حكاية كتاب

حكاية كتاب

حياة باسلة في فضاءحسن النواب

قحطان جاسم جواد

ما أكثر الروايات التي تقع مع كل شهقة في دروب الحياة،وما أقل التدوين عنها،في كل يوم نستيقظُ فيه هو رواية نكتبها بسلوكنا وعملناوفرحناوحزننا وأوجاعنا دون أنْ تدري، لكنَّ تدوينها ليس على الورق إنَّما ينقش في الذاكرة. ولا أظن أنَّ هناك رواية مكتملة،أو بلغتْ درجة الكمال، كلُّالروايات التي دوّنت ونُشرت،مازال الرائي فيها ينادي على أفكارناوموهبتنا لكي نملأ الفراغات الهائلة فيها،ذلك أنَّ الرواية مثل امرأة تبادلها العاطفة الملتهبة على فراش؛ لكنَّ فحولتك تخذلها ولم تشبع غريزتها الثائرة،أجل الرواية امرأة تضج بالأنوثة وما أحوجهاإلى فحل من طراز خاص يملأ قلبها بماء الكلام،على حد تعبير الروائي:حسن النواب”الفائزبجائزة مسابقة الطيب صالح الدولية لعام2019.وكل رواية لها حكاية خاصة بظروف كتابتها واحداثها وربما في الموقف من عنوانها الابتدائي وتغييره او تبدل دار النشر لغير مرة.الكاتب (النواب) يروي حكاية روايته”حياة باسلة”فيقول:-

إذا كان الشعر صديقي وأنيسي في التسكع والحانات،فأن الرواية هي معشوقتي حين يجنُّ الليل،ويبدأ إغواء التدوين يسيل من يراعي مثل نبع في صحراء، وما روايتي(حياة باسلة)إلاَّ مقطعاً عابراً من هذه الحياة الصاخبة، عشر سنوات وربَّما أكثر هو عمر تدوينها، بدأ منتصف التسعينات بكتابيضماد ميدان لذاكرة جريحة،لكنَّ مقص الرقيب، ذبح مئات الأوراق منها خشية غضب الحكومة آنذاك،لذا جاءت الاستذكاراتواهية وبلا احاسيس. ولما وصلت إلى أستراليا، كنت اتطلع لزيارة صديقي”جان دمو في سدني بعد فراق سبع سنوات، كنت مرتبكاً في بيرث وأنا أحطُّ رحالي مع عائلتي، فلا لغة ، وولا استقرار، ثم أطير إلىسدني، لكن مهاتفة الشاعرغيلان اغتالت ذلك الوجد العاصف بصدري لرؤية حبيبي جان، فقال مات جان ؟؟وشعرت حينها أنَّ قطعان غربانتنعب وتزعق في وديان صدري،فتحوَّلَ رأسي إلى مأتم في عاشوراء،كدتُأموت كمداً، ولم أجد وسيلة للخلاص من الاختناق سوى تدوين حياتي مع جان، وأترابي الصعاليك الآخرينهبط عنوان الرواية مثل ومضة برق عجيبة في مزاغل رأسي، حياة باسلة؟!! مما حفزني على المغامرة في كتابة الرواية، حينهاوجدت نفسي تحت سطوة سحر مبهم،فشرعتُ أكتبُبأصابع تنزف قاراً على أزرار الحاسوب.

ويضيف النواب: بدأت أنشر حلقات الرواية في موقع كتابات، بعد شهر اعلمني مدير الموقع أنَّ عدد القراء فاق المتوقع في الوطن العربي، لا أذكر الرقم حتى لا تتهموني بالغرور. فتحمست لمواصلة التدوينأرسلتحلقة منها إلى جريدة القدس العربي،لكن الشاعرأمجد ناصر رحمه الله، اقترح نشر الرواية بالكامل في الجريدة، ولم يعلم أنَّ ادون حلقاتهايوميا؛ولم  تكتمل بعد، ولا أعرف كيف ستنتهي؟غير أنَّ ساعات الاستغراقبالكتابة كانت من أروع وأثرى أيام حياتي في حينها، ذلك أنَّ السطور كنت أراها غارقة بالدمع والحسرات والثمالة والشهقات والدهشة. فجأة توقَّفتُعن الكتابة، وفكرتُ بإعادة كتابة حياة باسلة بلغة إنجليزية، بعد استيعابي وتمكُّني من اللغة، لكن الغربة أكلت طموحي ذلك،فأهملتحياة باسلة أربع سنوات ثمَّ عدتُ وكتبتها مرَّةًأخرى، لكن هذه المرة لم أتوقف،إنَّما عزمت أنْ لا أضع إصبعي على نبع نزف جرحي حتى أصل إلى نهاية المطاف.

ويشير:- هكذا خرجت حياة باسلة بعد إعادة ترميم استمر طويلا، كنتُقلقا،وخشيتُ أنَّ جهدي سيذهب عبثاً في نهر سراب، كنتُ أبحثُ عمَّنْ لا يجاملني حين يقرأهاأرسلتها إلى الروائي”حمزة الحسن، وتأخر ردَّه أسابيع، كاد حينها قلبي أنْ يتوقف من هواجس الفشل؛حتى وصلتني رسالة يقول فيها ؟؟ لقد دوَّختني يا حسن.. اللعنة عليك، لقد كتبت رواية صعب أنْ تُنسى، صاربوسعك الموت مطمئنا الآن.فشجعني أنْ أبعثهاإلى صديقيعلي حسين عبيد، وكانت إجابته مدهشة، اذقال حتى لو توقَّفتَ عن الكتابة لا يهم بعد الآن، ثم أرسلتهاإلى الروائيوارد بدر السالم،ففوجئت بهِ يكتب عن حياة باسلة على صفحته في الفيس بوك،ولادة روائي مغاير سيكون له بصمة في عالم الرواية،سطوره النبيلةجعلت عيني تثمل بالدمع.بعدها تأكدت أنَّ حياة باسلة هي باسلة حقاً.

فقرَّرتُ إرسالها– يواصل حديثه- عن طريق البريد الإلكتروني إلى دار العين المصرية بناءً على مقترح من الروائي”صموئيل شمعون المشرف على موقع كيكا الأدبي الشهير، فجاءني الرد بعد أسبوع بموافقة الدار على نشرها على حسابها الخاص، وطلبتْ مني الموافقة على ترشيحها إلى جائزة البوكر العربية. الرواية كتب عنها أكثر من ثلاثين كاتبا وناقدا بعد صدورها عام 2012. اخيرا قال:روايةحياة باسلةالقريبة إلى نفسي، هي منْ أدخلتني إلى عالم السرد من أوسع أبوابه،وهي حكاية حياة العراقيينالمهمشين، الذين صارعوا كف الموت في الحروب والحصار، وعبروا إلىالضفة الأخرى لمقارعة كف الجحيم ،الذي مازال يستعر في ضلوع الوطنحتى الآن.

1

 

(Visited 9 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *