—–
إيران وأوكرانيا متعايشتان .. إحياء بيغن وشامير ورابين وفلسطين مدجنة
حسين فوزي
أقل من 3 سنتمترات بين طرف اذن ترامب وجمجمته حالت دون رحيله إلى العالم الآخر، فالقناص اراد أزاحته عن المشهد السياسي، دون أن يعني هذا أي تعزيز لفرص بايدن. وهذا الحدث الطارئ على ساحة الديمقراطية الأميركية ليس بالغريب بعد اغتيال الرؤوساء ابراهام لينكولن وجيمس جارفيلد وويليام ماكينلي وجون كيندي.
لكن في عالم الاستراتيجيات وتكتيكاتها نشهد مجموعة من التحركات المستجدة بالغة الأهمية قبيل استعادة دونالد ترامب الرئاسة الأميركية، في مقدمتها فوز المرشح المدني المتفتح في إيران الطبيب الاختصاص بجراحة القلب السيد مسعود بيزشكيان، بعد أن صوت له أكثر من 16 مليون ناخب إيراني، بما قاربت نسبته 53.6 بالمئة من الأصوات. وهو فوز ما كان له التحقق لولا تصفيات مجلس صيانة الدستور للمرشحين المتنافسين على الرئاسة، ليصبحوا خمسة فقط، 4 محافظين مقابل معتدل متفتح مدني واحد. مما “ضمن” حشد أصوات الداعين لمزيد من الحريات لصالح بيزشكيان.
وفي الشأن الداخلي وعد بيزشكيان الإيرانيين برفع القيود المفروضة على الإنترنت، وأعرب عن معارضته “بالكامل” لما يعرف بدوريات شرطة الأخلاق المكلّفة بالتثبت من تقيّد النساء بإلزامية الحجاب. ودعا إلى تمثيل حكومي أوسع نطاقا للنساء وللأقليات الدينية والإتنية، خصوصا الأكراد والبلوش. واعدا الناخبين بخفض التضخّم الذي يسجّل حاليا نسبة تقارب 40 بالمئة. واعتبر بيزشكيان خلال مناظرة تلفزيونية مع المنافس المحافظ الأقوى جليلي، أن إيران بحاجة إلى استثمارات أجنبية بـ 200 مليار دولار، لافتا إلى أن هذه المبالغ لا يمكن جذبها إلا بإعادة تفعيل العلاقات مع العالم.
ويعني هذا أن الرئيس المقبل يريد “علاقات بناءة” مع واشنطن والدول الأوروبية “بغية إخراج إيران من عزلتها”، والالتزام ببذل جهود لإحياء الاتفاق المبرم في العام 2015 بشأن الملف النووي الإيراني مع قوى دولية بينها الولايات المتحدة. وهو الأمر الذي يؤكده الدور الفعلي لوزير خارجية إيران السابق محمد جواد ظريف في حملة الرئيس المنتخب، ومنهجه في التعامل مع واشنطن والغرب، والاتفاق النووي الذي كان مهندسه.
وهذا بمجمله يعني أن صورة إيران خلال الفترة الرئاسية المقبلة في مواجهة فترة الرئاسة الترامبية المنتظرة ستكون مرونة ومنجزات انفتاح ملحوظ في مواجهة التشدد والتهديدات التي يواصل ترامب توجيهها لإيران. مما يعني أن الرئاسة الإيرانية ستكون قوة صد أو تخفيف لزخم العداء الترامبي المعلن للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكسب “تعاطف أوربا” وتعزيز الدعم الروسي الصيني.
وما يمكن له أن يعزز هذا الصد الإقليمي، هو أن الأطراف الفاعلة في الخليج العربي، السعودية وقطر والامارات والكويت وحتى البحرين، تدعو إلى ضرورة الابتعاد عن التصعيد والمواجهة في التعامل مع طهران. إلى جانب التوجه العراقي الثابت الداعي إلى احتواء الخلافات وتحري نقاط التفاهم استناداً على المصالح الأساسية والمشتركة لكل الأطراف في الخليج العربي والقوى الكبرى في العالم.
وبالطبع فأن دول الخليج العربي التي “أغراها” الرئيس ترامب وعائلته بدفع ما يزيد على 150 مليار دولار مشتريات وخدمات مكملة للولايات المتحدة، فيما اسماه ترامب صراحة “فاتورة حماية واشنطن لدول نفط الخليج ..”، فأنها تفضل التهدئة بدلاً من التورط في دفع اثمان باهظة في حالة منزلقات المواجهة غير المعروفة الحدود. وهم في هذا يستخلصون درس غزو الكويت من قبل النظام الشمولي في بغداد، الذي طالب الكويت بدفع 15 مليار دولار رفضته، لكنها دفعت 63 ملياراً نفقات الحرب لـ”محرريها”، بجانب تكلفة اعمار زادت على 30 مليار دولار… والاضطراب الذي يسود المنطقة وتدمير البنية التحتية العراقية، ودفع العراق قرابة 52.5 مليار دولار اجمالي تعويضات المتضررين.
تصعيد بوتين بأجيال الصواريخ الأكثر تقدماً
—–
وفي موسكو بدأت روسيا الاتحادية تصعيداً غير مسبوق منذ ازمة الصواريخ الروسية في كوبا عام 1962، فتوجهت غواصة روسية نووية متقدمة مع سفينة حربية مصاحبة نووية ايضاً، لتكون على مسافة لا تزيد عن 50 كيلومترا عن السواحل الجنوبية لولاية فلوريدا. مع “تطمينات” روسية كوبية بان السفينتين ليستا مسلحتين نووياً. فيما بدأت القوات الروسية توجيه ضربات صاروخية إلى قلب كييف بأحدث الصواريخ البالغة سرعتها 10 اضعاف سرعة الصوت.
إلى جانب بدء موسكو بتزويد اصدقائها، بدءاً من سوريا وإيران بأحدث الصواريخ، سواء ارض/ جو، التي منعت أي تحليق للطيران الإسرائيلي في سماء لبنان وسورية، أو صواريخ ارض / ارض بالغة الدقة، رداً على تزويد واشنطن وحلف الناتو لزيلنسكي بصواريخ بعيدة المدى متطورة.
وهذا التصعيد الروسي يريد منه الرئيس بوتين توصيل رسالة إلى إدارة البيت الأبيض القادمة، من أن الكرملين لم يعد ينصاع لما تريده، كما كان الحال أيام يلتسين، فروسيا الاتحادية شريك دولي ند وليس خانعاً او مهزوزاً، وهي وريث قوي للاتحاد السوفيتي، وليس “اتحاد روسي متفكك”. وإن كانت واشنطن تلوح بجبروت تقدم أسلحتها، فأن موسكو تمكنت من ردم الهوة بين الطرفين، وهي الان تمتلك ما يكفي لاستعادة الردع الذي امتلكه الاتحاد السوفيتي للدفاع عن مصالحها، وهي الحالة التي تعزز الأصوات الأميركية التي تساءلت عن مشروعية موقف الرئيس الأميركي جون كيندي إزاء وضع موسكو صواريخ سوفيتية استراتيجية في كوبا، وعدم احترام مشروعية موقف موسكو من رفض تموضع حلف الناتو في أوكرانيا وبولندا بكل ما يعنيه من توجيه أسلحة استراتيجية إلى الاتحاد الروسي من حافة حدوده.
وهو الأمر الذي يعني أن الرئيس بوتين يعطي زخماً قوياً لسياسة ترامب باتجاه حل ازمة القرم وحرب زيلنسكي (الفاشيين الجدد) – الناتو على الروس، بوقف سيل التمويل المالي والامدادات العسكرية لكييف، مما يعني الدفع باتجاه تسوية تنهي النزاع، بحكم وجود طرف قوي مقتدر في موسكو، وإدارة أميركية براغماتية تتحرى سبل وقف تفاقم أزمة الاقتصاد الأميركي والأضرار الكبيرة الناجمة عن مناطحة كبار اخرين. ويكون على زيلنيسكي والناتو التراجع عن مخططها العسكري في أوكرانيا، وعلى زيلنيسكي البحث عما يحفظ ماء وجهه إن استطاع والكف عن الرقص في أحضان الغرب وحده.
وفي الأصل فأن واشنطن التي ساندت الصين في السبعينات لدعم قدراتها على منازعة موسكو وفق رؤية كيسنجر، ترى اليوم أن الصين أصبحت أشد تهديداً لمصالحها في ارجاء العالم عموماً، ووجودها في المحيط الهادي الأسيوي خصوصاً، وهو الحوض الذي تفترضه واشنطن بحيرة نفوذها الثابتة. لذلك فأن ترامب يرى ضرورة التفرغ لهذا العملاق المختطف لفرص العمل والعلاقات من أميركا.
بجانب حقيقة تبلور كتلة اقتصادية مهمة، فـ “مجموعة بريكس” قوة صاعدة منافسة كما تراها وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، وإن العقوبات ضد روسيا أدت إلى أن الدولار أصبح أقل جاذبية كعملة عالمية. كما أن “الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد روسيا، أحرجت الدول الكبرى التي تمتلك احتياطيات مالية وأثارت قلقها”.
واعترفت الوزيرة بأنه على الرغم من أن الجنوب العالمي لا يستطيع التخلي تماما عن استخدام الدولار، إلا أن معظم دوله لم تعد مستعدة للعمل به، وكلما فرضت واشنطن عقوبات كلما زاد التوجه نحو بريكس.
وفي وقت سابق، قال أليكسي موجين المدير التنفيذي لروسيا في صندوق النقد الدولي، إنه في حالة انهيار الدولار والنظام النقدي الدولي، يمكن لدول بريكس تقديم بديل، بما في ذلك عملة حقيقية مدعومة بسلع متوفرة في البورصات.
وهذا الوضع يعني الكثير لرجل الأعمال الملياردير ترامب وحلفاؤه وضرورة معالجته بتشخيص حقيقة وجود “شركاء” أقوياء جدد.
الأقوياء وحدهم يهضمون قيام فلسطين مستقلة
—-
لم يكن اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الجنرال السابق إسحاق رابين مفاجئة، فانتسابه لحزب العمل الصهيوني يجعل قبوله لما بناه على اتفاقات كامب ديفيد عرضة للتصفية، ذلك أن مناحيم بيغن وإسحاق شامير، وهما الصهيونيان اللذان تعاونا على تصفية الوسيط الدولي للأمم المتحدة الكونت فولك برنادوت عام 1948، من قبل عصابات منظمتي أرغون التي يرأسها بيغن وشتيرن برئاسة شامير، بسبب اقتراحه وضع حد للهجرة اليهودية ووضع القدس بأكملها تحت السيادة الفلسطينية. كان درعهما سجلهما الدموي المتطرف في التعامل مع العرب والعالم في تأسيس إسرائيل وترسيخها، أما إسحاق رابين، فهو صهيوني عسكري لديه مفاهيم مؤطرة لسبل تعزيز الوجود الإسرائيلي، وهذا يتعارض مع توجهات اليمين الصهيوني المتشدد الذي لا يحترم أية قوانين او مفاهيم ويؤمن بان كل ما يتعارض مع مصالح إسرائيل باطل، فكان اغتياله “حق” لشعب يهوه.
واليوم في ظل الثورة المسلحة الفلسطينية في غزة، والانكسار الكبير الذي لحق بالجيش الأسطورة وخسائره، والخسائر الكبيرة بالمدنيين الإسرائيليين وفقدانهم الامن، لا منفذ لحكام تل ابيب، في خضم انعطاف الرأي العام الداخلي والعالمي من جهة، ووجود ترامب المتشدد في مواجهة من لا يقبل توجهاته السياسية، سوى البحث عن حل ينطلق مما بدأ به مناحيم بيغن وواصله إسحاق (شامير) وبنى عليه إسحاق (رابين) بعد حرب العبور 1973، نحو فلسطين مستقلة قادرة على ضبط امنها داخلياً والالتزام بالاتفاقات الثنائية والدولية، بضمانات أميركية روسية صينية اوربية، وفق مقولة لدارس متعمق لتاريخ فلسطين والحركة الصهيونية المفكر د. عبد الوهاب الكيالي الذي قال في السبعينات ما معناه ” لن يستطيع احد قبول قيام دولة فلسطين إلا اكثر القوى الصهيونية تطرفاً، عندها لا يستطيع احد المزايدة عليها.”
قبيل عودة ترامب وفي رئاسته / حسين فوزي
(Visited 24 times, 1 visits today)