الثنائيات الصدئه في اعمال التشكيلية سميره عبد الوهاب

الثنائيات الصدئه في اعمال التشكيلية سميره عبد الوهاب


د. حسن السوداني

منذ عهد سحيق من تاريخ البشرية شغلت فرضية الثنائية (Binary Assumption) ذهن الانسان ودعته للخوض في تداعيات فكرية انعكست على الكثير من تفاصيل حياته ولعل اشهر تلك الثنائيات ما ورد في المرويات الدينية واقصد هنا تلك الثنائية الضدية التي وقع فيها النبي ابراهيم في بحثه عن الاله (فلما راى الشمس بازغة قال هذا ربي فلما افلت قال يا قوم اني بريء مما تشركون ) فثنائية البزوغ والافول كانت حاكمة وحاسمة في تحولات النبي ابراهيم الفكرية ويمكن رصد هذا الصراع في النتاج الفكري الاسطوري (الموت والخلود) في ملحمة كلكامش, حيث نجد بروزا واضحا لفكرة الثنائيات الضدية ايضا (الوجود والفناء) (الخير والشر) وغيرها ممن يكشف عنه نص الملحمة غير ان بروز تلك الثنائيات في الاعمال الادبية كان اكثر وضوحا منه في باقي النتاجات الابداعية فنجده واضحا في الرواية والقصة والدراما والشعر القديم والحديث مثل قول النابغة الجعدي:
وان جــــــــــاء امــــــــــر لا تطيقــــــــــان دفعـــــــــه
فــــــلا تجزعـــــــا ممـــــــا قضـــــــى الله واصبرا
ألــــــــــــم تريــــــــــــا ان الملا مــــــــــــة نفعهــــــــــــا
قليل إذا ما الشــــــــيء ولى وادبرا
فتبرز ثنائيات (الجزع والصبر) و( البقاء والادبار) ورغم وجود هذه الثنائيات بكثرة في الفنون التشكيلية لكنها لم تلقى تسليطا كافيا من الضوء وهو ما تحاول هذه المقالة الكشف عنه في اعمال الفنانة التشكيلية سميرة عبد الوهاب .
واول ذلك الظهور في اعمالها نجده في عنوانات معارضها (الفردوس المفقود) فكلمة المفقود هنا هي تورية لكلمة (الجحيم) الضدية لكلمة الفردوس، فجائت كلمة المفقود معادلة ذكية للجحيم الذي يحل هنا بغياب الفردوس، وعنوان معرضها الأخير في غاليري ننار حمل عنوانا يشي بهذه الثنائية ايضا (السكون.. ملونا) وقد اختارت كلمة ملون بدل كلمة صاخب المعادل الضدي لكلمة السكون… فاللون لدى سميرة يمكن ان يقوم بالصخب المضاد للسكون.
الكولاج
اذا ما تفحصنا سطح الملونة لدى الفنانة التشكيلة سميرة عبد الوهاب نجده سطحا قد استضاف اجسام خارجية عديدة كاوراق الاشجار او قطع من الكرتون سهل الطي تم توظيفهما بذكاء المجرب العتيد فكل جزء في اللوحة تم حسابه بدقة متناهية ، غير ان اللافت للانتباه ان اللوحة لديها قد انشطرت الى نصفين متكافئين حجما ومختلفين مضمونا متلاعبة باللون الى درجة توظيف المعنى الخفي للثتائيات الضدية لديها.. فتجد ان نصف اللوحة يعيش صراعا واضحا مع جزئها الثاني دون الشعور بالتنافر الشكلي بل العكس تماما تجد نفسك امام صراع يكمل بعضه بعضا فاذا كان البعض يرى هذه الأضداد تكمل بعضها البعض ليتحدا معاً مكوّنين الوحدة الأصلية، بينما يرى آخرون أن هذه الأضداد تقوم على صراع أبدي بعضها مع بعض لا يلتقيان مباشرة بينما يطارد احدهما الاخر بشكل دائم.
والثنائيات الضدية في الفن التشكيلي حالها حال عموم الثنائيات تشترك بصفتها ثنائيات كونية، علاقتها بالوجود علاقة حية ومتلازمة كثنائية النور/ الظلام، والبقاء/ الفناء. وهي بمجملها تشكل منظومة فكرية فلسفية دينية أسطورية علمية نقدية، وتتجلى في الكثير من الموضوعات ويمكن تلمس ذلك من خلال مقولات الفنانة نفسها حيث تكتب:
(استخدامي للون هو اللغة الصامتة التي اعبر بها عن الفرح والوجع وعن الحزن، فأنت تجد اللوحة وتقرأها من خلال اللون المستخدم و (التونات) التي استخدمها) فالفنانة هنا تضع الثنائية الضدية (الفرح.. الحزن) للتعبير عن الالم الذي يعاصر الناس في العراق بسبب ما مر به من ويلات ومصائب).
ان تجسيد معتى الثنائية الضدية عبر الفنون التشكيلية يتطلب بعدا فلسفيا مدفوعا بعوامل نفسية اكتنزها الفنان عبر خبرات متتالية وعبر سنوات طويلة وهو ما يمكن ان يكون مطابقا لتلك الخبرات التي مرت بها الفنانة سميرة عبد الوهاب عبر حياتها الشخصية او الفنية اهلها لانتاج لوحة تملك اسرار الثنائيات الضدية ذات التأثير القوي في أحداث الصراع داخل اللوحة مصرة على استمرار الحياة في متونها ، وتُظهر الثنائية لديها كمنظومة فكرية فلسفية حياتية متكاملة، وتبنى على أساسها الإيقاع الثنائيّ للعالم، وبنيته لأنه مرتبط بالتضاد، والتوازي، وكلّ طرف من طرفي الثنائية يسوّغ وجود الآخرفالليل يطرده الصباح رغم اهمية الليل الاستثنائية للحياة ‘ وهي هنا تختصر حركة الحياة وفعاليتها باللون وتدرجاته واللعب على سطح الملونة بمهارة تقتية ودربة بصرية عالية.

انطولوجيا
ولدت في بغداد عام 1944. درست وتخرجت من جامعة بغداد وحازت على بكالوريوس إدارة واقتصاد عام 1968. درست وتخرجت من معهد الفنون الجميلة في بغداد وحازت على دبلوم فن الرسم اقامت اول معرض شخصي في نادي العلوية في بغداد عام 1971
أسست وافتتحت قاعة بغداد للفنون التشكيلية في بغداد 1993. وانتخبت سكرتيرة اتحاد التشكيليين العرب ومديرة متحف الفن الحديث, واشتركت في عشرات المعارض الجماعية في مختلف دول العالم, اقامت معرض شخصي بعنوان ” الفردوس المستعاد ” في كاليري نظر في الحمامات في تونس وشاركت بعشرات المعارض المشتركة في مختلف دول العالم كما أقامت معرضها الشخصي الاخير (السكون ملون) في غاليري ننار بمدينة مالمو السويدية.
تقيم الان في مدينة يونغ شوبنك في السويد.

(Visited 53 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *