الأعوام الطويلة  / د. عبد الحميد الصائح

الأعوام الطويلة / د. عبد الحميد الصائح

عبد الحميد الصائح

لم يحصل أن مرّ عامٌ على العراق بمفرده، دائماً تأتينا الأعوامُ بالجملة متشابهة في ظروفها وأشكالها، ولذلكيحاول العراقيُ افتعالَ أي شيء على الصعيد الشخصي كي يبدو عامُه المقبل مختلفاً عن عامة المدبِر.

ولو تصفحنا تاريخ العراق على وفق هذا المبدأ لحسبنا كم عاماً عمر الدولة العراقية بالضبط؟

تبدأ القصة مع أوّل عام طويل استغرق 37 سنة منذ أنْ أسست لنا بريطانيا ضمن توزيعة سايكسبيكوالارتجالية دولة العراق الحديثة، وخلّصتنا مشكورة من سيطرة الدولة العثمانية عام 1921، وجلبت لنا ملكاًمن بقايا إشراف مكة حاكماً علينا، وأسست لنا كذلك جيشاً ليجعل من حياة هذه الدولة الناشئة مشجباًيغذي الطموحات العسكرية والرغبة الشعبية والسياسية في تغيير شكلها ونظامها وعَلَمها وهويتها (عندالضرورة).

حتّى تحقق ذلك في 1958 حين تزعم العسكرُ السلطة فيها، ليبدأ عام جديد أبو العَشرة 1958 – 1968 كرّوفرّ بين البعثيين والقوميين والشيوعيين والتصفيات الجسدية بين الضباط تكللت بمقتل الزعيم الجديدوالذي بعده والذي بعده من مؤامرات حتّى مجيء البعثيين الثاني للسلطة ودخول العراق في عام جديدطويل آخر يستمرّ من انقلابهم 1968 حتّى 1979، استلام صدام مقاليد الحكم في البلاد، فكانت عشرسنوات أخرى مضغوطة في عام مليء بالتوتر وحروب الشمال والتصفيات التي رافقت ما سمي بالجبهةالوطنية وتكريس ديكتاتورية البعث التي حكمت العراق كسْر بجمع خمساً وثلاثين سنة.

لكن ذلك العام أبو العشرة كان أهون من عام أبو ثمانية 1980 – 1988، ثمانية متشابهات في أيامهاومآسيها ويومياتها وتوابيتها هي سنوات الحرب العراقية الإيرانية الشرسة، كانت فعلاً عاما واحداً طويلاًمرهِقاً متصلاً من الهلع والجنائز وتشديد قبضة الأمن على الناس والتقشف والشهداء والحرب العبثية التيأزهقت أرواح أكثر من مليون إنسان من الجانبين.

وقبل أنْ يتنفس العراقيون ويجمعوا مخلفات الاحتفالات بنهايتها يأتيهم هذه المرة عام أبو التسعة 1982 – 1991 متصلات من غزو الكويت حتّى إعلان حرب ثلاثين دولة بينها الدول العربية على العراق، ونهاية ماسمي بالتضامن العربي إلى الأبد، عام الحماقة السياسية والحرب التي أنهت العراق وأخرجته من معادلةالقوة في المنطقة والعالم لاسيّما بعد أنْ وقّعَ النظام السابق وثيقة الاستسلام التي ندفع ثمنها أرضاًومستقبلاً وتنمية حتّى يومنا هذا .

لندخل في عام طويل آخر هو الأخطر، طوله هذه المرة اثنتا عشرة سنة 1991 –  2003، عام الحصار الأمميالجائر الشامل وأسوأ أنواع الحصار الاقتصادي مما لم يشهده بلد في الوجود، لضرب تركيبة المجتمع وقطعشرايين التنمية والتعليم والعلم والطبّ والتكنولوجيا والهندسة والاتّصالات ومحاولة قتل الشخصيةالعراقية التي واجهت فقراً أُسطورياً في ظلّ انهيار العملة وتوقف مقومات الحياة جميعها.

وأخيراً عامالديمقراطيةالطويل (2003 – ؟) وكلكم شهود على ما جرى ويجري خلاله.

الملاحظ في ظلّ ذلك هو عدم اكتراث العراقي بأية مخاطر من أن يكون هذا العام المفتوح  حتى اليوم هو آخرعام للعراق!.

فهو لا يعترف بأنّه مواطن دولة حديثة أُسّست من مائة سنة فقط، بل يرى نفسه مواطناً على أرض عمرهاآلاف السنين طالما انهارت ثمّ نهضت، وطالما احتلّت ثمّ استقلت، وطالما تفتتت ثمّ توحدت، ومهما حصل لهافهو في النهاية مواطنها الأصلي، وكل (عام) والعراق بخير.

(Visited 37 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *