نعيم عبد مهلهل
في واحدة من ذكريات المكان والتي دونتها احتراماً للحظة الغرام التي سكنت قلب ماري المسيحية التي جاءت مع عائلتها التي تدير نادي الموظفين في الجبايش، من أجل الفتى شبوط وكيف قرّرا أن يذهبا إلى الناصرية ويحضرا سوية فيلم عبد الحليم حافظ ونادية لطفي (أبي فوق الشجرة) الذي كان يعرض وقتها في سينما البطحاء الصيفي، ويبدو أن شبوطاً لم يحتفظ مع سعادته بوجود حبيبته معه في نفس المكان بجمال تلك الذكرى، بل احتفظ بشحنة الذكورة والعاطفة والإحساس الغريب الذي امتلكه يوم رأى نادية لطفي مرتدية المايوه وترتمي في أحضان عبد الحليم، وهو يطلق في فمها قبلاته الطويلة مع عذوبة أغنية (إلّي شبكنا يخلصنا).
لكن لا أحد يخلصُ ابن ريكان من محنته مع إحساسه الجديد حين رأى نادية لطفي على ساحل البحر المتوسط تعرض إغراء سحرها القبطي من خلال مايوه السباحة، حيث لم يتعود يوماً أن يسبح في قيض الأهوار من دون أن يكون عارياً من كل شيء، وأن عليه أنْ ينتبه بعدم وجود إنسان يراقبه وخصوصاً الإناث أثناء سباحته وهو متعرٍ (ربي كما خلقتني).
وحين يصدف أن تمر بعض إناث القرية من ضفاف الهور حيث الأطفال يسبحون عراة: يصبغ خدودهن (المستحى) ويرددن بصوت واحد: «يَعْ.. يَعْ… غَديِّ غديِّ. ذوله الملايجه ما يستحون..!»
الآن كبر (المَلِجْ) شبوط، ولم يعد بمقدوره أن يشارك الجاموس قيلولته ويسبح قربه وهو عار من كل شيء…
فحتى الجاموس ينتبه إلى أعمار من يسبحون، فحين يخلو المكان وسط الهور من الرقيب ترغم الشمس بعض الرعاة أن يخلعوا ثيابهم ويستحمّون وهم عراة، ولأنهم كبار وبالغون، إناث الجواميس تغلق أجفانها وتدير رقابها بعيداً خجلاً من إباحية هذه السباحة الذكورية.
وهكذا غيّر مايوه الممثلة المصرية شيئاً داخلياً في كيان شبوط، ولأنه يقدس حبيبته ماري التي يتبادل معها النظرات الصوفية وبعض الإشارات والهمسات العابرة فلم يرض أن يتخيلها كما بطلة أبي فوق الشجرة، محا صورتها من ذاكرته، ووضع فقط صورة نادية لطفي وجسدها المشحون بإغراء ألوان المايوه، ونام ليلته يتقلب من الشهوة الغريبة في فندق (وجنة الشارع) الذي يقع أمام متصرفية المدينة لرخص سعره بعد أن أقفلت الخانات في منطقة الصفاة وسوق العبايجية وصار على المعدان في حالة اضطرارهم عمل في المدينة أن يناموا فيه.
ومع أول خيوط الشمس وقبل أن يذهب إلى الكراج الموحد ليعود إلى قريته، اتخذ شبوط قراراً لم يتخذه أي من المعدان قبله، عندما سأل عامل الفندق: أين يبيعون ملابس السباحة.؟
رد العامل: هناك في نهاية شارع الجمهورية الذي أمامنا في مغازة سيد علي.
دلف إلى المغازة، يفتش عن المكان الذي تعرض في ملابس السباحة، حيث قرر أن يشتري واحداً له، وآخر مايوه نسائي…
تعجب السيد لأنه شكل شبوط يوحي تماماً ببيئته وسأله: عرفنا هذا اللباس لكَ. ولكن المايوه النسائي لمن تريده.
رد شبوط وبجرأة: سترتديه نادية لطفي وهي تسبح معي في مياه هور قريتنا.
ضحك السيد وقال في نفسه: ها نحن نتصبح اليوم بفالنا مع المجانين..!