د. احمد مشتت
بدأ التطعيم الإلزامي بعد بضع سنوات من تطوير الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر لقاح الجدري في عام 1796. وفي عام 1806، أمرت إليسا بونابرت، حاكمة لوكا وبيومبينو في إيطاليا الحالية (وأخت نابليون)، بتطعيم الأطفال حديثي الولادة والبالغين.
وفي عام 1853 تم اصدار قانون التطعيم الإجباري للاطفال الرضع في إنجلترا وويلز ضد الجدري.
في الولايات المتحدة الامريكية بين عامي ١٩١٩ و ١٩٢٨ كان عدد الاصابات بالجدري في الولايات التي رفضت الزامية التطعيم بنسبة ١١٥ لكل ١٠ الاف شخص بينما كانت النسبة في الولايات الي اقرت الزامية التطعيم ٦ اصابات لكل ١٠ الاف شخص.
في بريطانيا لايستطيع الطبيب العمل في اي مستشفى مالم ياخذ لقاح التهاب الكبد الفيروسي.
وبعد مرور حوالي اكثر من عشرة اشهر على بد استخدام اللقاحات المضادة ضد الكوفيد ١٩ بدأت دول عديدة بفرض الزامية التطعيم على قطاعات معينة من المجتمع مثل العاملين في دور رعاية المسنين والرعاية الصحية من اطباء وكوادر تمريضية كما حدث في بريطانيا وايطاليا وفرنسا. وفرضت النمسا الزامية التطعيم على كل فئات المجتمع بدوت تمييز. وربما تمضي المانيا في نفس الطريق.
نحن في لحظة تاريخية فاصلة في النزال مع فايروس الكورونا الذي لاتوجد اية دلالات انه سيختفي قريبا او يضمحل تاثيره. يعود بموجات حديدة ويتحور باستمرار. وبزوال الامل في ان اللقاحات تمنع الانتشار كليا اصبح الهدف الحالي والمستقبلي هو السيطرة على تاثيراته على حياة الانسان والتقليل من المضاعفات الشديدة والوفيات.
ماذنب الاشخاص الذين اخذوا اللقاح في ان يتحملوا تبعات عدم اخذ اللقاح من الاخرين حيث يتعرضون لمساوئ الحظر والاغلاق الشامل حين تخرج الاصابات وانتشارها عن السيطرة. تسعى الدول الجادة في تطعيم مواطنيها الت تحقيقي اعلى نسبة قد تقترب من ٩٠ بالمئة لتحقيق جدار مناعي يحافظ على حياة الانسان.
إن من اهم مبادئ الطب تضمن للإنسان حق الاختيار فيما يتعلق بصحته، شريطة ألا يؤثر ذلك على صحة الآخرين ويعرضهم للخطر.
فالذين ينادون بالحرية الشخصيّة لرافضي المطاعيم يهملون التفكير بمصير بقية أفراد المجتمع وخاصة الضعفاء منهم من المصابين بامراض مزمنة او اعتلال الجهاز المناعي، وهم الأكثر تأثراً بالعدوى والمضاعفات وحتى الوفاة.
ليس هذا فقط ولكن تعرض الناس الذي اخذوا اللقاح الى اضرار الحظر والاغلاق الشامل الذي قد تفرضه الدول بسبب عدم السيطرة على الوباء لان فئة من الناس ترفض اخذ اللقاح.
التظاهرات التي عمت عواصم الدول الاوربية بسبب مناهضة اعطاء اللقاح والزاميته تشير الى ان النزال مع هذا الفايروس والمدافعين عن استمرار وجوده ( عن جهل وعدم تبصر) سيكون نزالاً طويلاً حافل بالاحداث.
ولكن ليس هناك شك ان الزامية التطعيم ستكون خيارا قويا للحفاظ على حياة الانسان اولا قبل ان يتسنى له التمتع بحريته ربما ستكون الخيار الاوحد في المستقبل القريب.
وللتعامل الأخلاقي حكايات
-1-
الخليل بن أحمد الفراهيدي عَلَمٌ من أعلام اللغة والأدب المشاهير .
وهو الذي وضع (عِلْمَ العَروض) المختص بأوزان الشعر وبحوره .
والسؤال الآن :
انّ تاريخ الشعر أقدم بكثير من مولد الخليل ، فكيف كان الحال قبل اكتشافه لبحور الشعر ؟
والجواب :
انّ القدرة على الحفاظ على الأوزان دون اخلال بها ، موهبةٌ لا ينالها الاّ الشعراء، وهم مستغنون عن الالمام بِعِلْمِ العروض بِمَا رزقهم الله من تلك الموهبة .
حتى قال قائلهم :
مستفعلن فاعلن فَعُولُ
هذا لَعِمْري هُوَ الفضولُ
قد كان شِعْرُ الورى صحيحاً
مِنْ قَبْلِ أنْ يُخْلَقَ الخليلُ
-2-
وعلم العروض ليس من العلوم السهلة لا سيما على من كان بعيداً عن دنيا الشِعْر .
وذاتَ مرّة :
رغب أَحَدُهُم في دراسة علم العروض على يد الخليل بن احمد الفراهيدي، رائد هذا العِلْم والخبير بدقائِقِه ،ولم يستطع الرجل انْ ينجح في دراسته للعروض ،
كما أنَّ استاذه الخليل قد شخّص ذلك .
فما كانَ منه الاّ ارسال الاشارة البليغة الى تلميذه الذي استعصى عليه فَهْمُ العَروض فخاطبه قائلا :
مِنْ أيّ البحور قول الشاعر :
اذا لم تستطع أمراً فَدَعْهُ
وجاوِزْهُ الى ما تَستَطيعُ ؟
وهنا استوعب التلميذ الاشارة البليغة فَتَركَ المضيَّ في ما عَجَزَ عَنْ فهمه.
وهذا هو مقتضى الواقعية ، والاّ فان الاستمرار في ما لا طائل وراءه ليس الاّ لوناً مِنْ تضييع الوقت والعمر .
ولئن حاول الرجل التعلم وفشل ، فانه يبقى أفضل من كل الذين لا يحاولون تعلّم العلوم ، ويؤثرون الكسل على الجِدّ في تلقي العلوم والفنون وضروب المعرفة .
-3 –
والمهم في هذه الحكاية :
الأدب الرفيع الذي تحلّى به الخليل الفراهيدي الذي لم يخدش مشاعر تلميذه ، ولم يختر صِيغةً قاسية في إبلاغه بانه ليس ممن يقدر على اتقان هذا الفن، فخاطبه بما سمعت ،
وتمّ له ما أراد .
وهكذا تضعنا الحكاية أمام درس اجتماعي مهم يدعونا الى احترام المشاعر، والابتعاد عن الإثارات المزعجة، وذلك أسلم الحلول في الحفاظ على الآداب والأصول .
-4-
لقد شاع – للاسف – أسلوب الاستهانه بمشاعر الآخرين دونما حسابٍ للمردودات السلبية عليهم من أساليب الخطاب البعيد عن اللياقة الانسانية والأخلاقية .
وكان من الجميل أنْ تقتطف لهم من رياض الآداب وروائع الخطاب وردةً شذيّة ، لعلهم يجدون فيها ما يجذبهم الى الجمال والأشذاء بدلاً من الغلظة والايذاء .
حسين الصدر
Husseinalsadr2011@yahoo.com
اكسبو في العراق!
وسام رشيد
اكسبو هو منصة عرض لواقع البلدان المشاركة وعددها 195 دولة ، ونظرة لمستقبل هذه الدول مع تقدير لما يمكن ان تصل اليه من تطور عمراني واقتصادي يشمل قطاعات الدولة المختلفة من زراعة وصناعة واتجاهات تكنولوجيا ضخمة، وتجهيزات مساندة لجهود تلك الدول في في سباقها نحو التصدّر وحجز مقعد متقدم بين دول العالم التي تسعى لاسعاد شعوبها من جهة والمساهمة في خدمة البشرية كإستحقاق انساني واخلاقي وتأريخي لكثير من الدول المشاركة في أكبر فعالية عالمية تشهدها الكرة الأرضية كل خمس سنوات، وكانت هذه الدورة من نصيب مدينة دبي الجميلة في دولة الامارات العربية المتحدة.
حالفني الحظ ان اكون احد زوار اكسبو – دبي الذين بلغ عددهم حتى منصف شهر تشرين الثاني ملونين وثمان مائة الف زائر، حسب احصائيات مركز بيع التذاكر، ومن مختلف انحاء العالم.
وانت تتجول في اقسام دول العالم تتعرف على جوانب اخرى بعيدة عن السياسة والنتاجات الحربية، وتقديرات لشكل العالم في المستقبل القريب، واضافات دقيقة لخيال يضيف جمالاً آخر للمشهد الحالي.
وكونك عراقي ينتابك شعور يختلف عن ما يتبادر لاذهان معظم زوار اكسبو ، اذ انك ستقوم بمقارنة هذا الاستشراف المستقبلي لحياة العالم مع واقع العراق المأساوي والمرير والمهين ايضاً، فالعراق خارج كل خطوط التماس مع برامج تطور العالم المختلف، فواقع بلدك خالي من عوامل قيام دولة مؤسسات، ويفتقد لارادة سياسية يمكن ان تقوده مستقبلاً ان يضع قدماً في طريق التقدم الذي تحدث عنه حكومات كثيرة بعد عام 2003، والعراق ايضاً لا يمتلك شوارع ومطارات ومدارس و…. العراق لا يملك الكهرباء ايها السادة! والتي لا تدخل ضمن حسابات تطوير المنظومات الاقتصادية في العالم.
المقارنة بين ما يتحدث به علماء الدول من الخط الثاني والثالث ضمن قياسات التقدم والتي تظهر في صورة اكسبو لكل دولة وبين واقع العراق، هذه المقارنة تعد (كفراً صُراح)، ولا ينبغي الاستمرار كثيراً في التفكير بذلك، فلن تستطيع ان تتمالك نفسك وانت تلوم المجهول الذي ينتظر قدرك المشؤوم.
لكنك ايضاً ستحاول ان تتخيل الاجابة عن سؤال واحد، ماذا لو قرر العالم ان ينظم العراق الدورة القادمة لـ اكسبو !
ماذا لو افترضنا اننا سنخصص مساحة من الارض العراقية في كردستان العراق عند الكرد لاقامة المعرض!
او ان سنة العراق سيصرون ان يكون اكسبو في الرمادي او الفلوجة بعد حملة الاعمار الكبيرة والواسعة على خطى اربيل مثلاً!
وماذا بشأن البصرة، وهل سيقبل شباب النجف (الناشطين) في تجاوز مدينتهم.
سيخلق اكسبو ازمة سياسية بين الفرقاء السياسيين عن الميزانية المخصصة وتقسيمها بين لجان الاحزاب الاقتصادية، وسيخلق شريعة جديدة للفساد تستمر حتى نهاية ايامه البالغة 180 يوماً كل خمس سنوات.
سيكون من الصعب ايضا على دول كثيرة المشاركة اذ سيتعذر عليها الوصول لاسباب امنية وسياسية وادارية وفنية وووو … الاهم ماذا ان مواطني تلك الشعوب لن يستطيعوا نقل اي صورة او مشهد لما سيكون في هذا المحفل الخيالي الذي لا استطيع ان اصف جانب واحد من جوانبه التنظيمية او الادارية او التجميلية حتى وان استثمرت كل صفحات جريدة المُستقل.
وعندما يصل بك التفكير مرحلة الاحباط عليك بزيارة جناح العراق ستعرف اني لم اكن متهكماً او مبالغاً في وصف الحقائق.
اكسبو لن يستطيع التعايش مع العراق لانه يتعاطى في جو يشع منه اسباب الحياة والترفيه والتسابق للوصول للأفضل.
اول حكومة عراقية في التاريخ
جعفر الحسيني
في ٢٥ تشرين الاول ١٩٢٠ ، تشكلت اول حكومة عراقية في التاريخ ، وكانت مجرد صورة ، بينما كان السير برسي كوكس هو مَن يدير البلاد ٠ وما كانت لتتشكل هذه الحكومة لولا قيام ثورة العشرين والتي اجبرت البريطانيين على تغيير سياساتهم واساليبهم في العراق ٠ لقد وضعت ثورة العشرين البريطانيين امام خيارين : اما تأسيس حكومة عراقية او الجلاء ( فيليب آيرلاند ( السفير الامريكي الاسبق في العراق ) – ص٢١٧ ) ٠ ويعترف كوكس نفسه بان الثورة ادت الى حصول هياج في لندن للمطالبة بالجلاء عن العراق ، وان الحكومة البريطانية نفسها كانت مضطربة جدا ( الوردي ج٦ ص٩ ) ٠ وهكذا كانت احداثها وماقبلها ( ١٩١٩ – ١٩٢٠ )، قد اطلقت عملية جديدة ، الا وهو النمو الصعب لمجتمع وطني عراقي ( بطاطو ج١ ص٤٢ )٠ ومن هنا كانت القيمة التاريخية لثورة العشرين ٠المفارقة ان شخصا صار فيما بعد رئيسا للوزراء – مزاحم الباججي – قال عنها للحاكم البريطاني : يؤسفني جدا ان تؤدي حماقات الافراد العرب الى ازعاج الامة البريطانية في مهمتها المشرفة ( الوردي ج٦ ص١١ ) ٠ والحقيقة ان ممارسات الادارة والجيش البريطانيين بحق العراقيين – وحسب قائد القوات البريطانية في العراق الجنرال هالدين – من سخرة وجمع طعام وسحب الزراع من حقولهم وتشغيلهم كعمال في الجيش وتقييد التجوال والاسفار واتباع السياسة السياسة الاستعمارية المألوفة في الهند من حيث معاملة الناس بخشونة واذلالهم ٠٠الخ ( الحسني – احداث عاصرتها ص٢٩) هي من اشعل الثورة ، فضلا عن مساعي الحاكم السياسي العام ويلسن لالحاق العراق كمستعمرة بالهند ( د وميض نظمي – الجذور السياسية ص٣٣٩) ٠
تشكلت الحكومة برئاسة عبد الرحمن النقيب ( ٧٨ سنة) من ثماني وزراء ، واضافوا لهم – في ٢٢ شباط ١٩٢١ – وزيرا شيعيا ، هو محمدمهدي بحر العلوم ٠ واستمر هذا النهج بعدها حيث يضاف وزير شيعي واحد لكل تشكيلة وزارية ثم صارا اثنين ، حتى بلغت النسبة الثلث في اواخر العهد الملكي ، ولكنها تراجعت في العهد الجمهوري ٠ وعموما فمن ٥٩ وزارة تشكلت في العهد الملكي كان منها ٥ وزارات فقط شكلها رؤساء وزراء شيعة ، اي ما نسبته اقل من ٩٪ ( العلوي – الشيعة والدولة القومية ص٢٠٠) ٠ وهكذا تم التأسيس لدولة علمانية عندما يتعلق الامر بالدين وطائفية عندما يتعلق الامر بالمذاهب ٠ وقد توقع البريطانيون ان تؤدي هذه السياسة الى الايقاع بين السنة والشيعة ( عبد الله النفيسي – دور الشيعة ص ١١٩) ٠
وكان ضمن هذه الحكومة ١٢ وزيرا بلا وزارة ( كان بينهم اربعة من الشيعة ) ٠ وقد عُين لكل وزير بحقيبة وزارية مستشار بريطاني يسيره ويوجهه ، وكان هو الحاكم الفعلي في الوزارة ، حتى صار الاهالي يقصدونه بدلا من الوزير ( الوردي ص ٢٦ ) ٠
خُصصت لهذه الحكومة ومستشاريها البريطانيين رواتب ضخمة ، حتى ان وزير العدلية مصطفى الالوسي لما استلم راتبه الاول ، فُوجئ بضخامته فصرخ : اللهم انصر الدين والدولة ( العمري – حكايات سياسية ص ٤٥ ) .
الغريب ان وزيرين من وزراء هذه الحكومة ( عبداللطيف المنديل واحمد الصانع) قادا – في حزيران ١٩٢١ – حملة لانفصال البصرة ، وجمعا ٥٤٠٠ توقيعا على طلب قدماه للمندوب السامي البريطاني ( الحسني – تاريخ الوزارات ج١ ص٩٨) ٠
وقد اختتمت هذه الحكومة عمرها بتتويج الملك فيصل الاول ملكا على العراق ، وتم التمهيد لذلك برفع مضابط من الاهالي بترشيح الملك فيصل ، وكان بعض المستشارين البريطانيين في الالوية ( المحافظات ) يوعزون للاهالي باضافة كلمات من قبيل : ترشيح الملك فيصل شريطة بقاء الوصاية البريطانية !!! وحولوا العملية بتدخلاتهم الى مهزلة حقيقية ٠ والطريف ان مدير ناحية طاووق نظم مضبطة بترشيح الملك فيصل ، ثم شاع في المساء ان الانگليز عدلوا عن ترشيحه ، فنظم مضبطة ثانية برفضه ، وفي الصباح سلمهما معا لمشاور اللواء البريطاني ( احداث عاصرتها ص٦٣) .
وهكذا اسس البريطانيون للكثير من المهازل والمساويء والمصائب في الحياة السياسية العراقية ، وفرضوها فرضا ، وكان اسوأها الدستور العراقي ( القانون الاساسي ) والذي صاغه البريطانيون انفسهم ( المصدر السابق ص ١٢٠ -١٣٩) ، والمعاهدة البريطانية العراقية ، وامتياز النفط والذي لامثيل له بالعالم حتى في بلد كالكويت عندما كانت امارة ( مذكرات احمد مختار بابان ص٢٠٥ و٢٤٦-٢٤٧ ) ٠٠٠وغير ذلك الكثير ٠
الخلاصة ، لقد اسس البريطانيون في العراق ، مااطلق عليه وبدقة الكاتب الفرنسي لويزار : دولة ضد مجتمعها ، فكانت عثمانية التفكير والروح والاساليب ٠ وللاسف انها لازالت كذلك ٠
الشيء بالشيء يذكر ، ان المس بيل سكرتيرة المندوب السامي وصفت صحيفة ( الاستقلال) العراقيه والتي كانت تدعو لاستقلال العراق بالبلشفية ، وبانها تقبض تمويلا ماليا ، ثم اغلقوها – في ٩شباط ١٩٢١ – وساقوا اصحابها الى السجون ( الوردي ص٣٤) ٠ وهكذا تتشابه الامبريالية تماما مع الديكتاتورية في كيل التهم وتلفيقها لمن يعارضها .
الأنا و موت الانسان
د.رقيق عبدالله
كاتب و مفكر جزائري
إنه الأنا لن يستطيع أن يعيش إلى متى أن يريد، فحتمية الموت تدفع بالبعض إلى إلغائه، هنا لن أطرح ما قاله برنارد شو او حقيقة وضوح ًالموت و حتميتها، لن انطلق في ماهيتها فقد انطق ما قاله أبيقور في جدلية التبادلية، فالموت لا يعنيني البتة، فهو إن وجد، لن أكون موجوداً، وإن وجدت أنا لن يكون هو انا، اتحدث عن موت الانسان في فهم كينونته الاجتماعية و سر وجوده الانساني، أن الانشغال بسر تلك اللحظة الخاطفة التي يتحول فيها الوجود إلى اللاوجود، حول الفيلسوف إلى عابث بسؤال أن مارتن هيدغر حين طرح تحليله الأنطولوجي عن الموت ازال الغطاء الميتافيزيقي عن فكرة الموت، و أعطاه صفة وجودية فينومينولوجي فقط. إن هيدغر رقص مع الموت و دعى بالكينونة والزمان.
إن موت الانسان هو موته الاجتماعي فاعليته و كيانه أنه هو التهديد الاكثر ألما. أن التفكك المركزي عبر المنهج الاخير لما بعد الحداثه نقل المجتمع أفرادا و جماعات في علاقة زمانية مؤقتة في عالمهم ليجدون أنفسهم بين قلق هيدغر و إشكالية قلق الخطيئة لكيركيغارد.
إن عيش الإنسان بهذا الكم الهائل من التفكك استحال كل إمكانية الاجتماعية و عدمها في فردانيته المفككة الطاعية إلى كلية الوجود الإنساني، الرافضة في الوقت نفسه لهذا الوجود الاجتماعي و الانساني و تحول الفرد من خلالها إلى تجربة ذاتية منطلقا بأن لا أحد سيموت عنك، في هذه اللحظة قرر الإنسان جدوى فردانيته و تحمل تبعات همومه منذ خروجه عن التعاقد الاجتماعي الجاهز في الفرد عبر مواطنته إلى أن لا يكون إلا بك.
أن المنهج الاخير لما تفرضه ادوات ما بعد الحداثة على المستوى التقني و الاقتصادي، السياسي و الثقافي يجعل الموت و الفردانية متلازمان بالزمان ضد الاجتماعي.
فالفردانية في ذاتها هي تجربة الإنسان الذاتية التي قد لا نشاهدها في الخارج عن الموضوع لكن تم تحويلها عبر المنهج الاخير إلى ظاهرة لا يمكن تشخيصها لأنها تمكنت منا ومهما حاول الانسان الهروب أو المقاومة، الصمود أو التلاشي فإنه وجهاً لوجه أمام حتمية الفردانية المفككة و التي أسست لها الحداثة عبر اختيار بلا إرادة، و دخل الانسان تجربته الأخيرة بمفرده فقط.
و تحول الإنسان الاجتماعي إلى طيف و فلكلور موسمي يصاحبها احيانا و ترك المكان إلى الفردانية الممتزج بالحياة و أسلوبها الخفي الساحر في اختطافنا تحت مسمى الأنا و كأن هذا الأخير خلق الجميع لأجله فبقى الأنا و مات الإنسان.
روح السّياسة
علي حبل المتين
يبين لنا “غوستاف لوبون” رائد علم النفس ترجمة للسياسة وآليتها لكن من خلال دراسة سكسيولوجية الشعوب ومدى تاثرها وتفاعلها مع هذا المفهوم، لعلم النفس الاثر الاكبر من تطور الشعوب بينما لم نستخدمه إلا في معالجة المرضى ولم نفلح بذلك، فزدنا مرضًا بينما تماثل للشفاء الآخرون، اضع بين أيدكم فحوى ما جاء في سفره ( روح السياسية)…
يعرف السياسة على أنها عبارة عن توفيق المرء بين مشاعره وبين البيئة التي تكتنفه، أي أن لكل مجتمع أو بيئة أو أسرة تتماشى وفق سياسة خاصة بها ولا يمكن تطبيقها على مثيلاتها، وكيف أن الصراع السياسي أمضى من الصراع الميداني وكيف تفشت الاشتراكية في البلدان مع وجود مناهضيها، فمثلًا تولي الكاردينال لا فيجيري رعاية أربعة الآلاف يتيم جزائري، أخضعهم لتجربة تصدير سياسية مبتدأً بتغيير دينهم إلى المسيحية، ورغم تربيتهم تربية مسيحية بعيدة عن كل تأثير أسلامي ارتد أكثرهم إلى الاسلام بعد أن بلغوا سن الرشد، وهذا هو الأمر الذي لا نستطيع فهمه إلى الآن لماذا لم تنجح الديمقراطية في بلداننا مع أنها نجحت في بلدان أخرى، كانت بداياتها منها لكن لمْ تتكلل بالفشل الذريع الذي حصل عندنا وكان المتوقع هو العكس فوصولها ألينا على طبق من فضة بعد كل التجارب التي خاضتها وجعلت منها أنموذجا راقيًا، نقول هي سياسية ومادامت كذا لن تكون حسب المتوقع منها ابداً مثلما لن تنجح سياستنا مع تلك البلدان المصدرة لسياساتها والمهينة على العالم لقد فشلوا وهم يعلمون أن الناس لاتسلم بالآراء لصحتها بل يسلمون بها عندما تستولي بفعل التكرار والعدوى الفكرية على دائرة اللاشعور التي هي علة السير فينا وكما قال “نابليون التكرار مظهر البلاغة الاساسي لانه من اشد عوامل الإقناع تاثيرا”…
وبينما تقترب مصالح الشعوب بعضها من بعض نرى روح هذه الشعوب تنفصل الواحد عن الاخر وبدلًا من تسير الشعوب نحو الاخاء الحقيقي يسودها النفور أكثر من ذي قبل ولهذا النفور نتائج سياسية إجتماعية كثيرة وبعد أن قصرت الشعوب المسافات بينها بالبخار والكهرباء والمسافات الطويلة أخذت تفرط في التسليح…
وإنها على افتقار تام للمبادئ إذًا هناك تناقض بين بياننا أن عمل المبادئ العقلية قليل في سير الحوادث وبين تأثير هذه المبادئ السريع في أثناء الثورة، فهي على راس نقيض مع الثورة لأن أساسيات الثورة المبادئ وهي ليس لها كل أساسيات أو مبادئ هي عملية مداراة…
إن ولاة الأمور ليس عندهم سوى علم وجيز باحوال النفس ولكنهم بهذا العلم الوجيز الملائم لأفكار اولي النفوس الساذجة استطاعوا أن يستعبدوا البسطاء وهم يعلمون أين يذهبون ماذا يريدون ولا يجهلون أغلاط رجال السياسة والمجتمعات لاتجتدد كما يرغب ولاة الأمور فالحقوق لاتصنع وإنما هي تصنع نفسها…
وإذا كان هذا السياسي يتسنم منصبه ليس بالتدرج الوظيفي ولكن بشفاعة حزبه فمن الخطر وضع ثروة أبناء الوطن تحت رحمة جيش الموظفين الذين هم عمال حزب سياسي قابض زمام السلطة وهو خطر مخيف يهدد مالية الدولة سيؤدي إلى تبذير الدخل وظلم متوسطي الحال وينذر ثروة الأمة بالأفول والحكومة لتذبذبها المتواصل واشتراعها اتفاقًا واضطهادها كثيرًا من طبقات الأمة أصبحت ثقيلة شديدة الوطأة ممقوتة من الذين بغت عليهم…
يسهل ظهور أناس مستعدين لمعاناة استبداد أشد من استبداد قدماء الملوك، نعم أن للحرية أنصارا من أصحاب العلوم ولكن الاستبداد هو الذي يستهوي الجماعات وقادتها، الحاجة إلى الاستبداد عاطفة قومية ملازمة لمزاجنا النفسي ويسهل أثبات ذلك ببيان نتائج النظم الواحدة في مختلف الشعوب…
إن الإنسان قد يكفر بالهته القديمة باحثًا عن آلهة أخرى فاالإنسان لايقدر على العيش من غير دين أي من غير أمل، فبرع في أقامة المعابد والتماثيل قبل البرع في صنع المصابيح والمظال، وتعلم الناس فيها الكتابة قبل أن يطلعوا على اصول التدفئة واكتشفوا المنقاش قبل أكتشاف الشوك، ضرورة الخضوع لمعتقد ديني دينيًا كان أم سياسيًا أم اجتماعيًا، هي غريزة متجيرة على كثير من النفوس فهؤلاء يحتاجون إلى معتقد ديني يدير حياتهم الياً، ويكفيهم عناء التفكير ومعنى ذلك أنهم يصبون إلى الاستعباد الفكري لا إلى حرية الفكر…
[ ويمكن وبسهولة استغلال هذا الدين من قبل السياسيين إذا كان يرتجى منه سلم وصول ]…
نود أن نحكم الشعوب بانظمتنا ومبادئنا ومع أن تلك الانظمة والمبادئ لم تلبث أن ردت بالإجماع، يدفعنا اعتقادنا أننا على الحق في الاستمرار على سيرنا حتى يثبت لنا مختلف المصائب أن مبادئنا عبارة عن أغلاط محزنة نظريًا وعلميا، تكفي بضعة أرقام لاثبات تاثير معتقداتنا الدينية القليل ولكن هذه الأرقام لاتذكر بجانب اعترافات المبشرين أنفسهم بعجزهم عن تحويل الشرقيين إلى دينهم، إنما علينا أن نعلم أن الشعوب القوية وحدها هي التي لها حق الحياة في العراك الاقتصادي الذي يتدرج إليه العالم في الوقت الحاضر…
أحرار الفكر الذين يحملون على المعتقدات لا يفهمون شيئًا من تأثير الديانات، فمع أن الديانات لا تشتمل إلاعلى قليل من الحقيقة من الوجهة العقلية دلنا التأريخ على أن أهم الحضارات قامت عليه وأنها زينت حياة ملايين البشر بما لاتقدر على فعله مذاهب الفلسفة من زهد وإخلاص وانكار الذات ومحبة الغير…
مصير الأمم التي لايفكر سياسيوها في المستقبل مشكوكًا فيه بسبب المدة القصيرة التي يفبض فيها رجال السياسة زمام الأمور والتي تجعل هولاء لا يفكرون في سوى الساعة الحاضرة غير مبالين بالمستقبل فسياسة لاتبالي بغير الحال هي سياسة منحطة موجبة لأسواء العوارض…
إن حب الوطن هو الملاذ الاجتماعي الحقيقي الذي لاقوة لأمة بغيره، والوطن هو عنوان تراث القرون السالفة ولما كنا لانقدر على العيش بدونه فلنعش لأجله،أن الوطن عند كل أنسان له ضمير حي أقدس من الأبوين وأعز من كل شيءٍ في العالم…
والآن هل عرفت ياعزيزي كيف ينجح سياسيونا مع معرفتنا بفسادهم وعدم أهليتهم في كل مرة يتقدمون لتولي امورنا لا اعلم ايكمن فينا الخلل أم فيهم السبب، كل هذه الاسئلة تجد اجاباتها بين طيات الكلام خصوصًا بعدما صار الحديث السياسي انيس مجالسنا.