرته على
البشر تحديداً ويجعل الأباطرة والملوك يختفون خلف الكمامات، معلناً أن الأرضَ بعد
اليوم آمنة للحيوانات فقط وأنّ الإصابات تستهدفُ فقط الإنسان الذي طغى وبغى
وادّعى بأنه سيغيّر شكل واتجاهات الوجود وتخليق الكائنات وربما عاج الشيخوخة
والتوصل الى أسرار الخلود.
مؤشرات نتائج هذه الصيانة الشعواء حتى الآن تؤكد فك الاختناق عن كوكب
الأرض بعد تقارير علمية تشير الى انخفاض نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون عالميًا
لأقل مستوياتها منذ 30 سنة وتعافي طبقة الأوزون وتضييق الثقب الأسود الى
حدود قياسية، وانتعاش الغابات الكبرى في الشرق والغرب بعدما شهدت حرائق
ضخمة. كذلك عودة السيادة للأشجار والبحار والسماء الصافية التي تخلصت من
ضغط الشوارع وفضات الناس وفضات عرباتهم التي اختصرت مع أجواء الحظر
والتنظيم كثيرا.
ورغم تصاعدِ الحرب العالمية الدائرة الآن بينَ الفيروس واللقاح المضاد، وهو ما
أنعشَ آمالَ الناس بالإفات من قبضة تنين العصر الذي لايٌرى ولا يتفاهم،الا أن
الحياة التقليدية السابقة لن تعود الى عهدها ببساطة. بعد أن أصبح الإنسانُ
مهدداً من يدِه وعينيه والسامِ من أحدٍ عليه، والخوفُ كلُ الخوف من أن ينتقلَ
عملُ الفلاحين وصيّادي الأسماك الى منصة زووم أيضاً!. فيما بدأ التفكير جدياً
بالبحث عن مكان آمن وانتقلتْ غاية بحوث الفضاء من الترفِ العلمي الى الحاجة
الملحّة لايجاد بديل مستقبلي لكوكب الارض.
فماذا لو تم العثور على الكوكب البديل – والمريخ كما يقال هو المرشح الاول
لذلك بعد العثور على مؤشرات تشابهٍ في المكونات البيئية بين الارض و الكوكب
الأحمر-؟ في مثل هذي الحال تكون البشرية القادمة قد عثرت على مكان أكبر
حجماً بكثير، جديد، نظيف، يمكن أن تقام عليه حضارة بلا أخطاء ولا كوارث . فيما
يتحول كوكب الأرض الى مخازن ومكبِّ للنفايات ومنازل عشوائية للفقراء الذين
لاتوجدُ مركبات كافية تحملهم الى هناك.
ومن نعم الله علينا أنْ هذه المحاولات الجدية لاكتشاف المريخ، لن تكون بيد
الأجانب فقط فثمة يد عربية قررت الافات من كسل ونعاس العرب وخلافاتهم
العشائرية والدينية والإلتحاق بركب البحث عن المَكان البديل والإنشغال مع علماء
الأرض في البحوث الجارية على هذا الكوكب ،حيث انطلقَ مسبارُ الأمل الأماراتي
كأوّل مشروع عربي للعمل على استكشافِ المريخ لدراسته والإفادة من نتائج البحوث
بمايعودُ من فوائدَ بشرية واقتصادية وربما الإطمئنان الى مكانٍ آمنٍ جديد بعيداً
عن الأرض، خشية حدوث مفاجآت أو جوائح أخرى لاتُحمَد عقباها.

(Visited 3 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *