كتب المحرر السياسي للمستقل:
بهذه العبارة تحدث زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر عقب الأحداث التي شهدها العراق الأسبوع الماضي . ورغم أن العبارة موجهة لا على التعيين الا أنّ المراقبين والناس جميعا تحيلونها الى أية جهة تحاول ان تضرب مفاصل الدولة واستقرارها سواء من خلال خطأ اتخاذ القرار أو من خلال الاجراءات التي شهدها محيط المنطقة الخضراء للانتقام من قرار حكومي باعتقال قائد عمليات غرب الانبار في الحشد الشعبي بتهمة اربعة ارهاب وهو شخصية بارزة في الحشد بذريعة مسؤوليته عن اغتيال الناشط إيهاب الوزني الذي قتل عندما أطلق مسلحون النار عليه من مسدس كاتم للصوت في مدينة وهو السبب الذي فجر تظاهرات 25 ايار.
قرار أخذ عليه المحايدون بانه استعراضي وغير قانوني في شكله الاجرائي حيث إن اشهار الاعتقال ونشره في وسائل الاعلام قبل اجراء التحقيقات فضح الدوافع الاعلامية واسلوب الاحتواء الشعبي للمظاهرات وربما التسقيط السياسي وخلط الاوراق حسب بيان لفصائل تابعة للحشد ، بدليل ان المعتقل أُطلق سراحه دون اجراء اي تحقيق. وهو ما يضاف الى سجل القرارات المترددة التي عرفت بها حكومة السيد الكاظمي التي تقف في مفترق طريقين مقفلين ، الضغط الشعبي و نفوذ القوى التي ترى انها اكبر من الحكومة وأقوى .
لذلك يرى المراقبون أن السيد الكاظمي مثله مثل السيد عادل عبد المهدي الذي كشفت تظاهرات تشرين هشاشة صلاحياته وثانوية منصبة .
فقد شهدت محافظات عراقية في الجنوب تجدد التظاهرات باسم تشرين الذي يبدو انه ثبت عنوانا للاحتجاج الدائم على الطبقة السياسية الحاكمة مظاهرات طالبت هذه المرة بالكشف عن قتلة الناشطين والمحامين واصحاب الراي الذين فشلت حكومة الكاظمي بالقاء القبض عليهم وأبطلت تعهداته المستمرة بتحقيق ذلك ، وهو أول تعهد منح الشرعية لحكومة بديلة عن حكومة عبد المهدي المستقيل الى جانب اجراء انتخابات مبكرة نزيهة كل المؤشرات تشير الى اختطاف نتائجها مبكرا.
المطلب المحدد
واذا كانت مظاهرات تشرين التي اندلعت بداية تشرين أول عام 2019 حافلة بجملة من المطالب التي يسعى المحتجون لتحقيقها ثم تقدمها مطلب اهم لاحقا بعد استشهاد المئات من شبابها وهو الكشف عن قتلة المتظاهرين ، فان المطلب الرئيس هذه المرة التي اختصر في سؤال مطلق ( من قتلني ؟ ) فهو حصرا موجه الى الحكومة العراقية لان المؤسسات الرسمية ومنها القضاء هي الجهة الوحيدة التي يمكن أن تكشف قانونا عن قتلة المتظاهرين وهو أمر لايسقط بالتقادم حسب المنطق القانوني وحسب تصريح لرئيس الجمهورية السيد برهام صالح ، لذلك بدت المظاهرة في مواجهة الحكومة استنادا الى هذه المرجعية .وهو الامر الذي دفع الكثير من المتحدثين باسم التظاهرات الى تحميل جهات امنية رسمية قتل شهيدين واصابة العشرات، خاصة الحادث الشنيع الذي حدث في الاعظمية حين اطلق ضابط شرطة النار مباشرة وجها لوجه على شاب من اهالي المنطقة فارداه قتيلا لسبب واهٍ لايمكن ان يبرر ذلك.
مشكلة الحكومة العراقية ويبدو اي حكومة سواء يرأسها الكاظمي او غيرة لايمكنها فك هذا التشابك بين مسؤولية الدولة وهي الجهة الواضحة ومسؤولية الاطراف الغامضة التي تستهدف المتظاهرين الذين يشيرون اليها بالاسماء احياناً ، سواء في التصدي للمظاهرات او حوادث الاغتيال السابقة المعروفة والتي ستبقى تحرك الشارع المحتج الى زمن طويل .وهو ماوضع الحكومة اليوم في حال من الارتباك وربما الضعف وهي تحاول النأي عن اي مواجهة مع اي طرف حتى وان كان يهدد سلطتها.
الانتخابات والمظاهرات
وعلى الرغم من ضعف الاتهام الصريح هذه المرة باجندة خارجية وراء المظاهرات كما هو معتاد الا ان المراقبين يرون ان شبح الانتخابات المقبلة هيمن سياسيا عليها ، لاسيما مع الانقسام السياسي بين الداعين الى اجراء الانتخابات المبكرة وهم تحديدا الفتح ودولة القانون ، والداعين الى الغائها كونها لا تحظى بضمانات امنية وقانونية كافية كما يرى الصدريون ومن معهم ، فيما انقسم التشرينيون ايضا بين الداعين الى خوض الانتخابات وتاسيس تجمعات رسمية مسجلة سلفا في المفوضية العليا وبين من يرون أن لاجدوى من خوضها ويجب مقاطعتها طالما ضمت مشاركة كثيفة من ذات الاحزاب التي ثار المحتجون ضد ادائها السياسيى في المرحلة السابقة . مشترطين شرطا مثاليا مستحيلا وهو حصر السلاح بيد الحكومة وابعاد اي فريق مسلح من تشكيل تجمع سياسي يخوض الانتخابات حسب القانون .
وعليه تسابقت الاطراف على اختلاف وجهات نظرها لحصد خراج من لهيب الاحتجاجات ينسجم مع توجهها ، دون الاصطدام المباشر بينها .
إضعاف العراق
لاشك في أن أي مراقب خارجي او داخلي يرى في تشابك هذا النسيج السياسي والا ضطراب الأمني وتصادم مؤسسات تابعة للدولة بمسمى أو بآخر يشكل إضعافا للدولة العراقية . وإضاف الدولة العراقية له تبعات شتى خارجية تحديدا حيث تتردد الدول اخرى في التعامل مع العراق على صعيد التجارة والاستثمار والمعاهدات وتبادل الخبرات بسبب غياب وحدة القرار الوطني وغياب الامن المجتمعي ، وهو اخطر ما يواجه الدولة العراقية حاليا ، الدولة بكاملها وليس الحكومة وحدها التي لن تخرج من هذا النفق حتى نهاية عهدها.