فارس آل سلمان – رئيس الهيئة الادارية لمنتدى بغداد الاقتصادي
العدالة عبارة عن عقد اجتماعي إنساني يُركز على تحقيق التوازن بين جميع أفراد المُجتمع من حيث الحقوق، وينظم تطبيقها بأنظمة وقوانين يقوم بوضعها اشخاص ذوي دراية و تخصص. و منتخبين بطريقة حُرة دون أي تحكُّم أو تدخُّل، بهدف تحقيق العدالة و المساواة فضلا عن نشر المحبة والأُلفة بين جميع افراد المُجتمع.
ان شعور المواطن بالإنصاف والرضا يجعل المجتمع متماسك وقوي في حين ان الظلم يشيع الحقد والكراهية والحسد والبغضاء ويعمل على تفكك اواصر المجتمع و يؤدي الى ثورات و انتفاضات.
ان غياب العدالة يشرعن قانون الغاب و يسمح باعتداء القوي على الضعيف واغتصاب حقوقه و فرصه في الحياة او امواله او دمائه بغير وجه حق. وبالتالي فان هذا السلوك غير السوي يشكل تهديدا للسلم الاهلي و يعمل على تدمير المجتمع و انهيار الامن المجتمعي.
أنواع العدالة:
1- عدالة المساواة:
وهي التي تساوي بين الاجناس و الاعراق و الاديان.
2- العدالة السياسية:
تكفل حق المعتقد السياسي، حق الترشح ، وحق العمل السياسي.
3- العدالة الاجتماعية:
تلبية الاحتياجات المعيشية والانسانية من غذاء، مسكن، الخدمات الطبية و التعليمية، و توفير فرص العمل فضلا عن العيش بسعادة وبلا قهر.
4- العدالة الاقتصادية:
وهي فلسفة التوزيع العادل للثروات، من خلال وجود نظام اقتصادي يرتكز على العدل في العمل والحقوق، وتوفير المستلزمات المعيشية لجميع افراد المجتمع من دون تمييز أو تفريق. بعيدا عن الانحياز الحزبي و الطائفي و المناطقي و العرقي.
5- العدالة القضائية:
تعد العقوبة وسيلة يُدين بها المجتمع أي عمل إجرامي بوصفه انتهاكاً للقواعد المشتركة التي يعتمد عليها المجتمع. لذا يجب ان تكون شدة العقوبة متناسبة مع خطورة الفعل المرتكَب بما يؤدي إلى تصحيح الخلل المعنوي الناجم عن الجريمة.
ان العدالة القضائية هي الحق في إجراء محاكمة عادلة ومتوازنة مع الجرم المرتكب من خلال العقاب على قدر الجرم مع الحفاظ على الكرامة الانسانية وعدم انتزاع الاعتراف بالاكراه.
وانبثق مؤخرا مصطلح العدالة الانتقالية:
وتركز على المسائله وجبر ضرر الضحايا وتعترف بكرامتهم كمواطنين وكبشر. وتهدف هذه العدالة الى تجديد ثقة المواطنين بالدولة و الكيان السياسي وان يكونوا على يقين بالأمان في بلدانهم و في مأمن من تجاوزات سلطاتهم وتحت حماية فعالة من أي انتهاكات من قبل الآخرين.
بمعنى آخر تكريس عدم الافلات من العقاب.
فجرائم الابادة الجماعية والانتهاكات الممنهجة تهدف لتدمير المجتمعات
و تحدث هذه عندما تكون المؤسسات السياسية والقانونية في الدولة مثل البرلمان والقضاء والشرطة و الادعاء العام (النيابة العامة) ضعيفة وغير مستقرة ومسيسة او تعاني من نقص الموارد. وهذا يؤدي الى اضعاف المجتمعات وتفكيكها و هدم مؤسسات الدولة و كيانها السياسي. وبالتالي تحولها الى دولة فاشلة في طريقها للزوال.
نعود الى فقرة العدالة الاجتماعية …هناك من يمزج بين مصطلح الرعاية الاجتماعية و مفهوم العدالة الاجتماعية …الرعاية الاجتماعية هي نظام يهدف الى تأمين مستوى مناسب من الحياة لجميع افراد المجتمع.
في السابق كان هذا النظام يستهدف الفقراء و الفئات الحساسة في المجتمع و تحول لاحقا ليصبح حق من حقوق جميع المواطنين بل اصبح نظام التزام انساني و اخلاقي يهدف لاحداث تغييرات ايجابية في المجتمع تقوم بدورها بتحقيق العدالة الاجتماعية.
ان الرعاية الاجتماعية مسؤولية من مسؤوليات نظام الحكم السياسي بل ومن واجباته الحكومية التي تتسم بالشمول و التكامل وتتضمن تقديم:
أ- الخدمات التعليمية.
ب- الخدمات الصحية والوقائية و العلاجية.
ج- تأمين البيئة الاجتماعية من اسكان و حماية البيئة.
د- تأمين الامن الاقتصادي من توفير فرص عمل، و تقديم المساعدات العامة و التأمينات الاجتماعية و التدريب الفني و المهني و خلق تنمية مستدامة.
ها- صيانة الامن الاجتماعي وتشمل برامج رعاية الشباب، رعاية الاسرة، رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، الضمان الاجتماعي، اعانات البطالة، نظام ضريبي ذكي و متوازن، فضلا عن محاربة الاقطاع و هيمنة العشائر الحزبية.
ان خلق تنمية مستدامة مبنية على تكافوء الفرص و المساوة و العدالة و التوزيع العادل للموارد و الاعباء وعدم استنزاف الموارد يحقق العدالة بين الاجيال.
فضلا عن ان القضاء على الفساد الاداري و السياسي و الاخلاقي، وتنشيط القدرات الانتاجية الزراعية و الصناعية وجعل السياسة المالية و النقدية في خدمة الاقتصاد الانتاجي وليس الريعي او اقتصاد الظل او اقتصاد الاحتكار ، او اقتصاد مجاميع الكربتوقراطية او الاوليغارشية المقنعة و الاقطاعيات الحزبية، سيحصن المجتمع و يساعد على تهيئة بيئة مناسبة لتحقيق التنمية المستدامة.
كما ان محاربة الفقر و الامية البطالة و الاحتكار و التبعية التكنولوجية و التضخم و الديون و الجرائم المالية و جرائم التخريب الاقتصادي و الفصل الحقيقي بين السلطات التشريعية و التنفيذية والقضائية سينتج مجتمع متماسك و انتاجي بعيدا عن الانماط الاستهلاكية.
الان يبرز تساؤل مهم .. في ظل هذه المفاهيم عن العدالة .. اين نحن من تطبيق هذا النموذج المثالي للعدالة ؟
والجواب يتلخص في حال توفر ارادة سياسية وطنية لتطبيق هذه المفاهيم الانسانية والاخلاقية للعدالة عند ذاك تكتمل الصورة
عن موقعنا من تنفيذها ولكننا الان في مفترق الطرق هل ستظهر طبقة سياسية تمتلك هذه الارادة ؟ وهل تعي هذه الطبقة مسؤولياتها الاخلاقية و الوطنية ؟
اخشى ان تسفر الانتخابات القادمة عن اعادة انتاج ذات الطبقة السياسية مع اضافة برقع مهلهل من الوجوه الجديدة الطامحة للجاه و الثراء دون ان تقدم شيئا للشعب و الوطن. و عندها سيشطب الشعب العراقي 4 سنوات آخرى من الخسائر في عمر الوطن.
لننتظر و نراقب لنرى …