وسام رشيد
شهدت قاعة كلكامش بفندق بابل وفي الجلسة الافتتاحية لملتقى الرافدين الذي عُقد في بغداد حالة تصفيق استثنائية،وبحماس شديد، يبدو إن حالة إجماع ورضا إنتابت جمهور الحاضرين من رئيس الجمهورية، لرئيس البرلمان، ورؤساء كتل ووزراء ووكلاء ونواب وسفراء دول ورؤساء مؤسسات مجتمع مدني دولية مهمة ومعروفة، ومدراء عامون، لم تتكرر هذه الحالة ولم يكن هناك مثيلاً لها منذ بداية الجلسة.
كان ذلك أثناء المقابلة التي أجراها الصحفي اللبناني من قناة الميادين مع رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الذي قال ما معناه إن هناك اتفاق شعبي ورسمي عراقي على عدم التطبيع مع الكيان الاسرائيلي الغاصب للحقوق الشرعية الفلسطينية.
هذه الكلمات استوجبت ردة فعل مؤيدة وسريعة بدأت بتصفيق الحاضرين بحرارة شديدة، وبعدها توالت العواجل الفاعلة في أغلب القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية والمجموعات الاخبارية التي يرتادها جمهور واسع من الصحفيين والمهتمين بالشؤون العامة.
بدت الكلمات كأنها تُطلق لأول مرة رغم إننا رصدنا منها العشرات من مختلف التوجهات السياسية والمجتمعية في العراق، ورغم إن هناك بعض الرؤى التي تطرح افكاراً جريئة خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي المتاحة تدعو لفتح صفحة جديدة مع دولة اسرائيل المعترف بها دولياً حتى من غالبية الدول العربية بما فيها السلطة الفلسطينية ذاتها في رام الله.
لكن هذه الدعوات لاقت انتقادات واسعة من قبل عامة المدونين والناشطين في على السوشيال ميديا، انتقادات نابعة من عمق ثقافة عراقية متجذرة لاكثر من ستين عاماً تُحمل اسرائيل كل الكوارث التي حلّت بالعالم العربي منذ تأسيسها والى الآن.
الثقافة الشعبية المتراكمة منذ عقود بنيّت على أنقاض حروب ومعارك وضربات عسكرية واعلامية واقتصادية ومخابراتية وعلى اكثر من صعيد وبكافة مستويات الدولة العراقية ومؤسساتها العسكرية والامنية والتعليمية وحتى الخدمية جميع تلك الانقاض الملوّثة كانت إحدى أسبابها المهمة هي اسرائيل.
وبطبيعة الحال إن افراد الشعب العراقي هو انعكاس للحالة السياسية القائمة، يتأثر ويؤثر بما يقوّض مصالح البلاد العامة، وانتشار فكرة الكيان السياسي الغاصبدوالمدعومرمن قبل دول تستبد بمقدرات المنطقة أمر مقبول، بل ويشكل عقيدة في الاوساط الشعبية العراقية حد التشدد، وربما التطرف بذلك، اذ يتهم العراقيون كل ما يجهلونه ويشكون بولائه بإنه صناعة اسرائيلية او موجه من قبل الكيان اليهودي في فلسطين.
جائت كلمات الحلبوسي في هذه المقابلة منسجمة تماماً قناعة سياسية حزبية ايضاً كانت حاضرة في الجلسة، وعلى مستوى عالٍ، كانت رسالة رسمية مُدعومة لأطراف داخلية وخارجية تذكرهم بإن خيّار التطبيق ليس متاحاً كما تحاول ترويجه بعض الدوائر المستفيدة أو الموجهة، فهو يرتبط بالفَهم العراقي المشترك لقضية الامة المركزية، والحقوق التأريخية لشعب فلسطين المسلوب، والتآمر على الدول العربية وتحطيم مستقبل ابنائها وتجريف القيّم الإيجابية السائدة وزرع بذور الشقاق وتحشيد المجتمع الدولي وتضليله بما يخدم مصالح الكيان الغاصب.