د. أحمد نزال يكتب عن «مثلث الهذيان »

د. أحمد نزال يكتب عن «مثلث الهذيان »

بالمصادفة اطلعت على قراءة نقدية كتبها د. احمد نزال الاستاذ في
الجامعة اللبنانية/ كلية الآداب في صحيفة الاثير الثقافية. عن كتاب )مثلث
الهذيان(، تحت عنوان «مثلث الهذيان جنون اللغة وهذيان الذات في
نصوص مرتجلة ..»
واذ احيي د. نزال على مبادرته وحرصة على رصد المستجدات على الساحة
الابداعية بودي ان أشير الى بعض الملاحظات , ليس دفاعا مجردا عن
المادة المقروءة انما تقصيا للحقيقة وانحيازا للموضوعية في الممارسة
النقدية المحترفة.
يتعرض الدكتور النزال في البدء الى المقدمة التي تصدرت الكتاب بالإيضاح
والتحليل ، ولكن ما قام به لم يرق الى المداخلة الجادة المتأنية.. و عليه
سأورد أهم الملاحظات التي حرضتني على الرد على ما جاء في المداخلة..
والملاحظة الاولى ان الناقد لم يكن دقيقا في الاقتباسات المرصودة في
النص المقروء ولم يحصرها بعلامة التنصيص بغية الضبط ، و على سبيل
الامثلة ما اورده الناقد في المواضع التالية :
قال «يرى الشاعر أنّ الشعر، بعد أن يعتبره “ضروريًّا”، هو نصٌّ متحررٌ،
ويعني التحرّر من الشكل » ، والحقيقة لم ينص الشاعر على التحرر من
الشكل بالحصر . اذ نص على ما يلي: « نحرره من الصرامة والارادة و كدّ
الذهن ..لنترك النص حرا يفعل ما يشاء كما يشق النهر مجراه .»
وقال : «.. ثم يوضح )الشاعر( في المقدمة أنّ كلمة “ارتجال” ليست دقيقة
ومطابقة.. بينما نص القول هو: « قد لا تكون كلمة «ارتجال » دقيقة و
مطابقة » . فقد اسقط الناقد كلمة )قد( ، و لا يخفى اثرها على المعنى.
وقال : «ثم يراه )اي يرى الشاعر النص( مغامرة في الفكرة والصورة
واللغة، قد تفضي إلى إنتاج إبداعي جديد.. »، ونرى ان العبارة الاخيرة «
قد تفضي ……الخ » تلفيق واضح لم يقل به الشاعر، وقد جاء في سياق
قول الشاعر المقتبس با علامة تنصيص فكان ضمن قول الشاعر، وان كان
من توصات الناقد ففيه شيء من الاستخفاف لا يتناسب مع النقد الرصين.
ثم ينتقل الناقد الى المتن الشعري ويسجل اول اعتراضاته على خلو
النصوص من العناوين ، فيقول: « عمد الشاعر إلى إفراغها من عناوين،
على الرغم من أهمية هذه الأخيرة، بوصفها نصًّا أوّل، يقدّم من خلاله
إشارات دالة على مضمون النص.. » والمفارقة في تأكيده على أهمية
العنوان انه أهمل عنوان الكتاب «مثلث الهذيان » فلم يتطرق اليه بكلمة
! ثم ان ما أورده مردود اذ لا يعد العنوان شرطا حتميا في بناء النص
الشعري , فقد ينضوي كثير من النصوص تحت عنوان واحد , و من الممكن
عد عنوان الكتاب عنوانا لكل نص , يعني هناك عنوان شامل رابط لسلسلة
النصوص.. ثم ان القصيدة العربية منذ المعلقات تورد با عناوين , والا ما
هو عنوان قصيدة امرئ القيس او طرفة , مثا ! فاذا رأى الناقد شرط
العنونة بأنه من متبنيات النص الحديث ، فا وجود لمثل هذا الاشتراط ،
مع انه تقليد متبع و شائع.
ثم يبدأ الناقد )محاكمته( للنص كما وصف قراءته .. والمحاكمة تحيل الى
وضع النص موضع الاتهام و هذا يحيل الى موقف ضدي هدفه الإدانة
ليجعل من مداخلته مقتصرة على تقصي السقطات أو افتراضها ، فيعترض
على وجود المفردات الاجنبية و المفردات المحلية )العامية( ، ويسأل ساخرا
عما اذا كانت تلك محاولة للتجديد ؟! والرد على الحكم المتعجل بما يلي :
يعلم سيدي الناقد ان النص المعاصر نصّ واقع ، نزل الى ادنى الحلقات
بعد ان كان الشعر يطل على الحياة من برج عاجي ، يجمل القبيح ويقبح
الجميل , فا تلميع بلاغي هنا ولا صور )يوتوبيا( ، الواقع تعبر عنه صورته
الملموسة المحسوسة … ف) under ground ( اسم مطعم ، فماذا يقترح ان
يسمى المطعم؟ خاصة والنص يقول : وأكلنا في …… ثم انك تجد مختصر
w.c( ( في كل مكان من العالم , فهل يأنف منها النص ؟. و عندما يقول
الشخص : طبق )فوكه( ، الا يفهم بأن )الفوكه( طعام ؟ ربما يحتاج النص
هامش توضيحي ، معك حق في ذلك .. لكن كل هذا ليس من اولويات
النقد.
اما قول الشاعر : الشعر فوق اللغة ، فهو يقصد ما يقول.. فالشعر فن
سامِ واداته اللغة ، بمعنى نطوّع اللغة من اجل الشعر والعكس غير
صحيح ، فا نطوّع الشعر من اجل اللغة، لان الغاية تكمن في الشعر
وليس في اللغة.
يحيل الناقد مقاربته الى استنتاجات عجيبة خارج الممارسة النقدية اذ
يقول: « وإنْ يكن الشاعر العراقي صاحب الديوان يفخر بصداقته مع
الشاعر اللبناني )فان(….. » ولا ادري من اين أتى بهذا الحكم النقدي
الحاسم ؟! .. كل التقدير لأصدقائنا لكن ذكر شخص لا يعني الافتخار به
، وهذا لا يخدم المداخلة بل اجده من فائض القول غير المدعوم نصيا.
بمعنى ليس في النص اشارة على الافتخار!
ثم يرى الناقد «إلا أنّنا نجد أنَّ هذا “الطرق” وتلك “المقاربة” لا تعدو
كونها بنية سطحيّة اتخذَتْ من تغيير الشكل مِتراسًا لها، ولمَّا تزلْ واقفةً
خلفَه. » و تستمر المحاكمة : «ما وجدناه في ثنايا النصوص في ديوان
غابت عنه الصور، وغاب معها الجمال ».. و للرد على ذلك نقول : ان
هذه الاحكام مقبولة لأنها بنيت على قراءات )مرتجلة( و متعجلة ، فلربما
أصيب الناقد بعدوى الارتجال ! لذا يطلب الشاعر تمييز الحكم بإعادة
قراءة النص و بتروٍ .. لكن يبدو ان ذائقتنا اعتادت على الاسترخاء و
التلقي با تأمل أو حثّ ذهني، و قول الناقد )بنية سطحية( وصف صحيح
بحدود قراءته الفوقية، أي كأنه ينظر من منطاد نحو ارض غريبة فعجز
عن الدقة و الوصول …

(Visited 19 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *