محمد السيد محسن
ما يربطني انا وغنيده .. بطلة احدى قصائد مظفر النواب .. اننا الوحيدان من الاحياء اللذان كنا بطلي قصيدتين لمظفر النواب.
مظفر النواب لا يمدح في قصائده الا الاموات .. بيد انه يهجو الأحياء.
لكنه كتب قصيدة عن فتاة كانت تزورهم في دارهم , وكان اسمها “غنيده” .
كما كتب لي قصيدة بعد وعد لي لم اف به لأسباب قاهرة .
وحكاية القصيدة التي تخصني كانت في صيف عام 1997 حين قررت الهجرة وفشلت في الوصول الى هدفي , حيث توجهت الى يوغسلافيا في نهاية شهر حزيران متجها من دمشق , وهناك حاولت ان التحق بركب العابرين مشيا على الاقدام الى اوربا الغربية عن طريق النمسا , لكن الامطار الكثيفة وعوالق اخرى اجبرتني على العودة الى دمشق.
اتصلت بمظفر النواب صباحا كي يرسل لي رقم برقية العودة , حيث اننا كمعارضين لنظام صدام حسين لم نكن ندخل سوريا بشكل رسمي , بل ان السوريين كانوا يقدمون لنا مساعدات قد نتجاوز بها القانون المستخدم وندخل بنظام الاستثناءات , والاستثناء هنا هو رقم برقية الدخول .
وحين يسافر مظفر الى اوربا او ليبيا كان يتصل بي احيانا , واخرى يتصل بجمعة الحلفي الشاعر الشعبي والصحفي كي نبلغه برقم برقية الدخول بعد مراجعة “مكتب شؤون الجماهير” وهو الجهة التي تنظم شؤون العراقيين في سوريا ويشرف عليها كادر من قيادات حزب البعث تنظيم العراق.
في اليوم التالي اتصلت بنفس الوقت واعطاني رقم البرقية فكتبته على غلاف ورقي صغير جدا يغلف به عود تنظيف الاسنان , يوزع في الطائرة مع وجبة الطعام. وكان ذلك بمثابة الفيزا التي من المفترض ان تدخلني دمشق عبر مطارها.
وسألني مظفر متى ساعود قلت له يوم الاثنين ان شاء الله .. قال اذن يوم الثلاثاء نتناول “باميا” عندك .. واصبح بيننا وعد ووليمة مع جمع من الاصدقاء.
ما حصل ان اوربا في تلك الايام “مطلع تموز” عام 1997 تعرضت الى موجة امطار غير مسبوقة , اضطرت طائرتنا ان تنزل في مطار “بريشتينا” وبقينا هناك لمدة ثلاثة ايام . ثلاث ليالي مرعبة حيث الحرب الاهلية كانت على مقربة من بريشتينا, لكن المطار كان محميا .
وحين وصلت الى دمشق عبر تركيا , وجدت ورقة دست في الباب وكتب عليها بخط مظفر النواب قصيدة .. اصبحت فيما بعد من اجمل الاغاني التي يحب ان يغنيها ابو عادل مظفر النواب حين يسترخي في جلساته مع الاصدقاء.
وكانت كلماتها كالاتي :
نطرنالك دهر ما جيت
رزة وباب وشبابيج
خضرن من مدامعنا
كون الوكت بس وياك
بلاياها الأوادم كلها والجنة
وزا توازينا موش اغراب
بجانه القفل بالباب
لكينا السلف متغير
مثل ديرة غرب .. خلف الله جنه احباب
ردينه انتعارك وي بواجينه
ولا شبيبيج يحاجينه
عساها بالكصب يفلان
لوعتنه
ومدامعنه
وتراجينا
عساها تخضر التينه
نلم بفيها السواليف
راحة بال
وخبزة
وستكين جاي
تكفينا
وعلى ركبك
مثل ما جنا واحنا زغار
ننسى اوراحنا
ونغفى لهذاك الصوب
ياخذنا السعف لله
ويرد بينه
—–
كنت مزهوا حين قرأت القصيدة … فمن انا كي يكتب مظفر النواب قصيدة لي ؟
وصباحا ذهبت االيه كي اعتذر منه , واتعهد ثانية ان نتفق على موعد وليمة “باميا” جديد , فشكرته على القصيدة .. وقتذاك قال لي : هل تعلم يا محمد انك وغنيده الوحيدان اللذان كتبت لهما وهما على قيد الحياة.
وغنيده كانت كما يقول مظفر .. بنت ام الكيمر .. التي كانت تأتي في بعض الصباحات , وتنتهز فرصة وجودها في دارهم عند امه , فتنظف ما تراه مستحقا للتنظيف , كي تحظى بهدايا ومكرمات من ام مظفر النواب.
ووقتذاك يقول مظفر : كنت صغيرا , واخرج مع ابنتها “غنيده” وكانت صغيرة ايضا , فنصعد على طوق المنزل وجدرانه ونلعب في حديقة المنزل واشجارها , واحيانا , اطلب من والدتي مبلغا كي اذهب مع غنيده لنشتري نعناع وحلقوم من احد المحلات القريبة منا .
كنا نمارس مشاكستنا فنطرق ابواب المنازل ونهرب , وكنا نستمتع بهذه المشاكسة , حتى اشتكى بعض الجيران , ومنعتني امي من الخروج , فيما سمحت لي ان العب مع غنيده في المنزل فقط.
وقال مظفر في تذكره لغنيده وايام الصبا :
رديلي الفرح رديت
معضد باب يبجيني
واحن حنة حمامة بيت
مثل الطوك
محني عكاده عل مهجور
يلتف العكد بيه
يعديني ثلاثيني
تايه والعكود تدور
يغنيده امس يا حلوة الحلوات
صار العمر طوفة طين
نتختل ورا النسوان والشياب
وندك المحلة الحلوة باب … ابباب
يا أول جرس ارعن نتل فرحة وكاحتنه
يا أول جرس انتلني
انتلني