المواطنة والدين (٣) / محمد عبد الجبار الشبوط

المواطنة والدين (٣) / محمد عبد الجبار الشبوط

محمد عبد الجبار الشبوط

في الممالك الأوروبية خلال العصور الوسطى، كان الولاء يقوم إلى حد كبير على أساس الدين، وبخاصةالدين الذي يتبعه الملك أو الحاكم. كان معظم الناس خلال تلك الفترة يعتنقون المسيحية، وتحديداًالكاثوليكية في معظم أنحاء غرب ووسط أوروبا، والأرثوذكسية في الشرق الأوروبي. الكنيسة كانت لها قوةونفوذ كبير، وغالباً ما كان الحكام يعتبرون أن سلطتهم مشتقة من الله، وهو ما يعرف بمبدأحقالتفويض الالهي“.

كان الولاء للدين يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالولاء للملك، حيث كان يُنظر إلى الفرد باعتبارهرعيةفي مملكةمعينة إذا شارك في الدين الرسمي للمملكة. فقد كان يُتوقع من الرعايا أن يعتنقوا دين الملك وأن يدعمواالكنيسة الرسمية. تعزيز الدين الرسمي أدّى أيضًا إلى صراعات دينية وحروب، خاصة عندما تظهر حركاتدينية منشقة أو تنتشر أديان أخرى غير المسيحية.

بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك مراتب ووظائف دينية تعتبر جزءًا هامًا من الهيكل السياسي للمملكة،حيث كان بعض رجال الدين يحملون ألقابًا نبيلة ولديهم سلطة سياسية وعسكرية. الكنيسة كان لها دورمهم في التعليم والشؤون اليومية للدولة، وكثيرا ما كانت تتدخل في الشؤون السياسية.

بالمختصر، الدين كان يشكل الأساس الذي يُبنى عليه الولاء في الممالك الأوروبية خلال العصور الوسطى،والعلاقة بين الدين والحكم كانت متداخلة بشكل كبير.

هذا التداخل بين السلطة السياسية والسلطة الدينية أدى إلى عدة نتائج وآثار سلبية، منها:

1. الحروب الدينية: تسبب الولاء الديني في نزاعات وحروب طائفية، كالحروب الصليبية وحروب الأديانفي فرنسا.

2. الاضطهاد الديني: الأقليات الدينية غالبًا ما كانت تواجه الاضطهاد، كاليهود والمسيحيين الذين لايتبعون النسخة الرسمية للمسيحية والمسلمين في الاندلس بعد عام ١٤٩٢ وانتهاء الحكم الإسلامي فيهاحيث واجه المسلمون مرحلة صعبة تم خلالها فرض قيود وسياسات تمييزية ضدهم وذلك تحت حكمالملوك الكاثوليك فيرديناند وإيزابيلا. تم إجبار الكثير من المسلمين على التحول إلى المسيحية، وأولئكالذين اختاروا البقاء على دينهم تعرضوا  للطرد أو الاضطهاد. إن الفترة التي تلت فقدان المسلمينللحكم في الأندلس كانت محفوفة بالتحديات الشديدة، بما في ذلك التهجير، مصادرة الأملاك، وفقدانالحرية الدينية والثقافية.

3. السيطرة الكنسية على السلطة: سيطرت الكنيسة على الأمراء واستغلت السلطة لتعزيز نفوذها، مماأدى إلى فساد وتناقضات أخلاقية.

4. المحاكمات الدينية: أجهزة مثل محاكم التفتيش كان لها الحق في تعذيب وإعدام الأشخاصالمتهمين بالهرطقة أو الانحراف عن العقيدة الرسمية.

5. القمع الفكري: تعرض العلماء والمفكرون للرقابة والقمع إذا ما اعتبرت أفكارهم تهديدًا للتعاليمالدينية القائمة.

6. المزايا الكنسية: منحت الكنيسة والحكومة الأراضي والامتيازات لأفراد الكنيسة، مما رسخ الطبقيةوعدم المساواة.

7. استخدام الدين كأداة للسيطرة: استغل الحكام الدين كوسيلة للسيطرة على الشعوب وتبرير حكمهم.

هذه النتائج السلبية كانت لها تأثير عميق على المجتمع الأوروبي، حيث غذت الانقسامات الاجتماعيةوالسياسية وأعاقت التقدم العلمي والثقافي في بعض الأحيان. كما لعبت دورًا في تشكيل البيئة التي أدتفي نهاية المطاف إلى الإصلاح الديني وتغيرات جذرية في البنية الأوروبية في القرون التالية.

بعض الحركاتالتكفيريةالاسلامية، مثل داعش، استعادت هذه الصيغة الاوروبية القروسطية من افرادالدولة وحكمت بتكفير كل من لا يقول برؤيتها الدينية. هذه الرؤية عقبة في طريق بناء الدولة الحديثة فيالمجتمعات الاسلامية.  الدولة الحضارية الحديثة التي ندعو الى اقامتها سوف تحترم الاديان بما فيهاالاسلام لكنها لن تضع الدين شرطا للمواطنة المتساوية والمعاملة العادلة.

(Visited 8 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *