الأسعار تتصاعد والسخط يتراكم مع غبار حدة التجاذبات
حسين فوزي
مهدت لنجاح انقلاب 8 شباط الأسود الدموي مجموعة عوامل تعاضدت مع بعضها، عن قصد وبقضها بدون قصد، فأسقطت حكومة الفريق الركن عبد الكريم قاسم. وهذه العوامل:
1. صراع الزعامات العربية بين الرئيس عبد الناصر وطموح قاسم لدور عراقي ينسجم وتاريخه السياسي المبكر كونه وارث الهاشميين في الدعوة لاستقلال العرب، وتوظيف القوى الدولية والمحلية هذا الصراع لتصفية قانوني رقم 80 والإصلاح الزراعي وسياسة التحرر من التبعية للغرب.
2. استخفاف قيادة الحزب الشيوعي بدور الحكم الفردي للزعيم قاسم في بناء عراق حديث أكثر عدالة في توزيع الموارد وتخطي الطائفية، ومعه زعيم الحزب الوطني الديمقراطي كامل الجادرجي، وهو ما أدى إلى تمكين ضباط قوى اليمين، وفي مقدمتهم البعثيين، من استعادة مواقعهم في مفاصل الجيش لتنفيذ المؤامرة، بعد استبعاد غالبية الضباط الشيوعيين والديمقراطيين عن اية مواقع حساسة، عدا جلال الاوقاتي، عضو المكتب العسكري للحزب الشيوعي.
3. نجاح المخطط الاقطاعي الشاهنشاهي في جر زعامة الملا مصطفى بارزاني إلى تبني حمل السلاح ضد حكومة بغداد عام 1961، ما أدى لتعزيز دور القيادات اليمينية اكثر في الجيش.
4. توظيف زيادة سعر البانزين 5 فلوس ليصبح سعر اللتر 15 فلساً بدلاً من 10 فلوس، منطلقاً لتحرك أعداء قاسم في قيادة إضراب سواق السيارات، الذي مهد مع اضراب الطلبة، إلى الانقلاب.
حالياً تم رفع سعر البانزين الممتاز بنسبة تقارب 33% من 650 إلى 850 ديناراً.
واللافت أن رفع السعر جاء في ظل زيادة حجم الإنتاج الكلي بعد إعادة تشغيل العديد من الوحدات، بيجي وغيرها، وهو الأمر الذي يدفع للتساؤل: هل أن تصاعد الإنتاج الوطني يستدعي زيادة السعر على عكس فرضية أن الإنتاج المحلي بالضرورة يكون اقل كلفة، أم أن الوقود من الجارة إيران هو الأقل كلفة؟؟!
والشيء الاخر المهم هو ان عوائد بيع الوقود بكافة انواعه والزيادة في أسعاره، منذ سنوات عديدة، لا أثر له في حسابات الموازنة العامة للعوائد المتحققة، شأنه شأن العديد من الموارد المفترضة للخزينة العامة، التي كانت تشكل فرقاً ملحوظاً في تقليل الاعتماد على عوائد النفط، كما كان الحال زمن مجلس الإعمار الذي أقامه “الحكم “العميل” لنوري السعيد وصالح جبر وعبد الإله”!!؟
علماً أن الزيادات في الأسعار مستمرة، فعلي سبيل المثال وليس الحصر:
– زاد سعر رغيف الخبر على تنوع حبوبه بنسبة لا تقل عن 20%.
– كل أنواع الدواء تتسم أسعارها بتصاعد شبه شهري بمعدل لا يقل عن 20%، فالأدوية التي تشتريها الشهر الماضي بأسعار 2500 دينار، و19000، و39000 باتت بين 3500 و23000 أو 27000 بحسب “دكاكين” الصيدليات” و47000، وهكذا هي حالة كل الادوية، فلا يمكن شراء أي دواء بسعر الشهر السابق، فكل شيء ترتفع أسعاره.
في ظل حقيقة رئيسة هي ان الدولة توفر الدولار للمتعاملين بشراء بضائعهم من الخارج بسعر 1320 دينارً، لكن الجميع من الخباز إلى الطبيب إلى الصيدلاني إلى بائع الملابس يبيع سلعه محتسباً سعر الدولار بمعدل لا يقل عن 1470 ديناراً للدولار بالأقل، إن لم يحسبه حتى بسعر اعلى من 1500 دينار.
إن حالة الأسعار، بالأخص المواد الضرورية، الدواء والخبز والوقود كذلك العقارات وإيجارها، تشكل مؤشرات ارتفاعها المتواصل تذبذباً في القدرة الشرائية للمواطنين، وهي حالة تدفع نحو تعبئة سخط شعبي صامت متفاقم، بالأخص في ظل ما يتكشف عن حجم سرقة ترليونات الدنانير من قبل نكرات محميين من مفاصل متنفذة، التي على عهدة مطلعين استفادت منها كل القوى المتنفذة عدا السيدين نوري المالكي وحيدر العبادي.
وهي حالة فساد ونهب متراكمة منذ الاحتلال وبريمر وتفاقمت بشكل متزايد مع استرجاع “السيادة” مع الأسف، وتقف حالياً حكومة المهندس السوداني في مواجهة هذا السخط، الذي تخففه بعض منجزاتها، بغض النظر عن قيمتها في التنمية المستدامة.
لكن هذه المنجزات، التي لا يحق لنا تجاهلها، يمكن التعتيم عليها من قبل المتنفذين المتضررين من الحملة على الفساد، وجعل الحكومة الحالية تدفع ثمن كل خطايا الحكومات السابقة وبطاناتها، ما لم يتم تصعيد إجراءات المساءلة والملاحقة لمنفذي حزم سرقات القرن واسترجاع المدانين والأموال المنهوبة.
ولا يمكن تجاهل أن بعض المتنفذين من عرابي نور زهير وامثاله يحرصون على تفجير الألغام بأية حركة باتجاه تعزيز قبضة النزاهة ومساءلتها لمن امتدت أيديهم للمال العام، ضمن مخطط “فطن” لتوظيف اية هفوات او سوء تصرف من قبل كل من يحاول كشف خفايا الفساد الأعظم في تاريخ العراق الحديث، الذي يؤكد أكثر من مسؤول، وفقاً لكل ما هو موثق، أنه يقارب سرقة 400 مليار دولار، أي أكثر من 528 ترليون دينار بأسعار الدولار الرسمي 1320 وليس 1500 دينار.
ويبدو ان غبار تصاعد منازعات المتنفذين بشأن حجمهم وحصصهم في إدارة الدولة واموالها، وطرح قضايا جانبية، لا علاقة لها بخبز ومستقبل العراقيين، لجر الانتباه بعيداً عن مأسسة الدولة ومنتهكي دستورها وقوانينها، سيظل حالة سائدة بالإفادة من ضعف القوى المدنية الديمقراطية، واستمرار التيار الصدري في انزوائه المؤقت، الذي ينبغي انهاءه دفاعا عن مصلحة المواطنين، وإقامة تحالف عابر للطائفية والجهوية، على طريق بناء دولة المواطنة، التي يشكل برنامج التحالف المنشود للصدريين ومن يتحالف معهم، البرنامج الوطني الواضح وآلية صياغة القرارات والمواقف بعيداً عن استفراد “الحزب القائد” أو “القائد الضرورة”.
وكل المؤشرات تدل على ان الأغلبية الصامتة التي تسكنها “مكرمة” التوظيف غير المنتج والإعانات الاجتماعية ما عاد هذا المورفين قادراً على شل حراكها، ما لم تسارع الحكومة لتنفيذ برنامجها في تصعيد مطاردتها للفساد وتعزيز الخدمات في إطار رؤية تنمية مستدامة، وليس معالجات آنية لمشاكل قابلة للتأجيل، تهدر مواردنا التي هي في حالة جزر مع تذبذب سعر النفط.
5 فلوس منطلق مؤامرة إسقاط الزعيم / حسين فوزي
(Visited 20 times, 1 visits today)