تتساوقُ المشاعرُ في ارتقاءٍ مرن يتميزُ بصخب الوجود حين ترتفع مقاديرُ التحضيرِ
المقابلِ من قبل ما تبوحُ به قدراتُ كاتبِ النص وهو يوازي بما تجود به قريحته
على مساحة من البوح المعلن ايمانا منه في ازجاء ما يرفدُ به ايمانَه العميقَ في
تحقيق الرهانِ الكبيرِ لديه وهو ينوي سحبَ الذاكرةِ بما تحمله من مخاضاتٍ فيها
من الالمِ وفيها ما يستدعي للمشاعر والعواطف لان تقفَ هي الاخرى على ناصيةٍ
راهيةٍ من مساحةِ البوحِ لتكونَ شاهدةً على مفاعيل الالم والخسارات التي كانت
نتيجةَ فواعلَ لعبتْ دورَها في تهشيمِ ما هو ادمي فباتَ مضنياً اثرُها ويكادُ يشكلُ
له ندوباً تسطعُ على مساحاتِ الذاكرةِ ولعلَّ في مقدمةِ هذه الفواعل تقفُ الحروب
كشواخصَ ذاتِ تأثيرٍ تحفرُ باثارها فتبدو بائنةً على اخاديدَ الوجودِ الاجتماعي والحياتي
فضاً عن الوجودِ الادمي والانساني.
ومن هنا فنحن مع نص الشاعر علي الشيّال والمنشور على صفحته في الفيس بوك
والذي يذهب بنا الى تلك المتوالية التي ترتكز في الذاكرة بوصفها بوتقةً يترشح من
بين اوصالها الحزنُ والالمُ المتكورُ بين طيات التذكر.
وبالطبع هو تذكرٌ سينزلقُ بالقارئ حيالَ براهينَ موثقةٍ تأخذُ لها حصةً بين خاناتِ
التوثيق المرزومةِ بشدةِ الالم والنكدِ المرّ لدى ذاكرةِ مَنْ يسكنون في باد الالام
المتعددة ) العراق( فهنا مكان لاتنقطع من بين طياته خرزاتُ الذاكرةِ حتى لَتبدو
وكانَّها في وهنٍ دائمٍ من شدة مكوثِ تلك الفواجع التي حلتْ بمَنْ يسكنون على
بساطِ هذه المساحةِ المكلومة بالالم حتى بدا على الناس وكانّها تردد ما قاله امين
معلوف ) ايُّها الحزنُ الم تؤلمْكَ ركبتاك من الجثو فوق صدورنا؟( .
وحين نتمعن بنص الشاعر علي الشيّال حيث يقول فيه :
كلُّ هذا الماء الذي رُشّ خلفنا
لكنَّنا لم نعد
فالحربُ اقوى من الامهات
فنراه يعمد الى ارشفة ذلك الركام من الحزن المخبوء بين تلافيف الذاكرة الجمعية
لدى المجتمع في العراق وكانّ بالشيّال يتأمل باولوية ما هو حزين حين يبادر الى
استنطاق الذاكرة وهو هنا يجانب ما ذهب اليه ) اميل سيوران( فيما يتعلق بتفعيل
دور الذاكرة اذ انَّ سيوران يقول : ) على الانسان ان لا ينبشَ في الذاكرة اذا ارادَ
ان يكون سعيدا( الا انَّ الشيّال ذهب بعيدا في تحشيد ما هو مرّ في مسيرة
الذاكرة حين اخذ باستحضار قيمة الحزن المرتهن عنوة بصيرورة الامهات
في العراق وعلاقتهن بتازم يكاد يوصف بالابدية مع المعاناة والالام .
وعبر نص يقتصرُ على مفردات معدودات تكاد تغني بوجودها عما يمكن
ان تقوله صفحاتٌ كثيرةٌ نلمسُ فيه التزاما بعدم الانزياح الدلالي الكبير بل
وجدنا مفردات هذا النص القصير الوامض تشتغل على اسبقية المعنى على
أولوية الشكل فبنية المعنى حققت لها عبورا مَرِناً عبر ما تعمقت به دلالة
المفردات التي احتشدت على الرغم من قلتها فالمعنى المراد والذي نحى
اليه الشيّال اراد ان يعطي اضاءةً وافية وميسرة ليس فيها ما يدعو الى
المعنى المغلق وهذا هو ديدن الشاعر علي الشيّال في اغلب ما كتبه من
نصوص تمثلت لديه عبر كتابيه الشعريين الاول كان بعنوان ) أوروك يا سليل
التعب( والثاني كان بعنوان ) كاهن الخذلان( فالقارىء له لايجد فيها سوى التبسيط
وسهولة المفردات والعمل على تناول ما يحيط به وجوديا وواقعيا ضمن تصور كتابي
يتوخى التلاقح والتفاعل في اعاء شأن الحس العاطفي والانساني والذهاب بعيدا في
التعامل مع اولوية الذاكرة في استحضارات المكان والتصير الميداني معه وابراز ما
يتخلل ذلك المكان من مفاعيل لها من الأثر الذي اخذ له وطرا من حياة المجتمع
في العراق حتى بدت تلك الاثار من علامات الامتحان المضني الذي استوجب من
العراقيين ان يتجذروا معه ليختبروا من صبرهم رغم غرائبية ما تنادت عليه نتائج تلك
النوائبُ التي حلت بهم…
استدعاء ما هو مُضْنٍ في نص الشاعر علي الشيّال
(Visited 20 times, 1 visits today)