بقلم نزهة عزيزي من فرنسا
خلال سفرتي الأخيرة لايطاليا ، جلست قربي في رحلتي بالقطار الرابط بين باريس وروما إمرأة خمسينيةأنيقة بشكل ملفت للنظر فتأكدت أنها إيطالية لما سألتني عن سبب رحلتي لروما، فقلت بأني ازورهاللمرة الثانية سياحة فأومأت بلكنتها الإيطالية الجميلة هل يمكن أن تعترفين أن روما لا تنسى وقهوتها أجود قهوة في اروبا ، إبتسمت وقلت هناك قهوة بنفس الجودة في الجزائر خصوصا في الهضاب العلياالجزائرية. فكانت تنصت لي باهتمام وأنا أشرح لها طقوس تحضير القهوة في بوسعادة من تحميصها، وطبخها ،الى غاية سكبها في فناجين خالتي زخروفة الطيبة التي جعلتني أعشق القهوة رغم أني منمستهلكي الشاي ” المشحر” الصحراوي، ومازلنا نتبادل أطراف الحديث عن حياتها في فرنسا وانها عائدةمن سفرة طويلة بأمريكا فرأيتها تحمل كتاب عن تطوير الذات فرأت أني أهتم به فقالت أنا متحصلة علىدكتوراه في علم النفس بميلانو منذ أكثر من عشرين سنة ومازلت في عيادتي بباريس أعالج مشكلةالنضج العاطفي التي يعاني منها أغلب النساء والرجال فقلت لها ما السبب في رأيك كمختصة؟
قالت قبل أن اجيب على هذا السؤال علينا أن نحدد مفهوم النضج فألهمني حديثها أن أكتب المقالالتالي الذي إرتأيت أنه موضوع راهن ويمس كل إنسان في رحلة نضجه.
النضج العاطفي هو مفهوم يشير إلى قدرة الفرد على إدارة مشاعره وفهمها بطريقة صحية وفعالة. يتضمن النضج العاطفي القدرة على التعامل مع الضغوط العاطفية، والتعبير عن المشاعر بطريقةمناسبة، وفهم مشاعر الآخرين. يعتبر النضج العاطفي أحد العوامل الأساسية لتحقيق النجاح فيالعلاقات الشخصية والمهنية.
سمات النضج العاطفي
الوعي الذاتي: يتمتع الأفراد الناضجون عاطفيا بقدرة على التعرف على مشاعرهم وأفكارهم وتأثيرها علىسلوكياتهم. وفقاً للعالمة النفسية “دانييل جولمان“، فإن الوعي الذاتي هو أحد عناصر الذكاء العاطفيالذي يساعد الأفراد على فهم دوافعهم
التحكم العاطفي: القدرة على تنظيم المشاعر والتحكم فيها بدلاً من السماح لها بالتحكم في الفرد. يشيرعالم النفس “جون غوتمن” إلى أن الأشخاص الناضجين عاطفياً يستطيعون التعامل مع مشاعرهمالسلبية بطريقة بناءة.
التعاطف: القدرة على فهم مشاعر الآخرين والاستجابة لها بشكل مناسب. يؤكد “مارشال روزنبرغ“،مؤسس مفهوم التواصل غير العنيف، على أهمية التعاطف في بناء علاقات صحية.
المرونة: يتمتع الأفراد الناضجون عاطفياً بقدرة على التكيف مع التغيرات والتحديات. تشير دراسات إلىأن الأشخاص الذين يملكون مرونة عاطفية يمكنهم التعافي بسرعة من الأزمات. لأنهم يعقلنون الفيضالشعوري لديهم لذلك تنجح العلاقات العاطفية بعد سن النضج أكثر منها في بدايات الشباب لانالتجارب تصقل فن الاحتواء ،عندما تنضج لاتحتاج لتبرير أفعالك لشريك ولا تحتاج لبدل طاقة لكييفهمك والفهم أهم بكثير من تأجج المشاعر وإندفاعها فالعلاقات المبنية على الاندفاع والرغبة فيالبدايات الجميلة او ما نعتقدها كذلك هي أوهام سرعان ما تنكسر من أول موقف يواجه العلاقة ،فالوعود والكلام المنمق الذي يسبق الإعجاب او كما يقولون في مصر ” الكلمنجي” مسامير صدئة ستألمالقلب لاحقا. لذلك إختيار الشريك الذي يوفر الأمان العاطفي والمادي هو إختيار ناضج. وهنا افتح قوساصغيرا يأكد عليه دائما الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله حيث يقول أن الرجل الذي لم يفهم كيف يعطيالأمان في بداية العلاقة ويستمر في تأمينه رجل غير ناضج سيكون مثل الطفل سيطلب امان الام منزوجته وهذا دليل على قلة النضج فالزوجة ليست أمه فهو يخلط الأدوار وبذلك سيتعب شريكة حياته. فإبراهيم الفقي أكد أن الأمان والحنان هما سر نجاح العلاقات بين الرجال والنساء، والحنان هنا لا يعنيالحب فقط بل الحنان بكل أشكاله فهو أشمل بكثير من الحب. ودليل آخر يحضرني الرسالة المحمديةلم تأتي وحيا على رسولنا الكريم إلا بعد سن النضج اي القدرة على الإدراك بوعي أكثر. هذا لا يعني أنالنضج مرتبط بالضرورة بالعمر هناك شباب ناضج وكهل متصابي وصبية ناضجة وخمسينية متصابيةالأمر يتعلق بدرجة الوعي بالحياة وبالقدرة علر التأقلم مع معطيات الواقع.
أهمية النضج العاطفي
تحسين العلاقات: يسهم النضج العاطفي في تعزيز العلاقات الشخصية والمهنية، حيث يمكن للأفرادالتعبير عن مشاعرهم بطريقة صحية، مما يقلل من النزاعات وسوء الفهم.
زيادة الإنتاجية: من خلال التحكم في المشاعر، يصبح الأفراد أكثر تركيزاً وإنتاجية في العمل، مما يساهمفي تحقيق أهدافهم بشكل أكثر فعالية
تعزيز الصحة النفسية: يساعد النضج العاطفي في تقليل مستويات القلق والاكتئاب، حيث يمكن للأفرادالتعامل مع مشاعرهم بشكل أفضل.
كيف نحقق النضج العاطفي؟
التأمل الذاتي قضاء الوقت في التفكير في مشاعرنا وأفكارنا يمكن أن يساعد في تعزيز الوعي الذاتي. فنحن مانفكر وعقلنا الباطن قابل للبرمجة للأحسن فكلما أدركنا أن العقل الباطن يمكن التحكم فيهتمكنا من البرمجة الايجابية لما نريده أن يتجلى في واقعنا .
تعلم مهارات التواصل: تحسين مهارات التواصل يمكن أن يسهم في التعبير عن المشاعر بوضوح واحترام
ممارسة التعاطف محاولة فهم مشاعر الآخرين والاستجابة لها يمكن أن يعزز التعاطف
طلب المساعدة: في بعض الأحيان، يمكن أن يكون التوجه إلى مختص نفسي مفيداً لتحقيق النضجالعاطفي.
النضج العاطفي هو عنصر أساسي في حياة الفرد، يؤثر على علاقاته وصحته النفسية وإنتاجيته. من خلالالعمل على تطوير الوعي الذاتي، التحكم العاطفي، والتعاطف، يمكننا جميعاً تحقيق مستويات أعلى منالنضج العاطفي، مما يسهم في تحسين نوعية حياتنا.