الخطان المتوازيان مهما امتدى لا يلتقيان.
اهمية الفن كما اهمية العلم بالظبط في عالمنا هذا، ليس الان فقط و ليس في عصر النهضه فقط و ان كان بعض من يقول ان عصر النهضه هو الذي سلط الضوء على هذه القضايا. فعصر النهضه الاوربي هو الذي هيض هذا الجدال او اثار هذا النقاش بعبارة اخرى، فهذا النقاش له عمق تاريخي منذ اثارة مواضيع الفلسفة اليونانيه.
الفن و العلم لهما ذات الاهميه اجتماعيا و تاثيرا في بناء المجتمعات و بناء الانسان و تاريخه بشكل واضح، فللفن وضائف انسانيه كما للعلم وضائف انسانيه، فيمكن حساب الوحدات الهندسيه على شكلها، ففن العماره مثلا يدخل فيه العلم و الفن بشكل واضح و هكذا بقية الفنون و العلوم الاخرى خصوصا في هذا الوقت الذي نعيشه. تداخل العلم و الفن اصبح ميزه و سمة هذا العصر فالتكنولوجيا تدخلت في كل مرافق الحياة في الموسيقى و في الرسم و بات من السهل على اي انسان ان يرسم وجهه او وجه اي من يريد على اسلوب فان كوخ او حتى على اسلوب بيكاسو، و هذا التداخل بين العلم و الفن اصبح اكثر وضوحا بل اتضحت معالمه لاي انسان اكثر من ذي قبل.
فلو رجعنا الى الوراء البعيد اقصد الى العصر البابلي لوجدنا ان البابليين هم اول من أكتشف العجله مثلا، و العجله شكلها يوحي على ان الذي اكتشفها لديه مخيلة فنان، لكن وظيفه هذه العجله علميه صرف، استطاع الانسان ان يجعل منها عربة او ان يجعل منها الة لنقل الاشياء و هكذا. اذن تداخل العلم و الفن تداخل ديالكتيكي فلا شكل بدون مخيلة و لا تنفيذ بدون مخيله ايضا فالاشتراك في المخيلة هو المعادل الثابت في هذه المعادله، فلو رجعنا الى مثال اسحاق نيوتن و سقوط التفاحه الذي اوجد قانون الجاذبيه، عمل نيوتن على مخيلته الخصبة في النظر و التامل لكيفية سقوط التفاحة على الارض.
الامثلة كثيره جدا في التاريخ في حاجة العلم الى الفن و حاجة الفن الى العلم، الا انني مهتم بالجوانب التي اثرت في استعمالاتها اليوميه هذه الايام مثل الكمبيوتر و جهاز التلفون المحمول و حتى لوحات الاعلانات التي تطالعنا يوميا و بعشرات الالف منها في كل مكان في السوق و في المدرسه و في الشارع و في الباص او القطار او اي شيء حتى الارصفه لم تنجو من هذه الافة التي استولت على عقولنا جميعا اقصد افة الاعلان، فالاعلان «صحيح انه تجاري و محسوب بدقه علميه متناهيه» الا انه بحاجه ماسه الى فنان يتخيل و يتصور تنفيذ هذا الاعلان، لانه ببساطه يخاطب جميع العقول، يخاطب الطفل بنفس الدرجه التي يخاطب بها البالغ او الشيخ او حتى الكلاب و القطط. اذن يجب ان يدرس مصمم الاعلان قياسات علميه و كذلك يدرس نفسية المتلقين لهذا الاعلان و ما الى ذلك.
اعتقد ان الانسان المعاصر يعيش ذروة في الشد النفسي من خلال التكنلوجيا و كذلك في تنفيذ اقتصاد السوق هذه النظرية التي اكلت الاخضر و اليابس فساعد الفن العلم في تنفيذ هذه السياسه التي غزت عالمنا بعد الحرب العالميه الثانيه، فانحسار ضاهرة المدارس و المذاهب في الرسم مثلا و تسطيح الفن و العلم على حد سواء في تنفيذ صورة بورتريه لشخص على اسلوب فن كوخ او اي شيءٍ خلط الحابل بالنابل في عالم لا يعرف ما هو مصيره ليوم غد، خصوصا و نحن ندخل السنة الجديده ٢٠٢١ التي سبقها هذا التيه العضيم في تاثير فايروس كرونا على نفسية الانسان قبل تاثيره على اقتصاديات العالم اجمع.
فاهتمام الفن و العلم ينصب في المجالات الانسانيه و لا شيء غير الانسانيه، في حين ابتعد الانسان ورجع الى حيوانيته التي ناضل من اجل القضاء عليها طيلة عصور متعدده منذ بداية عصر النهضه الى يومنا هذا. ختاما اقول ان الحاجة الى العلوم و الفنون الانسانيه اسمى و اعز من كل حاجه الى السوق او الادوات و الاجهزه التي لا نشبع منها ابدا.
للعلم معيار المختبر و الفن معيار الذوق.
المنفعة والجمال
(Visited 4 times, 1 visits today)