نعيم عبد مهلهل / فرانكفورت
جنيجل ونعال إسفنج 14
يسكنني الألم حين أخبرني أحد التلاميذ أن هذا النتوء الذي ظهر تحت أهدابه ونسميه (الجنيجل) حتى يطيب على أمه وأبيه ضربَ مكان الورم سبع مرات بنعال إسفنج حتى يشفى، وأنهم لا يملكون مثل هذا النعل ويخجلون أن يستعيروه مني عندما يشاهدوني وأنا أرتديه في وقت أماسي استراحتنا أمام سكن المعلمين.
فأخبر التلميذ (هداد) أن ما يقوله خرافة. فلا يفهم معنى خرافة ويقول: سأسأل أبي عنها.
فأرد: حتى أبوك لا يعرف معنى خرافة.
فأشرح لتلامذتي أن الجنيجل عبارة عن نتوء أو حبة صغيرة محمرة ومؤلمة، توضع على جفن العين أو بداخله، ينتج عن إصابة خمجية حادة في الغدد الدهنية بجفن العين مما يتسبب بانسدادها أو قد ينتج عن إصابة خمجية في جريب شعيرات الأهداب، والسبب جراثيم المكورات العنقودية الذهبية وفي البداية يشعر المريض بوجود ألم و احمرار ويحس بوخزة، وشعوره بوجود حبيبات رملية داخل العين، ثم يظهر تورم وعدم راحة خلال فتح وإغلاق العينين، ثم يظهر الجنيجل واضحاً.
فلا يفهمون هذا الشرح وتبقى في قناعتهم أن نعل الإسفنج هو من يشفيهم وليس المراهم.
تألمت مما تمناه عواد لأعيره نعلي، فذهبت إلى بيتهم في المساء، واستقبلني أبوه بوجه بشوش وانتبهت أن الرجل لا يؤمن بهذا المعتقد، ولكن زوجته هي من تلح عليه ليجيء إليّ ويستعير النعل الإسفنجي. والآن أنا أتيت لأعيرهم إياه.
بادرني الأب قائلاً: نحن نشكرك يا أستاذ، وإذا تكرّمت رحمه لوالديك أرض أم هداد واضربه أنتَ بنعلك على مكان (الجنيجل).
ضحكت وقلت: إذا فعلت فإني سأقترف ذنباً وجريمة؛ لأني سأؤذيه ولا أشفيه.
سمعت الأم ذلك وقالت من وراء جدار القصب: نعم أستاذ أنت لا تستطيع أن تشفيه.
فقال زوجها غاضباً: إذا كان المعلم لا يشفيه، فمن يشفيه جدك سويلم يطلع من قبره ويشفيه؟
قالت: بل ملا جاسم وهو موجود في القرية.
قال الأب: إذن لا نحتاج إلى نعل المعلم، نعل الملا أكثر بركة.
قالت: لا نعل الملا يقولون عنه نعال (شطراوي) ثقيل وسيورم عين ولدي، النعال الإسفنج أخف.
فقط الأستاذ يترك عندنا النعال حتى مجيء الملا جاسم.
وهكذا مع رجاء الأم وتوسلها رضخت لطلب لا أؤمن بمعناه ومقصده وأعرتهم نعلي.
وعندما رآني أقف حافياً من دون نعلي.
قال: أستاذ أنت ضيفنا لحين مجيء الملا وضرب الجنيجل، وستذبح لك أم هداد ديكاً لأجل ضيفنا المعلم.
قلت: أشكرك لا أريد أن يكون ثمن إعارة نعال إسفنج ذبح ديك مسكين ربما هو عزيز لدى أم هداد.
قالت المرأة: إي والله عزيز أستاذ، ولكنه لا يغلى عليك ديك.
قلت: أشكركم وسأعود حافياً إلى سكن المعلمين.
حين عدت إلى مسكننا قرب بناية المدرسة وأنا أردد أغنية حسين نعمة (رديت وجدامي تخط حيرة وندم) وذلك بسبب أني أعرت نعالي لطقس غير تربوي وغير صحي وغير حضاري.
وحين رآني المعلمون أمشي حافياً ضحكوا وقالوا: أين نعالك الإسفنج.
قلت: أعرته لملا جاسم ليصفع به عين هداد حتى يشفيها من الجنيجل……!