*
كم منا يعلم قوة الكلمة الطيبة ..؟
وكم منا يدرك قيمة الاحترام والتقدير والاحتواء في بناء إنسان سوي ..؟
هذه الأسئلة المهمة تثار في زمننا الحالي الذي يشهد تفاقماً للانعزال الاجتماعي وقلة التواصل الإنساني في عالم يبدو أن العنف والتفرقة والانغلاق هي الظواهر السائدة في المجتمع،
وتجاهل بعض القيم الأساسية التي تصنع منها إنساناً سوياً..
ففي هذا العصر المتسارع قد ننسى قوة الاحترام و الإحتواء والإهتمام في صناعة الإنسان السوي …
ومن المفارقات الجميلة التي استحضرتني عند كتابتي لهذه الأسطر هي الرواية الشهيرة ” ذكريات من منزل الأموات” للروائي الروسي فيودور دوستويفسكي وما بينه لنا خلالها من رؤية استثنائية لحالة نفسية غريبة لاحظها في السجناء أثناء احتجازه معهم، حيث يبدو أنه قد اقتنع تماماً أن هذه الحالة النفسية الخاصة تنطبق على السجناء وغيرهم من البشر، مشيراً إلى أن كون الشخص خارج أسوار السجن لا يعني بالضرورة أنه أفضل من السجناء ….
داخل السجن بعض السجناء يقومون بإثارة الشجار عمداً، ليس بسبب عدائيتهم الفطرية، بل اهتماماً منهم لمعرفة ما الذي سيحدث بعد الشجار ….!
لاحظ دوستويفسكي تمكن الكثير من الأشخاص من تهدئة الأمور والتحدث إلى السجناء المتشاجرين بلطف وتعاطف، وهذا يعطي هؤلاء الأشخاص قيمة لذواتهم ويعزز من شعورهم بالقدرة والاحترام …
من هنا ندرك أن هؤلاء السجناء ليسوا بأشرار كما يتخيلهم الكثيرون.. بل هم يشعرون بالعطش للعناية والاهتمام، ومتلهفون لأي كلمة ترفع من قدرهم وتعكس قيمتهم كبشر…
إنهم متشوقون لفرصة تجعل الناس يتحدثون إليهم بشيء من الاحترام والتقدير..
من خلال هذا التحليل العميق للنفس البشرية، يُظهر دوستويفسكي لنا إن أسوء المجرمين يمكن أن يعودوا ليصبحوا أشخاصًا سويين, إذا اوجدوا من يستوعبهم ويحتويهم ويقدرهم ويحترمهم ويسمعهم كبشر…
من هذا المنطلق، يتبادر إلى الذهن سؤال مهم : كيف يمكننا صنع إنسانٍ سويًّ من خلال احترامه وتقديره واستيعابه؟
إنه واجب علينا أن نحترم ونفهم احبابنا وأن نربي أجيالنا على الحب والاهتمام والتقدير والاحترام والاحتضان .. إن هذه القيم الأساسية تساعد في بناء روابط إنسانية قوية وتعزز العلاقات الإنسانية المتبادلة…
فعندما نحترم الآخرين ونقدرهم بصدق، ونمنحهم الثقة والأمان ليظهروا بأفضل حلة لديهم .. ونكون جزءًا من حياتهم ونقدم لهم الدعم والتشجيع في كل تحدي يواجهونه، هنا قد نكون صنعنا إنساناً سويًا…
إن قدرتنا على استيعاب الآخرين وتقديرهم كما هم، تعكس قوة إنسانية حقيقية وتعزز الروابط الاجتماعية والتعاون بين البشر..
إذا كنا نرغب في أن نشهد تغييرًا إيجابيًا في العالم، فلنبدأ من أنفسنا. لنكن قدوةً للآخرين في التعامل الحسن والاحترام والتقدير.
وإن تربية الأجيال القادمة على الحب والاهتمام والتقدير والاحتواء هي مسؤوليتنا جميعاً..
لنبني عالماً أفضل وخالٍ من المشاكل النفسية، حيث يسود الحب والاحترام بين الناس فقط من خلال هذه القيم يمكننا أن نحقق التغيير الحقيقي ونصنع إنساناً سوياً..