د.احمد عدنان الميالي
منذ عام ٢٠٠٣ الى غاية الان لم تتحول عملية توحيد البيت السني في العراق من فكرة او محاولة الى واقع بسبب الخلافات السياسية وازمة القيادة المشتتة للمكون والتي انتجت انقسامات عميقة في المجتمعات المحلية التي يعيش فيها ابناء المكون طيلة السنوات الماضية، وصلت هذه الانقسامات الى حد الاختلاف حول تعريفهم لوضعهم وهويتهم وموقعهم وتوجهاتهم ومصيرهم بشكل عام، في ظل متغيرات وتحولات متسارعة في بلد شهد في السنوات الماضية تدمير المدن السنّية ، نتج عن ذلك تصورات راسخة حول اتهام شرائح سنّية بالضلوع في إنتاج الإرهاب وصناعته أو بتوفير بيئة حاضنة له. شعر الجمهور السنّي أن مسار الأمور السابقة واللاحقة وخاصة الامنية بأنهم مواطنون من الدرجة الثالثة، إذ كانت الخطط الأمنية المشددة لا تُطبَّق سوى في مناطقهم كما أن تهم التعاطف مع الإرهاب تسمح باعتقالهم دون محاكمات لفترات طويلة ولازال هذا الشعور سائدا.
يُضاف إلى ذلك أن أوضاعهم الاقتصادية وحصتهم في الوظائف تقلّصت بعد سطوة الاطراف الاخرى عليها خاصة في المؤسسات الامنية بما اخل بالمبدأ الدستوري المتعلق بالتوازن الوطني ما عمل على تحجيمهم، بينما سمح للمكونات الاخرى بفرض هيمنة عامة على البلد عبر تحالفاتها بعد كل انتخابات.
هذا الجو العام سبقته ورافقته خلافات سنّية-سنّية داخل الكتل السياسية قوض من قدرتها على تمثيل المكون السني سياسيا بمسار قوي قادر على مواجهة الضغوط والتحديات مما دفع بقيادته التقليدية مع تشتت الاصوات والمقاعد ان يكونوا خاضعين وتابعين للتحالفات الممثلة للمكونات الاخرى، ما جعل المشهد السنّي مشتتاً ومتعدداً، وجعل قادة الاحزاب السنية غير ممسكة بناصية القرار السنّي بشكل عام.
وفي كل مرة تشكل الحكومة والرئاسات الاخرى تكون النتيجة تشكيلة تمسك بها المكونات الاخرى بالوزارات والمواقع المهمة فيها.
طرحت الان مبادرات ومشاورات حول توحيد البيت السني سياسيا بعد نتائج الانتخابات المبكرة التي حصل فيها تحالف تقدم الذي يتزعمه محمد الحلبوسي المرتبة الاولى على القوائم السنية والثانية على مستوى العراق، هذه النتائج اعطت انطباعا بان الحلبوسي سيكون “أب السنّة” القادر على لمملة انقسامات البيت السني وترجمة الالتفاف حوله إلى اعادة الاعتبار للسنة من حيث المكانة والوظائف والادوار. بوادر توحيد الصف السني تؤشر امكانية ذلك خاصة بعد لقاءات مكثفة بين الحلبوسي وقادة الاحزاب السنية الاخرى واكتمال قناعتهم بزعامة الحلبوسي للمكون سياسيا وتموضعه كممثل رسمي ورمزي له.
كما سمحت نتائج الانتخابات المبكرة في العراق باستيلاد مرجعية سياسية سنّية وظّفها الحلبوسي في إطار من الواقعية السياسية، تدفع باتجاه إجراء مصالحة وتسوية مع باقي الاطراف السنية الاخرى.
لكن هل ستمثل هذه القناعات والخطوات والتفاهمات صوب ترتيب البيت السني مسارات موضعية ومرحلية تتعلق بتجاوز مرحلة مابعد الانتخابات وتنتهي مع تشكيل الحكومة والمواقع الاخرى؟ ام ستكون مشروع استراتيجي مستمر ؟ المؤشرات تعطي انطباعا ان المرحلة القادمة لاتتحمل على مستوى المكون السني سياسيا وجماهريا مزيدا من التشضي والانقسام، وان تريب وحدة صف البيت مسألة وجودية لابد ان تستمر ، وطالما ان مرجعية الحلبوسي السياسية اثبتت قدرتها على التفوق انتخابيا وشعبيا على باقي الاطراف السنية فهذا يعني ان الاندماج والتحالف والوحدة تذهب باتجاه مسار الديمومة والاستمرار لان الحاجز الاول الذي كان يمنع من ذلك هو تساوي وتقارب الاوزان الشعبية والانتخابية للقيادات السنية التي تعرقل مثل هذه الخطوة، وطالما ان هذه العقدة قد حلت فان ترتيب وحدة الصف السني باتت اقرب للواقع منت الى الفكرة واقرب الى ان يكون هذا المشروع فيه من الثبات والاستمراريك اكثر من التموضع المرحلي التكتيكي الراهن.
ترتيب وحدة البيت السني : تموضع مرحلي ام خيار استراتيجي؟ د.احمد الميالي
(Visited 7 times, 1 visits today)