محمد عبد الجبار الشبوط
لتعريف الطبقة السياسية سوف استعين بتعريف نيكوس بولانتزاس (الطبقات الاجتماعية، ص ١٤،الترجمة العربية، دمشق ١٩٨٣) الذي يقول فيه: “الطبقات الاجتماعية هي مجموعة من العاملينالاجتماعيين الذين يحددهم بشكل رئيسي لا حصري موضعهم في مسار الانتاج، اي في الميدانالاقتصادي“.
هذا التعريف يتحدث عن الطبقة الاجتماعية الاقتصادية. والطبقة السياسية هي طبقة اجتماعية لكنهامرتبطة بالوضع السياسي. كما انها تعبير عن مجموعة من الفاعلين الاجتماعيين في الحقل السياسي،الذي هو حقل القوة والسلطة السياسية والدولة. وعليه يمكن تعديل تعريف بولانتزاس والاستعانة بهلتعريف الطبقة السياسية. وعلى هذا الاساس نقول ان الطبقة السياسية هي مجموعة من العاملينالاجتماعيين الذين يحددهم بشكل رئيسي لا حصري موضعهم ودورهم في الميدان السياسي، اي ميدانالقوة والنفوذ والسلطة والدولة. وهذا التعريف يستبطن الجانب الوظيفي والجانب البنيوي في نفسالوقت.
تشمل الطبقة السياسية العراقية الحالية المعارضين السياسيين الذين نشطوا من اجل الاطاحة بنظامصدام خاصة بعد الثورة الاسلامية في ايران عام ١٩٧٩ وبخاصة بعد غزو صدام للكويت عام ١٩٩٠ واخيرابعد سقوط نظام صدام في عام ٢٠٠٣. وينتمي هؤلاء الناشطون الى عموم الشعب العراقي، لكنهم قبلوا انيصنفوا انفسهم الى مكونات طائفية وقومية ودينية، بدل توصيفهم كمواطنين، ابتداء من مؤتمرالمعارضة العراقية في فيينا وصلاح الدين في عام ١٩٩٢، ثم بعد سقوط صدام عام ٢٠٠٣، وتكرس الحديثعن المكون الشيعي والمكون السني والمكون الكردي، فيما غاب الحديث عن المكونات الاكبر وهيالمكون العراقي، او المكون الاسلامي، او المكون العربي.
على مستوى المكونات ليست الطبقة السياسية العراقية وحدة واحدة، بل هي شريحة مؤلفة من عدةمكونات فرعية، تجمعها مصلحة مشتركة هي البقاء في السلطة، وتفرقها المصالح الخاصة بكل مكون بلكل حزب بل كل زعيم على حدة. اضحت السياسة بعد عام ٢٠٠٣ عبارة عن سعي متواصل ومحمومللحفاظ على التوازن بين هذين الامرين، لان قادة الطبقة السياسية، وعرابيها، يدركون ان اختلال التوازنقد يؤدي من بين امور اخرى كثيرة الى فقدان السلطة، شيعيا وسنيا وبدرجة اقل كرديا. ومن اجل ذلكاقامت الطبقة السياسية جهازا سياسيا مؤلفا من حكومة وبرلمان ومجالس محافظات وادارات فرعيةيأتمر بامر العدد القليل من القادة الذين يشكلون من جهتهم ما يسمى بالاتوقراطية الانتخابية electoral autocracy مع ملاحظة ان بعضهم غير منتخبين او لا يشاركون في الانتخابات اصلا.
“الوظيفة هي ما يؤديه الافراد في مجتمع او تنظيم معين من ادوار بحكم موقعه فيه” كما يقول الدكتورعادل فتحي ثابت عبد الرحمن في كتابه “النظريات السياسية الحديثة“، ص ١٨١.
و حدد عالم الاجتماع المعروف الموند وظائف الجهاز السياسي بوظيفتين هما:اولا، اداة المجتمعلتحقيق اهدافه؛ و ثانيا، اداة لتحقيق استمراره. ولكن بملاحظة مستوى الانجاز المتحقق بالنسبةللوظيفة الاولى مقارنا بمستوى الانجاز المتحقق للوظيفة الثانية لا يصعب على المحلل القول ان الجهازالسياسي للطبقة السياسية في العراق ركز على الوظيفة الثانية التي اصبحت بلا جدال وظيفته الاساسية. وهذا يفسر بقاء نفس الاشخاص المتصدين لشؤون الدولة خاصة الشيعة والكرد منهم بالدرجة الاولى،والسنة بالدرجة الثانية.
ومع ان تحليل الموند المذكور يعود الى عام ١٩٦٠ وهو تاريخ نشر كتابه المشترك مع Coleman الذيحمل عنوان: the politics of the developing areas فان الطبقة السياسية العراقية استطاعت انتقيم نسقا سياسيا مختلطا، و “النسق السياسي” حسب تعريف الموند يتكون من عدة بنيات (بنى) يقومكل منها بوظيفة معينة تحقق استمرار واتزان ذلك النسق الكلي. وهو يرى أن جميع الانساق السياسيةتعتبر انساقا مختلطة من ناحية الاوضاع الحضارية والثقافية حيث تجمع بين الخصائص التقليديةوالخصائص الحديثة. وهذا ما ينطبق على النسق السياسي الذي اقامته الطبقة السياسية الراهنة؛ فهونسق مختلط، يجمع بين الخصائص الحديثة (احزاب، انتخابات الخ) وبين الخصائص التقليدية (القادةالاوتوقراطيين). ولهذا يصعب وصف النظام السياسي العراقي الحالي بانه نظام ديمقراطي، ففي افضلالحالات نكتفي بالقول انه نظام مختلط.