الروائي شاكر الانباري للمستقل

الروائي شاكر الانباري للمستقل

هو فارس من فرسان الروايه العراقية، له الباع الطولى في حفظالذاكرة العراقيه من خلال الروايه

شاكر الانباري الذي اعتبره سخيا انه مقل بانتاجه، لانه مليء بالحكايات، و له اجمل السرد الذي عرفت منذ بداية تسعيناتالقرن الماضي و احد الان، المستقل حاورته و كان لنا هذا اللقاء

 

في منتصف تسعينيات القرن الماضي حضرت أمسية في البيت العراقي في كوبنهاجن، وفيها قدمت القاصوالروائي جنان جاسم حلاوي، وأتذكر عبارة اتفقتما عليها وهي أن الرواية هي ذاكرة المكان والزمان، إذاكانت الرواية ذاكرة فأين يكمن المتخيل، وًكيف لنا كقراء أن نميزه عن المعاش؟

يكمن المتخيل في صياغة الأحداث الواردة في أية رواية، ويتمثل بالربط الفني بين مشاهد، وأفكار،وأمكنة، وشخصيات تلعب دورها ضمن حيز مكاني وزماني، لتنتج رؤية معينة عن الحياة، أو جانبا منهاعلى الأقل. فكل رواية هي رؤية متفردة للكاتب، وهي رسالته الخاصة كشاهد لزمنه ذاته. ونحن نعرف أن أيةرواية ناجحة لا بد لها من إعادة خلق لفترة زمنية معروفة، بأجوائها وفضائها الفكري والسلوكي في مكان مامن هذا العالم. يستطيع القارئ تمييز الخيال في الرواية بنمط الحبكة، ورسالة النص، وعمق السردوسلاسته في الآن نفسه. وخيال الكاتب غير المحدود هو ما يصبغ الرواية ببصمة خاصة، وهوية فارقة. الواقع هو الوقود في النص، والخيال هو المحرك الذي يطير بالقارئ نحو أفق آخر يستشرف عبره معنىالحكاية. كل رواية هي سيرة لبشر من لحم ودم عاشوا ذات يوم، وتكمن البراعة في التقاط المشترك الإنسانيعلى هذه الأرض.

 

بصفتك روائيا واقعيا، ما هي أهم ميزات الرواية الواقعية؟

 

لا أعرف إن كنت روائيا واقعيا إم لا، فأنا أنظر إلى الكتابة الروائية بطريقة أخرى. هناك رواية مقنعة،عميقة، تستولي على وعي القارئ، دون معرفة السبب، وهل يكمن الأمر بالأحداث أم التسلسل والوصفالجميل والحوار والغرابة؟ أم بأسلوب صياغة النص، أم بالموهبة غير المدركة المنتمية إلى الكاتب ذاته وروحهوتوازناته الداخلية كفرد، ونمط علاقته مع زمنه؟ والرواية الناجحة تقفز في كثير من الأحيان خارجالتصنيفات، وإلا أين نضع روايات نجيب محفوظ الشهيرة مثل أولاد حارتنا، وروايات دوستويفسكي،وأعمال كافكا وهمنغواي وعبد الرحمن منيف وغيرهم. وأهم روايات تولستوي ومنها الحرب والسلام لا يمكنتصنيفها إن كانت ملحمية أم واقعية أم تاريخ أم سياسة. كما لا يمكن تصنيف عمل مهم ولا يتكرر مثل مدنالملح لعبد الرحمن منيف ويروي فيها نشوء مدن وتحولاتها خلال ما يقرب القرن، هل هو حكايات مجتمعةعلى الورق أم فولكلور وأمثال وحكم وتعاقب شخصيات على مسرح التاريخ غير المدوّن. أنا أكتب فقط،مزاوجا بين التجربة والثقافة الخاصة، وأسعى للوصول إلى رواية تمثلني وتعجب القارئ، أما التصنيففيأتي من القارئ والناقد لاحقا.  

 

أعرفك منذ ثمانينات القرن الماضي وأنت منشغل في الكتابة، وأعتقد أنك كاتب مقل مقارنة بالفترة الطويلةالمكرسة للأدب، هل تتفق معي؟

بالعكس أعتبر نفسي نشطا في مجال النشر، لأنني أنتجت لحد الآن إحدى عشرة رواية مطبوعة،ومخطوطة رواية جاهزة، وخمس مجموعات قصص، وترجمت قصصا عن الانكليزية، ولي ثلاث كتب مقالاتوكتاب في السيرة. وكنت محظوظا كوني أنجزت خلال ظروفي الصعبة المتمثلة بالاغتراب عن البلد،والترحال من مكان إلى آخر، وفوضى العالم المعاصر واهتزازاته المثيرة، هذا الكم من الكتب. وما زلت نشطافي الكتابة الصحافية حتى هذه اللحظة. كل ما أنجزته جاء نتيجة لمتعتي في العمل الابداعي وليسمفروضا من جهة أو نتيجة ظروف طارئة. وأعتبر الكتابة مهنة، لا بد أن يكرس لها الشخص كل وقته،وقراءاته، وتفاصيل يومياته، وخياله اللحظي. وهي مهنة ممتعة رغم أنها متعبة، ولعل ذروة تلك المتعة هيالخلق، حين يصبح الكاتب خالقا لأفكار، وحكايات، وشخصيات، من العدم، ستظل خالدة حتى نهاية الأرض.

 

لديك تجربة غنية في الصحافة العراقية، ماذا أخذت منك وماذا أضافت لك هذه التجربة؟

يمكن القول إن اللغة هي مشترك أساسي بين الرواية والصحافة، رغم أن آليات اشتغال لغة الرواية لهامتطلبات خاصة تتعلق بالفن الروائي وما يفرضه على الكاتب من إتقان مستويات الوصف والحواروالتحليل، الإيحاء والتنبؤ، ثم الاستقراء لشخصيات تصنع الحدث وتتباين فيما بينها بالعمق، والسلوك،والدوافع الباطنية. ممارسة الصحافة، إذا ما أتيحت، ضرورية لأي كاتب، كونها تضفي شيئا من السلاسةعلى اللغة الروائية، وتقرب من هموم الشارع ومعاناة شرائحه المهمشة، وتدفع بالانتماء إلى الحاضر بدلا منالعيش بين الورق. مارست الصحافة عملا وكتابة ما يقرب عشر سنوات داخل العراق بعد 2003 وهي تجربةجعلتني بتماس مباشر مع ما يحدث في المجتمع. استفدت منها كثيرا في مجال الرواية. لكن رغم كل ذلك،فالإبداع الروائي يفرض على الكاتب وعيا آخر، يستند إلى التنوع الثقافي، والخبرة الحياتية والإدراك لفنالرواية. ودخول صحفيين إلى عالم الرواية يعود إلى شيوع ظاهرة استسهال الكتابة الروائية، وانفتاح مجالالنشر حيث تنعدم الرقابة الفنية، والنقدية، على ما يصدر، فصار كل من يمتلك نقودا يمكنه إصدار رواية،تتكئ غالبا على تجربة شخصية شاحبة، مع خفوت صوت النقد الحقيقي، وشيوع ظاهرة المجاملة للمنتجوكاتبه. بالمحصلة  فالرواية تخصص رفيع، وتكريس كتابي يلتهم عمر الفرد كله، فلا يكفي امتلاك اللغةالصحافية لإنتاج رواية ناجحة، كما يتوهم البعض.     

هناك روائيون كثر من جيل الشباب، من من الجيل الجديد من الروائيين العراقيين على الطريق الصحيح؟

النشر المدفوع أشاع سهولة إصدار الروايات في العراق. بعض الاصدارات لم يتم الاعتناء بها لغوياوتحريريا من قبل الناشرين، لأن المهم لدى هؤلاء هو النقود، لذلك قد نجد مصححا في الدار لكن لا نجدمحررا للنص، رغم ذلك هناك روائيون شباب واعدون، نشروا روايات مهمة فنيا، كرسوا للمحلية العراقيةمساحة كانت بحاجة لها. وتكمن أهميتهم في قربهم من الحدث الذي يكتبون عنه، وانفتاحهم على التجاربالعالمية والعربية بعد أن أتاحت السوشيلميديا والإنترنيت الوصول إلى الروايات المنشورة إلكترونيا علىالغوغل. وقد قدمت هذه الخدمة فرصا هائلة للقراءة بكل حقول المعرفة، كما فتحت بابا شاسعا لوصول نصالكاتب إلى أوسع شريحة تقرأ العربية. هنا يمكن القول بوجود ظاهرة شائعة في الروايات العراقية الشبابيةيشكل عام، وهي استعارة أشكال روائية من بيئة أخرى. ونحن نعرف أن الأحداث المحلية هي التي تخلقأشكالها وأساليبها في نسج الرواية، وهذا المنزلق يمكن ملاحظته حتى في الروايات العربية الحديثة. إضافة إلى الإنشائية في صياغة الحدث، وهو إرث يعود إلى البلاغة العربية، صبغ معظم كتب التراث منسيرة وشعر وحكايات ومقامات، خاصة في عهود الانحطاط الحضاري. كيف تكون جملتك محددة، على قدرالفكرة ذاتها، وكيف تلتقط الروح العراقية بصدق، هذا هو السؤال.  

 

كيف تنظر إلى الاختلافات السردية بين أبناء جيلكم وأبناء الجيل الحالي؟

الجيل الجديد من الروائيين يواجهون مادة مختلفة تماما، فهم إزاء انفجار مجتمعي هائل، تتصارع فيهالحداثة مع التكلّس، الهويات الفرعية مع الهوية الوطنية، التجارب الفردية مع الأفق الاجتماعي، كالهجراتوالحروب الأهلية والاحتلال والقمع المجتمعي والتطرف الديني والاحتكاك الحضاري للمهاجرين مع بيئاتثانية مختلفة، ووجود الفرد المهمل وسط عالم يصطرع ويتقاتل ويتطور بقفزات ضوئية، الانغلاق والانفتاح. كل تلك المواضيع يعيشها الكاتب الشاب وعليه فهمها واستخلاص الرسالة النصية منها. يعيش الكاتبالمحلي ذلك الصراع بشكل لحظي وبشكل عنيف غير مسبوق، عدا الفسحة الضيقة التي ينبغي على الكاتبالشاب التكيف مع استحقاقاتها وضروراتها، أي مصدر العيش وهموم الأسرة. الأجيال السابقة من الروائيينعاشت وكتبت في ظروف أقل فظاظة، ولها سمة الاستقرار بعض الشيء، لذلك جاءت نصوصهم مستقرة،تقليدية في بنائها، رسالتها نبوئية بعض الشيء وملتزمة ومصطبغة بالأحلام، عكس ما هو موجود اليوم. إذ نقع على السوداوية والشيزوفرينيا على صعيد الفرد والقتل والدمار الروحي والمادي، وعلى صعيدالمجتمع. وأفضل ما مثل هذا الواقع رواية أحمد سعداوي فرانكشتاين في بغداد. وهي رواية تتطابق معالجحيم حيث يعيش الانسان وسط مشرحة بشرية بكل ما تعنيه المشرحة من واقع ملموس.

(Visited 23 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *