مظفر النواب… ما قدمه للشعر الشعبي يشبه ماقدمه السياب للشعر الفصيح
قحطان جاسم جواد
توفي هذا الاسبوع الشاعر الكبير مظفر النواب بعد معاناة مع الغربة والمرض والاهمال والنسيان. ولي مع النواب غير حكاية بدأت من الاعجاب الشديد واقتناء كتابه الريل وحمد في مرحلة الشباب نهاية الستينات إلى فهم شعره ومواقفه وطبيعة شعره في مرحلة النضوج، الى اللقاء به لثلاث مرات اثنان في دمشق والثالثة مصادفة حين زار بغداد ثم عاد لدمشق. بداية حكاية الاعجاب مع ديوان الريل وحمد حيث لم نسمع عن شعر اخر في تلك الفترة بهذا العمق والمعاني والجزالة. ولأول مرة نقرأ شعرا لرجل على لسان امرأة في الشعر الشعبي وهي قصيدة الريل وحمد حيث تخاطب المرأة حبيبها الذي غادرها. كان الديوان بكل قصائده وحكاياته جديدا على الشعر الشعبي العراقي حتى قيل في حينها ان مظفر النواب فعل بالشعر الشعبي العراقي ما فعله بدر شاكر السياب في الشعر الفصيح، وجعله رائدا من رواد الشعر الحر بعد ابتعاده عن التفعيلة واحكام الشعر الاخرى. كما تضمن شعره العديد من الكلمات المعقدة التي يتناولها ابناء الاهوار(الحسجة) ثم عرفنا معانيها بعد ان تحولت القصائد الى اغان وفسرت كلماتها. وجاءت اول مقابلة او لقاء بمظفر النواب مطلع عام2004 وكانت لحظات تخللتها الاحلام .فبعد ان كنت اسمع واقرأ قصائده على الورق وقفت امامه وتحدثت معه …يالها من لحظات عزيزة جدا. تم اللقاء في دمشق اثناء اقامة مهرجان النواب الاول في العاصمة السورية دمشق برعاية خاصة من الرئاسة السورية واستمر ليومين ومدد ليوم واحد. وكان الشاعر الراحل عباس الحميدي رئيس جمعية الشعراء الشعبيين اشرف وحضر للزيارة. ودعاني كصحفي لتوثيق المهرجان والكتابة عنه. وأتاح لي الحميدي فرصة اللقاء بالنواب حين كنا نجلس على طاولة واحدة في مقر اقامتنا بفندق دمشق الدولي كضيوف للرئاسة السورية ،وكان على الطاولة نفسها الشاعران كاظم غيلان ورياض النعماني. واذكر سالته: لماذا لأتعود للعراق الان وقد زال سبب غربتك؟ ابتسم النواب وقال لن اعود للعراق مادام الامريكان مازالوا يحتلون البلاد. وفعلا لم يعد النواب للعراق رغم المغريات الكبيرة للسبب الذي قاله. باستثناء زيارة قصيرة لأيام قليلة عاد بعدها لغربته. المرة الاخرى التي شاهدته فيها ايضا في فندق دمشق الدولي في اليوم التالي للقاء الاول، بعد ان قرران يستمع لقصائد الشباب من الشعراء ممن لم تتح لهم فرصة القراءة في المهرجان واستمع لهم بعناية وقرران يكرمهم فالتقط صورا فردية مع كل واحد منهم بضمنهم كاتب السطور. والموقف الاخر الذي اعتز به هو دعوتي من مركز كلاويز لتقديم بحث عن النواب في مهرجان النواب الاول الذي اقيم عام 2019 في السليمانية. وكانت ايضا لحظات مؤثرة ان تجتمع بكبار الادباء وهم يقدمون بحوثهم عن النواب منهم الشاعر زعيم الطائي والداعية لحقوق الانسان الدكتورعبدالحسين شعبان والدكتور قاسم حسين صالح والشاعر كاظم غيلان والدكتور بختيا ر وانا.كما اطلق القاص حاكم الحداد كتابه الفخم عن النواب بعد ان الفه قبل عشر سنوات ولم يطبع. فعلا كانت لحظات جميلة حين صعدت قصائد النواب على شفاه افواه الحضور الى عنان السماءمحبة وتقديرا لهذا الشاعر النبيل الذي اهملناه في سنواته الاخيرة.