سيدة البيت والأغنية

ابراهيم البهرزي

أثار نشر صورة للسيدة فيروز وهي في عامها الثامن والثمانين مشاعر متضاربة لدى عشاقها ،والصورة التي نشرتها ابنتها ريما رحباني للسيدة الام وهي تحضر مناسبة دينية في احدى الكنائس طمأنت مريدي فنها العظيم على صحتها رغم كل مظاهر الشيخوخة التي لا راد لقضائها على الانسان .
تشكل السيدة فيروز نموذجا فريدا بين اهل الفن ، فرغم عزوف الكثير من المطربات الأخريات عن الزواج او الإنجاب لعدم القدرة على الموازنة بين الإبداع والشؤون المنزلية او تعدد زيجات قريناتها واخفاقاتهن ومشاكلهن الأسرية التي تتغذى عليها الصحف ، الا ان السيدة فيروز اقترنت بعاصي الرحباني وهي دون العشرين من عمرها وانجبت منه من الأولاد والبنات أربعة ولَم تقترن بسواه بعد رحيله وكل ذلك لم يقلل من غزارة إنتاجها وظلت المطربة العربية الأغزر انتاجا.
لم تكن الحياة منصفة مع السيدة الام في الكثير من مجريات الامور ،فقد عانت ابنتها ليال من متاعب في القلب ورحلت صبية في عمر مبكر ،كما رحل شريك عمرها عاصي مبكرا نسبيا (عام ١٩٨٦) بعد معاناة مع مشاكل الجلطة الدماغية
والاهم من ذلك ان السيدة فيروز فرغت نفسها لابنها (هلي ) الذي ولد وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة والذي ظهر معها في الصورة وقد تجاوز الستين من عمره وهو لم يزل برعايتها .
لم تحيط السيدة الام حياتها بتلك المظاهر المفتعلة من تصريحات صارخة او سهرات صاخبة تكشف عن بهرجة في الثياب والمجوهرات او تفصح عن نزق او سلوكيات غريبة كتلك التي تُشاع (او تشيعها مؤسسات الدعاية. لهؤلاء الفنانين ) من اجل المزيد من الشهرة او السطوع المبالغ فيه .
السيدة فيروز كانت ساطعة دوما بفنها الأصيل الذي لن يماثله فن ،وبساطتها المتناهية كسيدة بيت تؤدي واجباتها المنزلية ورعايتها لأهل بيتها مثل اَية سيدة من عموم الشعب .
يقول المخرج المصري (حسين كمال ) انه فكر مرة بإنتاج وإخراج فيلم تقوم ببطولته السيدة فيروز فذهب اليها لمنزلها وهو يحلم كيف سيرى سيدة (طائر الوروار ) في منزل تحيطه الأسرار كما يقول !
الا انهم حين ادخلوه اليها ، وجد سيدة بملابس البيت وهي تعمل في المطبخ ، وقد بادرته بالقول بعدما رحبت به ومن معه :
: انني اعد لكم ( الكبّي النييّي) التي يحبها ضيوفي في العادة !
يقول (حسين كمال ) قلت لصديقي الذي يرافقني في الزيارة : كِبّي نييي ؟!… لقد طار طائر الوروار! .
رعت السيدة الام زوجها في مرضه وابنتها الراحلة في معاناتها وهي منذ اكثر من ستين عاما ترعى ولدها (هلي )الذي تحبه بشكل مفرط ، وهو الذي لا يتكلم ولا يسمع ولا يتحرك ، منصرفة بكل طاقتها لرعايته بنفسها ،في حين كان بالإمكان لغيرها ان تضعه في ارقى دور الرعاية العالمية وتكفي نفسها من هذا العناءْ .
السيدة الام عبقرية الغناء العربي تبدو في كل حياتها وفية لذلك المحيط الفقير الذي ولدت فيه في بيروت القديمة ،متواضعة في كل شيء ،سيدة بيت وأم مثل فلاحات الضيعة ، بلغت الثامنة والثمانين ولَم تسلم وجهها لأية عملية تجميل (عدا عن معالجة جراحية لانفها نهاية الستينات ) .
غنت في اكثر المسارح عظمة وهيبة دون ان تتخلى عن زيها المتسم بالبساطة والحشمة ، عاشت حياة فنية تقارب السبعين عاما دون ان تثير زوبعة او أشكالا او فضيحة او تشكّت او تباكت او تمارضت كما يفعل الكثير من المطربين والمطربات لاجل غاية الدعاية والإعلان او بدوافع النزق او الغرور .
اننا نتحدث عن السيدة الام ،عن فيروز الانسانة ،اما فيروز الفنانة المبدعة فلا احد على الإطلاق يمكن ان يفيها حقها ،لا احد مطلقا ، فهي ظاهرة عبقرية لا تقارن ولا تتحملها القياسات والمعايير فهي معيار ذاتها وحدها ونسيج وحدها وفريدة الازمنة كلها ما مضى منها وما سيأتي حتى لايبقى على وجه الارض شيء …

(Visited 7 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *