داغستان بلدي والأهوار ولدي
نعيم عبد مهلهل – كاتب عراقي
يكتبُ الأسطوري رسول حمزاتوف في كتابه النثري الأثير (داغستان بلدي)، جملتهُ الرومانسية الهائلة التي تقول: (ليس هناك موسيقا أجمل من صوت المطر).
وكانت هذه الجملة نافذة من نوافذ فردوس أرواحنا حين تعود موسيقا القطرات الهاطلة من السماء لتذكرنا بجمالِ أماسي سعادة القصب حين يبلل المطر سيقانه، وتقفز الأسماك في مرح طفولي في شتاء قصير تعيشه أهوار جنوب العراق في كل عام.
ويوم قرأ شغاتي (داغستان بلدي) في حلقاتها التي كانت تصلنا منشورة في الصفحة الأخيرة من صحيفة الفكر الجديد الأسبوعية وبترجمة سعدي يوسف قال: إذا حمزاتوف يقول: داغستان بلدي، فالأهوار بلدي وولدي.
هذا البلد والولد لم ينل من أحد ذات العاطفة التي خلد فيها الشاعر الداغستاني بلده، ربما فعل شاعر من أهل الجبايش هو (مجيد جاسم الخيون) في تأليف مدائحه للمكان الذي عاش وناضل ومات فيه، ومنها قصيدته الشهيرة (يا هور الجبايش… لا تسد الشط)، وكذلك هناك مديح لأطياف المكان وسحره في قصيدة مظفر النواب (الريل وحمد)، لكن كتاباً مستقلاً في مديح المكان بشكله الملحمي والشعري كما فعل حمزاتوف مع داغستان وبيئتها الجبلية الساحرة، ولم أصادف أو أقرأ بمن يتفرد بشيء لهذا المكان الذي كان بالنسبة لأهله عرب المعدان والحمايل الأخرى البلد والولد كما قال شغاتي.
لكن الرحالة والمغامرين الأجانب اقتربوا كثيراً من تسجيل وقائع المكان وألّفوا كتباً كثيرة منها (المعدان) و(قصبة في مهب الريح) وغيرها، لكنهم بالرغم من اقترابهم من حياة القرى الطافية فوق الماء إلا أنهم لم يقتربوا من روح المكان كما اقترب رسول حمزاتوف من روح داغستان.
وقتها كنت أفتّش في المكتبات عن مبدع يعطي لمكان ولادته وصباه وشبابه ما يستحقه من مديح، فلم أجد هذا بالمفهوم الملحمي لهذا الولاء الروحي الذي سكن قلب الشاعر الشيوعي ليتخطى صرامة الانتماء للشغيلة والفلاحين ليؤسس في خواطر حبه إلى بلده أناشيد في غاية الرومانسية في تسجيل وقائع المكان الخفي والساحر، وتلك القرى التي تشبه قناديل البحر، وهي تغادر بيئتها لتلتصق بالجبال وتسرح كرعاة الأغنام التتر في المراعي الغنية، وليس معهم سوى موسيقا الناي والمطر.
ظلت عبارة داغستان بلدي والأهوار ولدي بالنسبة لي تعويضاً روحانياً في عمق مشاعر المعدان وهم ينتمون إلى وطن من الماء والقصب، ويشعرون فيه أن الجواميس هي من بعض فلذات الكبد.
شعور غارق بفنتازيا جميلة بقيت تلازم مشاعر عامل الخدمة في مدرستنا، حوّلته ليكون شاعراً في بعض الأحيان بفضل اللحظات التي ينتظر فيها الزورق الذي يجيء بالجريدة الأسبوعية (الفكر الجديد) وهي تحمل أناشيد الرجل الذي كنا نعتقد لو أن لينين على قيد الحياة وقرأ قصائده، لهمس له: سأضعك في ذات المكانة التي لتولستوي في قلب روسيا