عبدالمنعم الاعسم
يُشار هنا (لا تزعلوا) الى العملية السياسية في آخر مآل لها، كما نتابعه بالالوان الطبيعية.
منذ ان ضع مؤتمر لندن للمعارضة نهاية عام 2002 الخطوط العريضة لعملية الانتقال الى حكم الشراكةوالتوافق والقيادة الجمعية.. هكذا في الوثائق.
وفي خلفية هذا السيناريو ثمة موضوعة كان الخطاب المعارض قد روج لها في اكثر من وثيقة وتصريح بانعراق المستقبل لا يمكن ان يُحكم من جهة واحدة. تلك هي العملية السياسية التي جرى ويجري الحديث عنهاكقاعدة تفاهم بين فرقاء الحكم الجديد، واعتماد مبدأ التضامن و“الموقف الموحد” وادارة الازمات عن طريقالحوار والديمقراطية.. وهكذا قيل.
من وجهة النظر الموضوعية (المجردة) كان التصوّر المبكر عن وصفة الحكم البديل سليما، مرتين: المرة الاولى،انه يجنب البلاد مهاوي الصراع بين قوى سياسية متنافرة وتتسابق لفرض سيطرتها على سلطة القرار،والمرة الثانية، انه يضمن نوعا من التطمين المُسبق لجهة “المكونات” والفئات المحلية ان لا تكون عُرضةللتهميش او التنكيل.
وإذْ كان العامل الخارجي هو اداة “التغيير” وبسط الامن وادارة العملية السياسية فقد ظهرت مبكرا النتائجالكارثية لهذا السيناريو، حيث جرى على الارض تدمير بنى الدولة وانتشار اعمال الارهاب والفوضىوالنهب، وعلى خلفيات ذلك مسؤوليات لا أحد معفوٌ عنها.
احسب ان التاريخ إذ يدوّن هذه القراءة السريعة “الباردة” لأخطر تحول شهدته الدولة العراقية سيجيببسهولة عن السؤال التفصيلي الاخطر عما اذا كانت النخب المحلية وزعاماتها قد بلغت من النضوجالسياسي والرُشد والوطنية والحصانة ضد الامتيازات والاثراء والولاء الخارجي، في مستوى فروضاستعادة سيادة البلاد وتحقيق لوازم التغيير وبناء حكم دستوري ديمقراطي جديد، ام انها خلاف ذلك تماماً.
ولا يحتاج المدوّن، مهما كان حياديا، الى عناء التقصي والاستدلال وجمع المعلومات والشهادات للاعلان عنان هذه النخب كانت فاشلة ومحدودة المعارف بادارة الشؤون العامة، وقد تحولت، بسرعة لافتة، الى فصائلطائفية وعنصرية غاشمة، وجعلت من حياة الملايين العراقية كابوساً غائراً لعقدين من الزمان، فيما ظهرتساطعة بشاعة الصفقة المُعلنة بايداع سلطة القرار، على طبق من ذهب، الى زعامات طائفية وقبلية وفاسدة،سرعان ما سرقت لقمة الشعب ووطنه.
الى ذلك، كفّت العملية السياسية، الان، عن ان تكون دائرة بحث وحوار وتوافق بين الجماعات السياسية النافذة، حيث تشظت مكوناتها الى مجموعات متناحرة، وتحالفاتها الى لقاءات شكلية، سرعان ما تنفرط،وقد حلّت بدلا عنها، في الاخير، غرفةٌ مظلمة تجتمع فيها اشباح، فيما يوقع على طاولاتها توزيع المناصب و الاسلاب، والحال، فان العملية السياسية، كمعاهدة شراكة وتوافق، صارت خارج التاريخ، بانتظار ان تُسجل بوصفها فطيسة.